باستثناء إدراج سوريا على جدول أعمال القمة العربية بدمشق مشروع قرار يدعو إلى تعزيز اللغة العربية، وقرار حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة في التاسع من شهر مارس/ آذار الماضي باعتماد اللغة العربية لغة رسمية في جميع المؤسسات وإلزامها باستخدام العربية في كافة معاملاتها اليومية، لم تتخذ حكومة عربية أي قرارات في شأن تعزيز لغة القرآن خلال الشهور الثلاثة الماضية من العام 2008 الذي أعلنته الأممالمتحدة عاما دوليا لحماية اللغات. كانت الأممالمتحدة اتخذت هذا القرار بعدما حذرت منظمة اليونسكو من أن هناك لغة واحدة من اللغات التي يتحدث بها سكان الأرض (6 آلاف لغة) تختفي كل عام، وأن نصف هذه اللغات مهدد بالانقراض حيث إن 96 % منها لا يتحدث بها سوى 5 % فقط من البشر. وواكب قرار القمة العربية، بناء على اقتراح سوريا وحكومة الإمارات، القرار الدولي بجعل يوم 21 فبراير/ شباط من كل عام يوما عالميا للغة الأمم. بالنسبة للغة العربية فقد اعتمدتها الأممالمتحدة لغة رسمية عام 1974 بعد انتصار أكتوبر/ تشرين الأول،1973 وتوالى اعتماد المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية بذلك، وآخرها الجنة الدولية للهلال والصليب الأحمر في أكتوبر/ تشرين الأول 2007. وقد تزايد الاهتمام في الغرب عموما والولاياتالمتحدة خصوصا بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 بتعلم اللغة العربية في إطار الترويج للسؤال: لماذا يكرهوننا؟ والتعرف إلى الثقافة العربية والإسلامية الأمر الذي كان له برغم سلبياته نتائج إيجابية بإبداء قطاع عريض من الناس الرغبة في تعلم اللغة العربية فضلا عن تنظيم وزارة الخارجية الأمريكية وتبعتها في ذلك دول أوروبية دورات لتعليم العربية لدبلوماسييها المزمع إيفادهم للعمل في دول عربية. وفي هذا الإطار خصصت وزارة الدفاع (البنتاجون) ميزانية بمئات الملايين من الدولارات لتعليم قواتها اللغات الأجنبية ومنها العربية لأغراض غزو العراق والبقاء فيها وفي منطقة الشرق الأوسط واللغة الباشتونية أيضا لأغراض غزو أفغانستان والبقاء فيه وذلك في معهد اللغات التابع للبنتاجون في مدينة مونتيري بولايات كاليفورنيا، بل إن البنتاجون خول قادة الجيش سلطة منح رواتب أعلى لمن يجيد العربية بما يصل إلى 12 ألف دولار سنويا، وذلك لتقليل الاعتماد على المترجمين من العرب. وفي الوقت نفسه تحرص الإدارة على اختيار دبلوماسييها في بلد معين ممن يجيدون لغة هذا البلد أو تعود جذورهم إليه، ومنهم كريستوفر روس الذي يجيد العربية وعمل في سفارات الولاياتالمتحدة في عواصم عربية ومبعوثا في فترة سابقة، وزلماي خليل زاد (من اصل أفغاني) الذي يجيد العربية والباشتونية وعمل في أفغانستان والعراق ويرأس حاليا وفد بلاده في الأمم، وقد حققت هذه السياسة نجاحا فيما فشل آخرون لم يكونوا على دراية بلغة البلد الذي عملوا به ومن ثم يجهلون ثقافة أهله. فقد كان زلماي خليل زاد خلال فترة عمله بالعراق وراء قرار البنتاجون عام 2005 باعتماد استخدام عبارة “أعداء الحكومة الشرعية في بغداد” بدلا من كلمة “متمردين” لأن الأخيرة، استنادا إلى خبرة زلماي بالثقافة العربية والإسلامية، تمنح المقاومة شرعية بينما العبارة الأولى تنزع عنهم هذه الشرعية باعتبارهم خارجين على القانون. ونظرا لخبرة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر بالمنطقة العربية فقد أدرج ضمن توصياته في تقرير دراسة الوضع بالعراق الذي قدمه بالاشتراك مع الديموقراطي هاملتون في ديسمبر/ كانون الأول 2006 التوصية رقم 73 التي جاء فيها: “على وزيري الخارجية والدفاع ومدير الاستخبارات الوطنية منح أولوية قصوى للتدريب اللغوي والثقافي لمن يتم تكليفه بمهمات في العراق”. وبالتوازي مع ذلك خاطبت الولاياتالمتحدة العالم العربي بلغته عبر وسائل إعلام متنوعة والى جانب إذاعة صوت أمريكا أنشأت إذاعة “سوا” وقناة “الحرة” التلفزيونية وأصدرت مجلة “هاي”. وسارت دول أوروبية على نفس النهج فبثت فرنسا “قناة 24” إلى جانب إذاعة “مونت كارلو”، وألمانيا برامج باللغة العربية يوميا على قناة DW وأطلقت روسيا فضائية “روسيا اليوم” في يناير/ كانون الثاني 2007 ، فيما اكتفت بريطانيا بتطوير خدمة هيئة الإذاعة البريطانية BBC وموقعها على الإنترنت، كما أطلق مقر رئاسة الحكومة البريطانية في يونيو/ حزيران 2007 موقعا الكترونيا باللغة العربية كخطوة لإظهار الرغبة في التواصل مع العرب في بريطانيا وخارجها. وتعد بريطانيا الدولة الاستعمارية الرائدة في تعليم دبلوماسييها وموظفيها وموفديها إلى مستعمراتها في العالم العربي لغة أهلها، فقد أنشأت بريطانيا في مطلع القرن الماضي معهدا في بلدة شملان قرب العاصمة اللبنانية بيروت لتعليم دبلوماسييها اللغة العربية وهو المعهد الذي كانت تصفه الحركات الوطنية بأنه “وكر الجواسيس” كما بثت فرنسا قناة “24 ساعة” بالعربية وكذلك روسيا اليوم، كما تبث قناة DW الألمانية 7 ساعات يوميا باللغة العربية. وشهدت القاهرة على سبيل المثال انتظام العشرات من الدبلوماسيين الأجانب في دروس تعلم اللغة العربية وبعضهم استعان بمدرس خاص، غير أن عددا قليلا منهم توقف عن هذه الدروس مبررا ذلك بصعوبة اللغة العربية. وعلى غرار البنتاجون وجه الاتحاد الأوروبي مسؤوليه ورجال السياسة في الدول الأعضاء في ابريل/ نيسان 2006 إلى الحذر في التعامل مع الحساسيات الدينية والثقافية في العالم العربي خصوصا في مسألة وصف الإرهابيين بأنهم يمثلون “الإرهاب الإسلامي”. وذلك ضمن جهود الاتحاد لوضع معجم لغوي للدبلوماسية العامة تتجنب الصدام وإثارة ريبة وشكوك وغضب العالم العربي، ويتضمن خطوطا إرشادية في هذا الصدد تركز على من يسيئون استغلال الدين الإسلامي. أما “إسرائيل” فهي، لأسباب تتعلق بطبيعة النزاع، من الكيانات التي تحاصر اللغة العربية.. اللغة الأم للسكان الأصليين في فلسطين وهم مواطنوها العرب، وهي اللغة التي تحتل المرتبة الرابعة بعد العبرية والإنجليزية والفرنسية في تعلمها، ومن المثير للعجب أن رئيس إحدى البلديات قرر أن يبدأ تلاميذ المدارس الابتدائية في البلدة تعلم اللغة الصينية بدعوى أن أكثر من مليار إنسان يتحدثونها. وبرغم ذلك كشف الصحافي “الإسرائيلي” روبيك روزنتاك في كتاب أصدره في فبراير/ شباط 2006 حول اللغة العبرية العامية أن اللغة العربية هي أكثر اللغات تأثيرا في اللغة العبرية حيث ينطق اللسان “الإسرائيلي” بمفردات كثيرة أصولها عربية بما في ذلك الشتائم التي بات في “الإسرائيليون” يستخدمونها. وفي فرنسا وبرغم تدعيم التجارة والإنترنت مركز اللغة الإنجليزية كلغة عالمية، إلا أن ذلك بدا حافزا لدولة مثل فرنسا لتدعيم لغتها أيضا كلغة عالمية في مواجهة هيمنة الإنجليزية، فقد أعلنت وزيرة الثقافة كريستين البانيل في الحادي عشر من شهر مارس/ اذار تدشين موقع على الإنترنت بعنوان: “لحض الفرنسيين على استعمال الكلمات الفرنسية خلال استخدامهم الشبكة بدلا من استخدام الكلمات الإنجليزية”. ومن سخرية الأقدار أنه في الوقت الذي يتزايد فيه الاهتمام بتعلم اللغة العربية في الولاياتالمتحدة وأوروبا تتعرض اللغة العربية للانحسار والهزيمة في أوطأنها. فبعد غزو العراق عام 2003 أعلنت القيادات الكردية في إقليم كردستان شمال العراق اعتبار اللغة الكردية هي اللغة الرسمية في الإقليم في المدارس ووسائل الإعلام والخطاب الرسمي والشعبي، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد كشف النائب نصار الربيعي وقيادات عراقية أن سفارات العراق في العالم العربي لا تتحدث اللغة العربية لأن أغلب العاملين بها من السفراء وحتى موظفي الاستقبال هم من الأكراد كون وزير الخارجية هوشيار زيباري كرديا وحول البعثات الدبلوماسية في الخارج إلى بعثات دبلوماسية كردية. وفي السودان ووفقا لاتفاقية “نيفاشا” للسلام بين حكومة السودان والحركة الشعبية عام 2004 فقد أصبحت اللغة الإنجليزية وليست العربية هي اللغة الرسمية “الوطنية” في جنوب السودان؟ وفي مصر كما في عواصم عربية أخرى يتراجع استخدام اللغة العربية أمام اللهجات العامة، ويتزايد استخدام الأسماء واللافتات بأسماء أجنبية، ناهيك عن استخدام اللغة الإنجليزية غالبا في لغة التخاطب بسبب التوسع في الترخيص بإنشاء مدارس وجامعات أجنبية بلغات العالم المختلفة، ما دعا إلى إطلاق أحدهم نكتة أن إفريقيا من قبائل “الزولو” قرر إنشاء جامعة خاصة في مصر لحماية لغة “الزولو” من الانقراض؟ لكن عربياً أيضا وبعدما كشفت دراسات واستطلاعات الرأي أن اللغة الإنجليزية أصبحت هي لغة التخاطب الرئيسية في الدولة وأصبحت اللغة المستخدمة في المؤسسات والجامعات والمعاملات اليومية، اتخذت حكومة دولة الامارات العربية المتحدة قراراً في التاسع من شهر مارس/ اذار باعتماد اللغة العربية لغة رسمية في جميع المؤسسات والهيئات، كما تبنت الحكومة مشروع قانون يلزم الشركات والمصارف والجامعات باستخدام العربية في كافة معاملاتها اليومية، بعدما بلغ الأمر حد قبول مؤسسات الدولة الرسمية الرسائل والوثائق باللغات الأجنبية خاصة الإنجليزية.