بعد مرور عام علي الغزو الأمريكي للعراق, قال الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك لقد فتحت الولاياتالمتحدة في العراق صندوقا من المتفجرات لا نعرف الآن كيف نغلقه, غير أنه لم يمر سوي عامين حتي فتح مع جورج بوش صندوقا آخر من المتفجرات في لبنان لايزال يهدد استقرار لبنان بفتنة مذهبية والمنطقة عبر التدخل في شئونه الداخلية, أقله كما كشفت وثائق ويكيليكس بشكل محدود حتي الآن عنه. فمسار السياسة الخارجية الفرنسية لاقي كثيرا من الانتقادات في الفترة الماضية حتي داخل الوسط المسيحي, ونهج الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سياسة فرنسية جديدة حيال سوريا, ونشطت الدبلوماسية الفرنسية في لبنان خلال الأسابيع القليلة الماضية, والتقي مسئولها ومبعوث ساركوزي الي بيروت مع مختلف قيادات وممثلي التيارات السياسية بما في ذلك حزب الله. وبرغم تمسك فرنسا وسط الخلافات بين الأفرقاء في لبنان حول المحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري بالمحكمة واستمرار عملها إلا أن الموقف الفرنسي لا يتسم بنفس الصرامة والحدة اللتين يتميز بهما الموقف الأمريكي, حيث فتحت فرنسا قنوات اتصال وحوار مع الجميع واستمعت الي كل وجهات النظر, وتواكب فرنسا الجهود السعودية والسورية والتحركات التركية والقطرية لمساعدة الفرقاء اللبنانيين علي التوصل إلي حل ينهي الأزمة. في هذا الإطار, جاء لقاء ساركوزي مع الرئيس السوري بشار الأسد في باريس قبل أيام ومباحثاتهما حول ملف لبنان بكل فروعه, بما فيها المحكمة في ضوء التحسن في العلاقات بين البلدين والتي يأمل اللبنانيون أن تنعكس ايجابيا علي لبنان, كما استبق ساركوزي لقاءه مع الأسد بلقاءات مع كل من الرئيس اللبناني ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء سعد الحريري, كما استقبلت باريس أيضا رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون والزعيم الدرزي وليد جنبلاط وبينهما رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم الذي زار القاهرة قبل يومين والتقي الرئيس حسني مبارك في إطار جهود الأطراف المعنية لإنهاء الأزمة حول المحكمة ومنع تهديد الاستقرار ولبنان بالفتنة, فيما كان وزير خارجية فرنسا السابق برنار كوشنير قد زار بيروت الشهر الماضي. علي هذه الخلفية من المساعي والتحركات, باتت كل الأنظار موجهة الي اللبنانيين أنفسهم بمساعدة الأطراف المعنية, فالرئيس الأسد يؤكد أنه ليس هناك مبادرة سعودية سورية, وأن الموضوع( المحكمة) شأن لبناني داخلي, ومن ثم فإن الحل يبقي حلا لبنانيا وليس وسوريا ولا سعوديا ولا حتي فرنسيا, والأهم المساعدة في تسهيل الأفكار اللبنانية لتعرف أين تلتقي هذه الأفكار. وهذه المساعي والتحركات لا تنفصل بدرجة ما عن المحادثات الايرانية مع مجموعة5+1 حول ملف إيران النووي التي عقدت جولة أولي في جنيف وتستأنف في اسطنبول الشهر المقبل, وهي محادثات يتابعها اللبنانيون باهتمام باعتبار أن نجاحها يمكن أن ينعكس إيجابيا أيضا علي لبنان, وان كان مثل هذا النجاح يثير مخاوف البعض من أن تكون نتيجته هي اطلاق يد ايران في لبنان كما حدث في العراق ضمن صفقة أمريكية إيرانية. وتقول مصادر سياسية لبنانية في هذا الصدد إن فرنسا تضطلع بدور مهم لدعم الاستقرار في لبنان, وتدعم حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري وتتخذ في ذلك مواقف واضحة بدعم استمرار المحكمة وعملها في مواجهة اعتراضات المعارضة, لكن من غير المستبعد أن يكون هناك تفاهم فرنسي أمريكي في هذا الملف, أو أن يكون التحرك الفرنسي الكثيف في الآونة الأخيرة يتم بالتنسيق مع واشنطن, فوثائق ويكيليكس تعلمنا أن كل ما هو معلن ليس هو كل الحقيقة, فهل يسعي ساركوزي الي إغلاق صندوق متفجرات تركه شيراك مفتوحا في لبنان؟! تجليات هذا التحرك علي ضوء هذه المواقف ربما تبدو في تصريحات الرئيس الأسد التي أشار فيها الي أن مباحثاته مع ساركوزي تناولت منع التدخلات في عمل المحكمة وتسييسها, وأن القرار الاتهامي الصادر عنها سيكون مقبولا اذا بني علي أدلة قطعية, ما اعتبرته الأوساط اللبنانية تقدما علي صعيد إنهاء الأزمة حولها يشير الي أن الخلاف لم يعد يتعلق بمبدأ وجود المحكمة وانما بعملها, والي قرب صدور القرار الاتهامي..