الرئيس نيكولا ساركوزي يدرك وهو يستعد للحضور للجزائر خلال الساعات المقبلة أن معضلة العلاقات الفرنسية الجزائرية من شقين: طلب الاعتذار وتسديد فواتير وأثمان الاحتلال, ودفع تعويضات لن تكفي سنوات بقائه في الإليزيه لتسديدها بالكامل خاصة أنه علي قناعة بأن كلا الطلبين أحلاهما مر. لقد قرر ساركوزري التعاطي مع المطلب الثاني ولكن بعيدا عن صيغة تسديد الفواتير والتعويضات لسنوات الاحتلال. لارتباط هذا الأمر مباشرة بضرورة القبول والإذعان لطلب الاعتذار الذي بات لا فكاك منه في ظل استقواء شوكة التيار العروبي حاليا داخل القصر الرئاسي الجزائري, بوتفليقة ورئاسة الحكومة عبدالعزيز بلخادم وأيضا داخل مفاصل الادارة الجزائرية بشكل شبه كامل, وتراجع ملحوظ حاليا لأنصاره من أصحاب التيار الفرانكفوني حاليا في الجزائر والذين كانوا يملكون بالأمس القريب الغلبة والسيطرة والاستحواذ علي مقاليد القرار والأمور. وأمام كل ذلك فضل ساركوزي أن يقبل بالشق الثاني ولكن ليس تحت مسمي تعويضات بل تحت عنوان لافتة عريضة سلة حوافز وهدايا سياسية واقتصادية واستثمارية جديدة تفتح آفاقا وقواسم مشتركة لعلاقات جيدة وطبيعية للبلدين. لذا فقد قرر الجانب الفرنسي حصر قضايا جدول أعمال القمة الفرنسية الجزائرية المرتقبة في ثلاث قضايا جوهرية ذات أبعاد سياسية واقتصادية واستثمارية متشعبة, لكنها مترابطة وتسير علي قدمين مشتركين فرنسي جزائري. وبرأس اقليمي هذه المرة عبر تجمع دول البحر المتوسط الذي تدعو فرنسا لإنشائه في العام المقبل ويضم دول شمال وجنوب البحر المتوسط, الذي دعت من أجله لقمة تضم قادة هذه الدول مجتمعة في باريس في يونيو المقبل حيث ستكون باريس المقر وصاحبة مركز الثقل والتوجيه لتجمع دول المتوسط حتي لا ينال ما ناله اعلان برشلونة من ترهل وتراجع وفشل مطبق مع وعد فرنسي سينقله ساركوزي للقيادة الجزائرية بأن الجزائر ستكون الواجهة الطبيعية نيابة عن دول جنوب المتوسط بحيث تصب معظم المشاريع والمخططات الاقتصادية والتنموية في الجزائر كمرحلة أولي وبداية الي أن يأتي الدور والوقت لتطاول بقية دول جنوب المتوسط وكل ذلك بفضل المساعدات والمنح والمشروعات المشتركة التي سيسجلها بروتوكولات التعاون الاقتصادي والتنموي لدول تجمع المتوسط والتي سيتفق عليها ويتم التوقيع بشأنها في قمة باريس الأولي, وتتولي فرنسا ودول شمال المتوسط الغنية تمويلها وانشاءها في اطار تكامل دول تجمع المتوسط المرتقب. وعملا بقاعدة أول الغيث قطرة, قررت باريس وقبل زيارة ساركوزي رفع الغطاء السياسي عن المشكلة الأبدية والتي تفاقم علاقات البلدين يوما بعد يوم, وهي منح التأشيرات للجزائريين والسماح لهم بدخول وحرية الاقامة والتنقل داخل فرنسا, ومن باب رفع العتب الجزائري المستمر في هذا الشأن, قررت باريس في الأيام الماضية فتح الباب والسماح لفئة الطلاب والدارسين ورجال الأعمال ثم سرعان ما شرعت في فتح الباب أمام الجميع, ولكن بشكل منظم ومدروس مع التقليل من شروط ولوائح الحصص السنوية, حيث أرادت فرنسا أن تكون تلك هدية ثانية يحملها ساركوزي للجزائريين بجانب مشروع تجمع دول البحر المتوسط, وتقديم حوافز لضمان سرعة قبولهم بالمشروع والانضمام اليه كأول دول المغرب العربي وجنوب المتوسط أملا في تخفيف حدة الرفض والغضب من قبل الجزائريين, خاصة اعمار الشباب. ومن بين سلسلة المطالب الجزائرية الطويلة لم تلب باريس إلاطلبا واحدا ويتعلق بتسليم خرائط الألغام الفرنسية والتي يبلغ عددها11 مليون لغم زرعتها في مناطق شرق وغرب الجزائر, فسارع ساركوزي بإرسال قائد الجيوش الفرنسية في الأيام الماضية لتسليمها للقيادة الجزائرية حتي يتخلص من أحد كوابيس الصداع الجزائري المستمر في الرأس الفرنسي. ومع تنامي الرغبة والاصرار الفرنسي علي فتح ثغرة في جدار تأزم العلاقات الفرنسية الجزائرية, وتليين المواقف الحكومية والشعبية معا, قرر ساركوزي أن يلجأ الي سلاح فتاك في تذويب جبال الجليد في علاقات البلدين وهو ضخ مشروعات استثمارية فرنسية جديدة, أبي ألا يعلنها هو بنفسه وتشمل العديد من الولاياتالجزائرية التي كانت ومازالت شاهدة علي بشاعة سنوات الاحتلال الفرنسي للجزائر. واذا كانت استراتيجية ساركوزي الجديدة حاليا تجاه الجزائر تتمحور حول ضخ أفكار خلاقة طيلة الوقت لاقناع الجزائريين بكسر طوق العداء والكراهية, فإن جبهة الرفض والتصدي لإحياء المشروع الفرانكفوني من جديد في الجزائر تقوي وتتضاعف ويحذر أنصارها الجميع من رؤية أي ضوء في نفق العلاقات الجزائرية الفرنسية.