في مقابل الاتهامات التي يتبادلها أطراف الاكثرية والمعارضة في لبنان، بتفشيل المبادرة الفرنسية لإيجاد مخارج للأزمة السياسية اللبنانية التي تتجه الى المزيد من التصعيد كما يبدو مع بدء العد العكسي لموعد الانتخابات الرئاسية, «يكافح» ممثلو المجتمع المدني العائدون من لقاء سان كلو لمنع هذه المبادرة من السقوط.، هؤلاء وكأنهم الأكثر تمسكاً بها حتى من مطلقها وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي بات يتحدث عن عدم وجود ضمانات لنجاح مهمته كمسهل لحل الازمة. وكان إشراك ممثلين عن المجتمع المدني اللبناني في اللقاء السياسي الذي عقد منتصف الشهر الماضي في ضاحية باريس لرسم طريق خلاص للبلاد, سابقة منذ انخراط الهيئات الأهلية التطوعية في مسح الجروح الكثيرة التي خلفها المتعاقبون على الساحة اللبنانية المفتوحة منذ سبعينات القرن الماضي على شتى أنواع الحروب الاقليمية والتقاتل الداخلي. وانطلقت فكرة المشاركة من قناعة الوزير كوشنير بإمكان ان يلعب المجتمع المدني دوراً ضاغطاً على رغم قناعة القيمين على العمل الأهلي بأنه مستبعد عن مراكز القرار او انه في احسن الأحوال يقتصر دوره على تقديم الخدمات التي تعجز الدولة عن تأمينها. وكانت لجنة تشكلت من الحكومة الفرنسية وبعثتها الديبلوماسية في بيروت، اختارت خمسة ممثلين عن المجتمع المدني للمشاركة في لقاء سان كلو. ويقول رئيس مؤسسة «عامل» الدكتور كامل مهنا ان هذه المشاركة خلقت أجواء إيجابية و «كانت طروحاتنا عبر ورقة موحدة باسم تجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان ومداخلات أخرى مقبولة ومحترمة ومؤثرة». وطرحت الورقة «مقاربة جديدة وسليمة للمشكلة تظهر اننا تعلمنا من أخطاء الماضي الأليم التي أدت الى تفكيك النسيج الاجتماعي اللبناني وتدمير مشروع الدولة», وحددت «ضرورة الإسهام الفاعل في بناء دولة القانون وإبعاد الفئوية السياسية والتركيز على المواضيع التي تجمع الشعب لا ما تفرقه». وطالبت بإعادة الحوار «على اساس اتفاق الطائف ووفقاً لمقررات طاولة الحوار الوطني والتوافق بين جميع القوى السياسية على احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية كما نص عليها الدستور اللبناني والتفكير الإيجابي البناء». ولم تتجاهل ورقة المجتمع المدني «الحال الاقتصادية المتردية وحق الإنسان اللبناني بالعيش بعيداً من التهديدات والأزمات والحروب». ونقلت الورقة «رغبة اللبنانيين بإعطاء فرصة للمبادرة الفرنسية لأنها قد تحدث ديناميكية جديدة تمكن اللبنانيين من العيش في وطنهم بسلام ومن دون استعادة صور التهجير والهجرة القديمة». وحددت الورقة مهمة أساسية «تقوم على تمكين اللبنانيين من التمتع بحقوقهم بصرف النظر عن الخيارات السياسية والثقافية للناس وعن قدراتهم الاقتصادية، فتتم صياغة ثقافة لا تقوم على العنف بل على اساس احترام الحياة, وثقافة تقوم على الحوار وإقامة نظام اقتصادي عادل وثقافة تقوم على التسامح واحترام الحقيقة والحقوق المتساوية لكل المواطنين بصرف النظر عن الجنس والعقيدة والدين والمشاركة بين الرجال والنساء». قد تبدو طروحات «المجتمع المدني» خارج سياق ما يجرى على الساحة اللبنانية من انقسام واصطفاف وفرز يتعمق كلما تشاحنت الاكثرية والمعارضة على شاشات التلفزة او عبر ما هو حاصل الآن في الانتخابات النيابية الفرعية, غير ان الدكتور مهنا يتمسك بتجربة العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان «الذي حصل في ذروة انقسام سياسي في البلد لكنه لم ينل من وحدة اللبنانيين في مواجهة العدوان». واذا كان مهنا يقر بأن النجاح «كان دائماً على مستوى الأفراد وليس على مستوى الجماعة», فإنه يصر «على ضرورة لعب الدور الضاغط لأن البديل خطير والجميع عبروا عنه في سان كلو», وانطلاقاً من هذا الإصرار فإن العائدين «المدنيين» يعملون على توسيع مشاركتهم للقيام بحملة ضغط داخل لبنان تتمثل بتوقيع عريضة المليون لبناني يقولون «خلص, ومعاً من اجل الخلاص». ويعتقد مهنا «ان العريضة قد تخلق مناخ تسوية بين اللبنانيين, وعقدة الخوف من الأسوأ التي تصيب السياسيين يجب تثميرها لحساب لبنان», ويشير الى لجنة متابعة للحملة مفتوحة على كل التنظيمات والأفراد «وكل من هو قلق على البلد», ويصفها بأنها «محاولة ضد العقل القطعي المصاب به الجميع, فالمطلوب إعادة الثقة بين القيادات السياسية واحترام الآخر والتخفيف من الغلواء من اجل إنقاذ لبنان, انه طرح مدني من اجل دولة مدنية». ويشدد الدكتور زياد بارود الذي شارك الى جانب مهنا في لقاء سان كلو على ان «حملة المليون لبناني يقولون خلص ليست حملة «ترف فكري ولا تحركاً ثقافياً مكتفياً بذاته إنما هي مطلب الحد الأدنى بعدما وصلت البلاد الى وضع خطير». وأكثر ما يدفع الدكتور مهنا الى الغضب انه خلال عمله المدني على مدى 36 سنة وضع اكثر من مئة خطة طوارئ, ويقول بلغة العاتب على كل شيء: «ما بيصير هيك», وفي انتظار عودة كوشنير الى لبنان سيظل مهنا وبارود وممثلو المجتمع المدني يعملون «عكس التيار» على أوراق وخطوات فارغة من أي دوافع سياسية وطائفية ومذهبية وتقتصر عناوينها على شعارات مدنية, فالمجتمع المدني قد يكون «مأزوماً» كما يقول بارود, «لكن هناك مسؤولية تدفعه الى التحرك وتكون المحاسبة في مرحلة لاحقة». ويضيف ان المجتمع المدني «لا أجندة مخفية لديه ولا يزاحم أحداً على كرسيه ولا يستطيع الدخول في أي اصطفاف وإنما في عريضة واضحة المعالم, التشنج كبير لكن نحاول القول اختلفوا بالسياسة وإنما لا تتخطوا لبنان, ليس مطلوباً الا يكون الناس منقسمين سياسياً أيضاً, لكنهم بالتأكيد يتشاركون بخيارهم بالحد الأدنى».