ركزت معظم الاستثمارات الضخمة التي تلقاها سوق العقارات المصري الفترة القليلة الماضية في مختلف المناطق على تشييد منتجعات سياحية وشقق فندقية وفيلات توفر كافة أنواع الفخامة والرفاهية في مقدمة ذلك ملاعب الجولف وهو ما حرصت على إبرازه إعلاناتها التسويقية والتي نبه خبراء الى أنها - ملاعب الجولف- احد أنواع الهدر المائي الكبير في مصر . التقارير تؤكد أن كمية المياه التي تهدر في نادي جولف واحد لمدة أيام ثلاثة تكفي لري مائة فدان - والكلام أعلنه المفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري استناداً لدراسة خاصة أعدتها أستاذة في كلية السياحة والفنادق. ويشير المسيري إلى أن ما يرتكب في حق المصريين جريمة كبيرة.. ببناء ملاعب الجولف و مدها بالمياه، بينما يحاصر العطش ملايين الفقراء. وتتجاوز تكلفة نادي الجولف الواحد ما يزيد على خمسين مليون جنيه، وتصل أحياناً لثلاثة أضعاف ذلك المبلغ، وتنتشر النوادي في القطامية وبعض مناطق القاهرةالجديدة والساحل الشمالي وشرم الشيخ. ومن المفارقات أن العريش عاصمة شمال سيناء لا تصلها المياه الصالحة للشرب سوي ثلاثة أيام في الأسبوع، بينما محافظة الجنوب تحظى برعاية على مدار الساعة في جميع الخدمات التي تجد طريقها للسياح من زوار المدينة. ويوجد في جنوبسيناء والساحل الشمالي والقاهرة عشرة ملاعب جولف ترقى للتصنيف الممتاز على مستوى العالم. وفي تعليق لها على هذه الظاهرة قالت الدكتورة محيا زيتون أستاذ الاقتصاد بتجارة الأزهر بنات ان هناك سياسات تسعى لزيادة السياحة دون النظر كثيرا للعائدات، وأعتقد أنه سيكون هناك تدهور كبير في المناطق السياحية وضغط شديد على الموارد ومنها مثلا سياحة الجولف "سياحة الأغنياء" المستهلكة للمياه، وهناك جمعيات عالمية تناهض هذا النوع من السياحة.. منظمة السياحة العالمية وجدت أن هذه السياحة في بعض الدول مهدرة للموارد وتحذر منها، مصر احدى هذه الدول ولكن مع الأسف هناك توسعات في مثل هذه الأنشطة ولابد أن نعرف أن استهلاك الفرد في ملاعب الجولف يصل إلى (10) أمثال استهلاك المواطن العادي من المياه. وتوقعت حدوث عجز مائي بحلول عام 2020يصل إلى 2.21مليار متر مكعب، ونصيب الفرد من المياه في مصر من المتوقع أن ينخفض، مضيفة ان هذا التوسع لا يكون على حساب المياه للمستهلكين ولكن على حساب القطاعات الأخرى ومنها الزراعة وهذه سياحة الأغنياء وبالتالي أقيمت ملاعب الجولف لجذب الأغنياء من السياح. مصر ونبهت دراسة مصرية حديثة الى ان هناك توقعات بارتفاع العجز المائي المصري السنوي نتيجة زيادة احتياجات مصر المائية إلى (69.4) مليار متر مكعب، منها (59.9) مليار متر مكعب للزراعة و(9.5) مليار متر مكعب للشرب والصناعة والملاحة، بينما لا تزيد حصة مصر السنوية من مياه النيل على (55.5) مليار متر مكعب سنوياً.وتوقعت الدراسة أن يصل العجز المائي العربي إلى 220مليار متر مكعب عام 2025مع اتساع الفجوة بين الإمدادات المائية والطلب عليها نتيجة النمو السكاني السريع.وقالت الدراسة التي أعدها الدكتور عبدالله الأمين، أستاذ الري بكلية الزراعة بجامعة القاهرة: إن ما يزيد من المشكلة اعتماد مصر على الزراعة المروية بنسبة 85% من جملة الاستهلاك بسبب ندرة الأمطار التي لا تتجاوز 15ملليمتراً على البوصة، مشيراً إلى أنه يتم سد العجز باستخدام 400مليون متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة و 3مليارات متر مكعب من المياه الجوفية الثابتة من المخزون المقدر ب 500مليار متر مكعب، ومياه الصرف الزراعي المعالجة. وأشارت الدراسة إلى أن إحدى مشاكل المياه في المنطقة العربية هي أن منابع معظم الأنهار فيها توجد أو تمر في دول غير عربية، مثل منابع النيل في أثيوبيا وأوغندا ومنابع دجلة في تركيا وإيران والفرات في تركيا وكذلك سيطرة إسرائيل على منابع نهر الأردن.وقالت الدراسة: إن مصر قامت بتحديث الري السطحي في مساحة نصف مليون فدان وتطبيق الري بالرش في حوالي 700ألف فدان لمواجهة الطلب على الغذاء مع نقص المياه مع الارتفاع بكفاءة الري بما يضمن الاقتصاد في استخدام مياه الري، مشيرة إلى أن نسبة الفاقد من شبكة مياه الشرب المصرية تصل إلى حوالي 50% أي مليار و 550مليون متر مكعب سنوياً. وأوصت الدراسة بأن يتم الاهتمام بالإدارة المتكاملة للمياه وترشيد الاستهلاك منها والوصول بأساليب الري الحديثة إلى جميع المناطق المناسبة لها وإنشاء محطات معالجة لمياه الصرف الزراعي والصحي للمساهمة في سد العجز المائي للبلاد، وذكرت أن مياه الشرب تستهلك (3.1) مليار متر مكعب والصناعة (6.1) مليار متر مكعب و(300) مليون متر مكعب للملاحة والموازنات. التنمية وعن خطر العجز المائي على التنمية قال خبراء ان هذا الأمر يشكل خطورة على كافة القطاعات فتتزايد تلك المشكلة على عملية التنمية خاصة فيما يخص الغذاء فهناك استهلاك غذائي متصاعد ومن ثم تتزايد الحاجة إلى استعمال الماء، فمعدل النمو السكاني في الوطن العربي أحد أعلى المعدلات في العالم والذي يبلغ نحو 3% سنوياً، ووفقا لإحصائيات حديثة تجاوز عدد سكان الوطن العربي حاليا ال 310ملايين نسمة، وفي عام 2030يتوقع أن يصل عدد سكان العالم العربي إلى 600مليون نسمة، وهذا النمو السكاني سريع الإيقاع والأثر، سيتسبب مستقبلاً في عجز مائي، يصل حاليا إلى ما لا يقل عن 176مليار م3، وهذا العجز في الموارد المائية، سيواكبه وسيتفاقم، بسببه، بطبيعة الحال عجز غذائي، فمعدل 3% للنمو السكاني سوف يستتبع زيادة في الاستهلاك الغذائي بمعدل 5% سنوياً ، في حين أن الإنتاج الغذائي العربي لا يزداد في واقع الأمر، إلا بمعدل 2% سنوياً، وهذا ما سوف يجعل الوطن العربي يعتمد أكثر فأكثر في غذائه على الاستيراد. وتقدّر الإحصاءات أنّ ما سينفقه الوطن العربي على وارداته الغذائية مستقبلا ما قيمته 200مليار دولار. وقد أدى نقص المياه في خمس دول من دول الشمال الإفريقي، وهي: مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، إلى أن أصبحت هذه الدول تستورد ثلث احتياجاتها من الحبوب من الخارج، بكل ما يمثله من أعباء مالية، وما تتعرض له بسبب ذلك من ضغوط سياسية أحيانا. ونبه هؤلاء الى ان الاستثمارات المائية العربية هزيلة، خاصةً في المياه الجوفية التي ترتفع فيها الملوحة لأسباب متعددة، أهمها وقوع المنطقة العربية في الحزام الجاف وشبه الجاف من العالم، مما يقلّل من مصادر التغذية، وبالتالي من تجدّد الموارد المائية الجوفية، إضافةً إلى انتشار الصخور الملحية في العديد من الطبقات المائية، كما هو الحال في العراق وسوريا والجزيرة العربية. كما تصل آثار الفقر المائي العربي إلى الإنتاج الحيواني فيتصف بالقلة والهزال أحيانا، فعلى سبيل المثال أدى الجفاف وانخفاض منسوب مياه نهر النيل إلى تحوّل السودان من بلد مصدّر للحوم إلى بلد مستورد لها، وهو الذي كان يطلق عليه تسمية (سلة الغذاء العالمي). ونوه هؤلاء بان الآثار السلبية لتدهور موارد المياه العربية تناقص كميات الطاقة الهيدروليكية المولدة من المساقط المائية مما يعنى فقدان مورد طاقة مهم كان من الممكن استخدامه في التنمية.كما ان هناك أثار بيئية محتملة مثل تدهور التنوع الحيوي وتقلص الغطاء النباتي.