تدفق مئات اللبنانيين على مسرح دوار الشمس في بيروت لمشاهدة أحداث مسرحية "خمسون"- اخراج التونسي الفاضل الجعايبي- والتي تظهر تخبط المجتمع العربي في فساد السلطة المستبدة والاصولية العمياء مركزة على الظلام الخارج من قهر الشعوب وهزائمة. وفي عام 2005- بينما كانت تونس تستضيف قمة مجتمع المعلومات- قامت استاذة محجبة تدعى جودة بتفجير نفسها في باحة ثانويتها عقب صلاة الجمعة، واعتقلت الشرطة كل من حولها، وخصوصا صديقاتها، ومن بينهم آمال التي كانت تقطن معها في المنزل نفسه، وهي ابنة مناضلين يساريين كبار. تحولت آمال من يسارية إلى اسلامية متشددة واعتبر عملها هذا أكبر خسارة منى بها والديها. يروي الجعايبي- الذي يعتبر أحد الذين صنعوا مسرح الثمانينات في العاصمة تونس إلى جانب أمثال محمد ادريس وتوفيق الجبالي واخرين- الجزء الأكبر من الحبكة المسرحية التي يغلب عليها اسلوب الثرثرة باللهجة التونسية، والتي تترافق مع حركة الاجساد التي شدت أنظار المشاهدين. وخلال العرض الذي استمر أكثر من ساعتين ونصف الساعة اطلقت جليلة بكار كاتبة النص والتي ادت دور الام مريم صرخة قائلة "نرفض أن نكون رهينة التطرف مهما كان من هنا أو من هناك" وخلال سرد المسرحية، نجد ان الام مريم قد اختصرت تاريخ تونس المعاصر منذ الاستقلال في عام 1956، فهي واكبت دخول والدها السجن في سنوات الاستقلال الاولى، وواكبت دخول زوجها السجن في السبعينيات؛ لانه شيوعي، وهي تواكب ابنتها في السجون الآن لانها متهمة بالانتماء إلى الاصوليين. تحمل آلام العلمانية العصرية لواء القضايا والمواجهات الصعبة وتحاول مقارعة الاصوليين في مناخ من الحرية والحوار والقاء الحجة عليهم. يجمع الفاضل الجعايبي وزوجته جليلة بكار كارل ماركس وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في حقبة تاريخية تمتد على مدى نصف قرن ليعيدا الاعتبار إلى حق الاختلاف على قاعدة احترام الاخر. ويسعى المخرج التونسي طوال العرض إلى الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. فاذا كان انتقد بشدة الاصوليين الذين يقول انهم يريدون جر المجتمع باكمله إلى "مقصلة التكفير"، غير انه لا يوفر نقده للعقلية البوليسية التي تلاحق هؤلاء، وكيفية إدارة السلطة للازمات وخصوصا التعامل مع الارهابيين. لكنه لا يرجع ظاهرة تنامي التطرف إلى تقلص الحريات فحسب، بل أيضا إلى احتلال اراض عربية مثل العراق وفلسطين، حيث تقول احدى الممثلات "امال لم تتحول إلى متطرفة لو لم يزر (رئيس وزراء إسرائيل الاسبق ارييل ) شارون الحرم القدسي." وكانت المسرحية جابت عواصم عالمية عدة من بينها باريس وطوكيو منذ ان انطلقت قبل ثلاث سنوات، لكنها كانت قد حوصرت رسميا في بلدها تونس لاشهر بسبب مطالبة وزارة الثقافة بتعديل اجزاء منها قبل أن تسمح بعرضها العام الماضي. وكان الجعايبي اعتبر في مقابلة سابقة في تونس ان الحل يكمن في "القضاء على التطرف الاسلامي بتونس لا يكمن في المواجهة الامنية فحسب، بل يمر اساسا عبر التخلص من الرقابة على الاعمال الفنية، وفتح المجال لحرية التعبير، وعدم كبتها؛ كي لا تتحول الى ردود فعل مدمرة". وقال الجعايبي الذي اخرج نحو 20 مسرحية وثلاثة افلام "انا والمؤلفة جليلة بكار نعرف جيدا خطورة ما أقدمنا عليه، لكن اردنا ان نضع مشاهد التنكيل مرآة أمام السلطة، والمعارضة، والمواطن ليتحمل الجميع مسؤولياته، وتطرح مواقف بديلة يكون الحوار الحقيقي اساسها". وقالت الشابة هبة فرحات ان العرض يظهر التطرف بواقعيته وبالأحداث والتواريخ وهذا التطرف ليس حكرا على أحد انما هو التطرف بكل أشكاله، لكن الكاتبة جليلة لا تضع نفسها في مكان تقول ان هذا هو الصح او هذا الخطأ" اضافت "احسست ان الموضوع جميل جدا والرسالة قوية والسينوغرافيا جميلة جدا، لكن كان لدي مشكلة مع اللهجة التونسية المحلية والتكرار." (رويترز)