في إطار دبلوماسية فرنساالجديدة.. دبلوماسية الحركة والمبادرة الدبلوماسية الديناميكية التي لا تهدأ تستضيف فرنسا اليوم مؤتمرا أو لقاء كما تحب أن تسميه الخارجية حول لبنان. اللقاء الذي تتعامل معه فرنسا بمنتهي الحرص.. وتتلمس طريقها إليه بكل حذر.. يجمع ممثلي القوي السياسية اللبنانية المختلفة.. بالقرب من باريس في شاتو سيل سان كلو, وهو مقر يقع بعيدا عن الأنظار والضوضاء وأيضا عن أعين الصحافة نظرا لحساسية الأوضاع في هذا البلد وهشاشة المبادرة أو المغامرة. وليس أدل علي ذلك من أن حادثة عارضة غير محسوبة جيدا أو بالأحري تصريحا صدر عن المتحدث باسم قصر الإليزيه كادينسف الاجتماع قبل أن ينعقد. الرئيس ساركوزي استقبل الاثنين الماضي عائلات الجنود الإسرائيليين الثلاثة المختطفين منذ عام.. جلعاد شاليت الذي تحتجزه جماعة في قطاع غزة.. وهو حامل للجنسية الفرنسية إلي جانب الإسرائيلية والجنديين اللذين يحتجزهما حزب الله.. وقال متحدث الرئاسة دافيد مارتينو في رد علي أحد الأسئلة.. إن الرئيس الفرنسي وصف حزب الله بالمنظمة الإرهابية.. فما كان من حزب الله إلا أن أعلن أنه لن يشارك في اجتماع باريس وانضم إليه نبيه بري( حزب أمل) وأيضا الجنرال ميشيل عون. وانقاذا للموقف خرجت المتحدث باسم الخارجية باسكال أندرياني تعلن أن موقف فرنسا من حزب الله ثابت لا تغيير فيه. حزب الله قوة سياسية مهمة في الحياة السياسية اللبنانية وتأمل فرنسا أن يندمج بالكامل في اللعبة السياسية ولهذا تمت توجيه دعوة إليه للمشاركة في اجتماع باريس وقد قبلها, وفرنسا تعول بشدة علي مشاركته لكي تكون المناقشات مجدية. ومن ناحية أخري صدر بيان عن المتحدث باسم الإليزيه يعلن فيه أن حزب الله ليس مدرجا علي قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية..( وذلك علي خلاف الموقف الأمريكي) وفرنسا ليست لديها النية في أن تطلب إدراجه. وأعلن مارتينو أن حزب الله فاعل سياسي مهم في لبنان وهو أحد العناصر المكونة للحوار الوطني وبهذه الصفة هو مدعو للقاء باريس فيما بين اللبنانيين وأضاف أن الرئيس ساركوزي يأمل أن يصبح حزب الله حزبا لبنانيا يلعب لعبة الديمقراطية.. ولكنه أوضح في الوقت نفسه أنه لايوجد لقاء مرتقب بين الرئيس الفرنسي واللبنانيين المشاركين في المؤتمر. وكان قد تردد أن الرئيس ساركوزي يمكن أن يستقبل المشاركين اللبنانيين غير أن المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا الكريف كان قد أصدر بيانا احتج فيه علي استضافة حزب الله حادثة تدل من ناحية علي مدي حساسية الموضوع اللبناني ودقة حساباته. وتدل أيضا علي اهتمام فرنسا بمحاولة انجاح اللقاء وتراجعها عن التفكير في تغيير مواقفها.. كما تدل كذلك ربما وعلي إدراك حزب الله والتشكيلات السياسية اللبنانية لمدي خطورة الأوضاع ومن ثم اهتمامها باللقاء وبالمحاولة. رئيس وزراء فرنسا فرانسوا فيبون كان واضحا في التعبير عن مدي القلق والمخاوف التي يشعر بها الجميع تجاه الوضع المتفجر في لبنان حين أعلن أن فرنسا لن تستسلم وهي تري لبنان ينزلق في حرب أهلية.. وفرنسا لن تستسلم ولن تقف عاجزة مكتوفة الأيدي أمام اغتيال كل الزعماء اللبنانيين الذين يجرؤون علي الدفاع عن استقلال بلدهم.. وستتخذ مبادرات لمساعدة الطوائف اللبنانية علي أن تتحادث فيما بينها من جديد. وهذا هو منطلق اجتماع باريس.. الذي بادر به وزير الخارجية برنار كو شنير لقاء النيات الحسنة لقاء بسيط وليس مؤتمرا دوليا أو موسعا ولا هو مؤتمر فرنسي لبناني بل هو اجتماع فيما بين اللبنانيين يضم فقط ممثلي مختلف الأحزاب والكتل السياسية اللبنانية.. كل الكتل الأربع عشرة الممثلة في البرلمان والتي كانت مشاركة في الحوار الوطني الذي وصل إلي طريق مسدود ممثلون مفوضون يختارهم ويفوضهم رؤساء الكتل والتشكيلات.. الصف الثاني وليست القيادات.. ربما لكي تكون المهمة أبسط وأسهل يلتقون معا حول مائدة واحدة ومعهم بعض شخصيات من المجتمع المدني اللبناني.. وبصحبتهم برنار كوشنير وبعض معاونيه يلتقون في جو هاديء خال من الانفعال والتوتر كما يقول الفرنسيون بعيدا عن الضغوط السياسية.. يجددون الحوار والتحادث ويستعيدون الحد الأدني من الثقة المفقودة فيما بينهم.. ويردون علي السؤال حول أفضل وسيلة لتعزيز الدولة اللبنانية ومؤسساتها تحقيقا لاستقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه. لقاء ليست له أجندة جاهزة.. أو جدول أعمال مسبق أعدته أو تعده فرنسا ولا يخرج ببيانات أو إعلانات مع قيام كوشنير الذي تربطه صلات وروابط بالعديد من هذه التنظيمات والشخصيات بدور الملطف والمهديء المنسق والمسهل.. لعل وعسي أن يسفر ذلك عن ديناميكية جديدة ومختلفة.. ويخرج الوضع من الطريق المسدود الذي يواجهه. وبينما لا توجد أي ضمانات لنجاح الفكرة الفرنسية إلا أن المسئولين عن تنظيمها يرون أنه قبول جميع القوي والتشكيلات.. المشاركة في اللقاء هو في حد ذاته مؤشر إيجابي ومشجع خاصة أن هناك إدراكا.. بأن لبنان الذي يواجه تهديدات حقيقية ويواجه حاليا أزمة سياسية حادة.. يخاطر مع ما يسميه الفرنسيون ببدء العد التنازلي.. لاستحقاقات قريبة قادمة.. لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها من انتخابات رئاسية وبرلمانية وغيرها يمكن أن تضيف إلي الأزمة السياسية.. الطريق السياسي المسدود.. أزمة أخري مؤسساتية.. انسداد مؤسسي( في الرئاسة والحكومة والبرلمان). ومن هنا أصبح هناك إدراك لمسه المتصلون بالأطراف اللبنانية بضرورة ايجاد حل ومخرج للأزمة السياسية.. قبل فوات الأوان لتجنب حدوث فوضي مزدوجة فوضي مؤسساتيه تضاف إلي الفوضي السياسية. ولكن يبقي التساول إذا كانت الجامعة العربية وأمينها العام عمرو موسي المعروف بدبلوماسيته النشطة وعلاقاته القوية والوثيقة بمختلف الأطراف ليس فقط اللبنانية بل وأيضا العربية الشرق أوسطية لم تستطع أن تحقق النجاح لمهمتها حتي الآن فلماذا يمكن أن يتحقق النجاح لمبادرة فرنسا مبادرة كوشنير. المصادر الدبلوماسية الفرنسية ترد بأن هناك فارقا وتباينا في طبيعة المبادرتين مبادرة عمرو موسي الذي حرص كوشنير علي الالتقاء به والاستماع إلي آرائه وتحليلاته وخبرته.. خلال زيارته الأخيرة لباريس للمشاركة في مؤتمر دارفور.. ومبادرة كوشنير. - أولا: من ناحية الشكل.. موسي كان يتنقل بين مختلف الأطراف.. وفي لبنان, بينما كوشنير دعا ممثلي القوي إلي باريس في مكان محايد بعيدا عن التوترات وعن الضغوط وحول مائدة واحدة. - وثانيا: مبادرة كوشنير.. لا تتناول صلب المشكلات بشكل مباشر.. حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات الرئاسية وغيرها, كما فعل موسي وإنما تبحث في كيفية الخروج من الطريق المسدود.. لدعم الدولة والمؤسسات. - وثالثا: الذين سيلتقون في باريس ليسوا قيادات الصف الأول وإنما ممثلون عنهم مفوضون منهم. المصادر الفرنسية التي تؤكد دعمها لمبادرة موسي تري أن هناك تكاملا بينها وبين مبادرة كوشنير. وفيما يتعلق بالتنسيق مع الأمريكيين في هذه المبادرة توضح مصادر فرنسية أن هناك تمييزا بين مرحلة القرار1701 الذي كان يحتاج إلي تنسيق وثيق مع الأمريكيين واهتمام واشنطن بأن هذه الفقرة أو تلك لن تثير مشكلة مع تل أبيب.. وتحقق فرنسا من جانبها بأن هذه الصياغة ترضي مجمل الأطراف والأحزاب اللبنانية وأيضا الكل في المنطقة.. بما فيها إسرائيل وبين المبادرة الحالية التي هي لقاء بين أطراف وأحزاب لبنانية تقوم فيه فرنسا بدور المنسق والملطف للأجواء. فيما يتعلق بدمشق تعترف مصادر فرنسية بأنه لربما لو لم تحدث التطورات الأخيرة.. من عملية اغتيال النائب وليد عيدو إلي عمليات نهر البارد لقام المبعوث الفرنسي الخاص كوسران بزيارتها ولكانت فرصة للانفتاح والحوار خاصة أنه تردد أن باريس كانت علي أعتاب ذلك. كل هذا لا يمنع في نفس الوقت وجود شعور بأن طبيعة العلاقات قد تغيرت أو تطورت.. الرئيس ساركوزي أوضح في أكثر من مناسبة أن العلاقات بين الدول لا يجب أن تبني فقط علي علاقات بين الزعماء ومن هنا فإن هناك تغييرا علي الأقل في الحس والإدراك وليس في العمق.. كما تقول المصادر. من المفهوم أنه لا توجد بين ساركوزي وعائلة الحريري نفس روابط الصداقة.. وربما أيضا المصالح( في رأي البعض) التي كانت قائمة مع الرئيس شيراك والذي كان قريبا جدا وملتزما جدا تجاه عائلة الحريري.. ومن ثم فإن ساركوزي متحرر من هذا القيد.. الذي ربما كان مبالغا فيه أحيانا.. أما فيما يتعلق بلبنان وسيادته واستقلاله ووحدة أراضيه فالموقف ثابت دون تغيير وفيما يتعلق بالسنيورة والسلطة الشرعية أيضا فلا تغيير. ومن هنا زال اللبس وزال التحفظ الذي كان قائما في لحظة من اللحظات لبنان يظل دائما علي أولويات السياسة الفرنسية مع شيراك ومع ساركوزي دون تغيير أليس لبنان بوابة فرنسا إلي المشرق العربي وفرنسا بمبادرتها تسعي لاخراجه من الوضع الكارثي الذي يمر به.. دون أن يكون لديها ضمان للنجاح, ولكنها مبادرة تستحق المحاولة.. لعل وعسي.