أدت التطورات السياسية والصراعات والحروب بدءاً من الحرب الأمريكية على أفغانستان ثم العراق والصراع حول ملف إيران النووي ، إلى ارتفاع أسعار الذهب الذي عادة ما يرتفع سعره في أوقات الأزمات الدولية. فقد شهدت أسعار الذهب نوبات متتالية من الصعود خلال الاسابيع الستة الماضية لتسجل أعلي مستوي سعري لها منذ 27 عاما ، وعززت مجموعة من العوامل من الاتجاه الصعودي للمعدن الثمين ، منها ارتفاع اسعار النفط وإستمرار التوترات في منطقة الشرق الاوسط فضلا عن ضعف اداء الاقتصاد الامريكي وكلها تقود الي الحد من ثقة المستثمرين في الدولار بشكل خاص هذا ، وحققت عقود الذهب الامريكي أكبر مكاسبها في يوم واحد مع إغلاق تعاملات الجمعة 23/11/2007 م، للجلسة الثالثة علي التوالي بدعم من مضاربة المستثمرون علي إرتفاع الأسعار وسط ما وصفه المضاربون بأنه تقلبات ضخمتها أحجام تداول هزيلة . وكسبت عقود الذهب -الانشط تداولا- تسليم ديسمبر في بورصة نيويورك السلعية "كومكس" 26.10دولار أو مانسبته 3.3 في المائة ليتحدد سعر التسوية عند 824.70 دولار للأوقية (الاونصة) في أكبر زيادة لها في يوم واحد منذ 21 فبراير الماضي عندما كسبت العقود الآجلة 3.5 في المائة من قيمتها. يذكر، أن أسعار الذهب إرتفعت بالتوازي مع سعر النفط حيث يعتبره المستثمرون ملاذا في وجه مخاطر التضخم نتيجة ارتفاع اسعار النفط، كما ان هبوط سعر الدولار يجعل الذهب سلعة مغرية للشراء من جانب المتعاملين بعملات اخرى لكونه مسعر بالدولار. وكانت آخر موجة إرتفاعات متتالية شهدها المعدن الاصفر الثمين عام 1980 علي خلفية إرتفاع أسعار النفط حيث وصل سعر الاوقية (الاونصة) 850 دولارا إبان الثورة الايرانية والتدخل السوفييتي في افغانستان. وأعقب ذلك تراجع لأسعار المعدن قبل أن تعاود الإرتفاع منذ عامان وهو ما أعقبه طفرة سعرية خلال الشهور القليلة الماضية بصورة جذبت أنظار المستثمرين وغيرهم إلى بريقه. ويتأثر سعر الذهب كغيره من السلع بمجموعة من العوامل منها قوانين العرض والطلب ، غير أن إتجاه سعره لا تمليه فقط قوى السوق بالمعنى الضيق ، بل عوامل أخرى تلعب دوراً رئيساً في تحديد أسعاره. ومن هذه العوامل حالة القلق وفقدان الثقة في التعامل بالأسهم التي انخفضت إلى معدلات غير مسبوقة أسفرت عن خيبة أمل الكثير من المستثمرين، ومع تفاقم أزمة الإئتمان العالمية وتراجع أسعار الفائدة يزيد الاتجاه إلى تحويل المدخرات النقدية إلى ذهب وبالتالي يزداد الطلب عليه فترتفع أسعاره إضافة إلى لجوء الدول المتقدمة لزيادة قيمة الاحتياطيات الذهبية في مصارفها المركزية ، فضلا عن تنافس صناديق الاستثمار على شراء الذهب. وعلي نحو آخر ، قاد عدم استقرار أسعار العملات الرئيسة ، وتدني أسعار الفائدة ، الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال والمستثمرون والمضاربون والأفراد، بل الحكومات الي إعادة حساباتها إزاء المعدن الثمين، الذي أخذ سعره يتطور بشكل ملحوظ منذ عامين ليغري بفتح أبواب الاستثمار التي كانت مغلقة لفترة طويلة ، فبدأ الإقبال على الذهب كمخزون للقيمة والاستثمارات المضمونة في ظل تراجع سعر صرف الدولار مقابل اليورو. هذا، ويعد تراجع إنتاج بعض الدول للذهب سبباً آخر لارتفاع أسعار المعدن ، فعلى سبيل المثال فإن الانخفاض المتوقع في إنتاج السعودية من الذهب خلال العامين المقبلين بمقدار الربع في ظل نضوب المنجمين الرئيسيين لها سيكون له أثر مباشر في تراجع إنتاج السعودية من الذهب إلى نحو (200) ألف أوقية سنوياً، كما أن روسيا التي استفادت كثيراً من ارتفاع أسعار النفط كثاني دولة مصدرة له بعد السعودية حيث تحول العجز في احتياطيها إلى فائض يزيد على 160 بليوناً بعد أن سجل العجز 20 بليون دولار، دفعها كأكبر منتج ومصدر للذهب بعد جنوب أفريقيا إلى خفض إنتاج وتصدير الذهب لتصعد الأسعار، وما يزيد من حدة الأمر هو أن يقابل ذلك الانخفاض في الإنتاج ارتفاع في الطلب ولا سيما في الصين والهند حيث يزداد طلب الهند للذهب خلال شهر أغسطس من كل عام بحلول موسم الزواج الذي يتم عادة في مثل هذه الفترة إذ يكثر شراء الذهب للزينة والحلي في الهند التي تعتبر من أكبر أسواق الذهب العالمية. كما أن الكميات التي تعرض من الذهب لا تعتمد غالبا على حجم الإنتاج الفعلي منه وإنما تعتمد بشكل خاص على وضع ميزان المدفوعات للدول المنتجة، بينما الطلب على الذهب لا يتأثر بالحاجات الصناعية والاستثمارية فقط، إنما بعوامل السياسة الدولية والتقلبات الاقتصادية والأزمات الدولية، لذا فإن أحد أسباب ارتفاع سعر الذهب يرجع إلى تزايد العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدةالأمريكية، حيث أظهر تقرير لوزارة التجارة الأمريكية ارتفاع العجز في الميزان التجاري للولايات المتحدة، خلال شهر مايو 2006م بسبب الارتفاع القياسي في أسعار النفط ليبلغ 63.8 مليار دولار مقارنة بشهر أبريل حيث سجل 6303 مليار دولار. وتزامن إرتفاع أسعار الذهب خلال العامين الماضيين مع ارتفاع أسعار النفط ، وذلك لوجود علاقة طردية بين أسعار الذهب الأسود والذهب الأصفر، فعندما كانت أسعار النفط عام 1981م في قمتها، نحو 40 دولاراً كان سعر الأونصة يلامس 850 دولاراً ، أي أنه كلما ارتفعت أسعار النفط والغاز، ترتفع أسعار الذهب، خصوصاً إذا كانت في مناطق جغرافية تمثل بؤرة الأزمات، ولها إستراتيجية مميزة ونفوذ نفطي . ومما سبق ، يمكن القول إن الصورة المستقبلية تنبئ باستمرار الارتفاع في أسعار هذا المعدن طالما استمرت حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تدفع إلى استمرار الصعود في أسعار النفط التي قاربت على تخطي حاجز ال 100 دولار نهاية عام 2007م وهو ما ترتب عليه استمرار ارتفاع أسعار الذهب وتوقعات بتجاوزها حلجز 850 دولار للاوقية، مما يعد فرصة جيدة للمستثمرين لتعويض الخسائر التي لحقت بهم جراء انخفاض أسواق المال . ومع إرتفاع أسعار المعدن يحذّر المتعاملون بسوق الذهب من الارتفاعات المتوالية للأسعار في ظل عدم السماح بجلب عمالة أجنبية تعمل في تصنيع الذهب وهو ما يؤثر سلبيا على محال بيع الذهب حيث يضيف المورد ما يقارب ال30% من سعر التكلفة لقيمة الذهب الأمر الذي يؤثر على التجار بالإضافة لتأثيره على المستهلك. وصعدت أسعار الذهب بنحو 14 في المائة منذ بداية أكتوبر الماضي وهو ما أُعتبرت بمثابة مبرر من جانب المستثمرين للبدء في عمليات جني الأرباح وهو ما ظهر بوضوح في أول جلسات الأسبوع الماضي حيث سجل المعدن تراجعا بنحو 2%. وبين تقرير نشره مجلس الذهب العالمي، أن الطلب على الذهب في الأسواق الخليجية ومصر، وهي الدول العربية الوحيدة التي يرصدها المجلس، تراجع نحو 34 في المائة ليسجل 26 طن في النصف الأول من العام الحالي منخفضاً عن 165 طناً في 2006 و 220 طناً في 2005 ، ويعتبر هذا الانخفاض الأكبر بين مناطق العالم، إلا أن حجم الطلب في السعودية ، التي تعتبر أكبر الأسواق العربية، تراجع إلى أقل من 64 طناً مسجلاً بنسبة انخفاض تقترب من 29 في المائة ، وجاءت نسبة انخفاض الطلب في باقي دول الخليج أقل حدة مسجلة 18 في المائة. 24/11/2007