تاريخ طويل من التخاذل العربي في مواجهة البلطجة الأمريكية, لا لشيء إلا لأننا كنا دائما أمام أنظمة دكتاتورية, وهشة في الوقت نفسه, كانت تعتبر نفسها بمنأى عن الضرر ما دام لم يقع عليها بصورة مباشرة, على الرغم من أن هذه المواقف كانت خصما واضحا من رصيدها لدى الشعوب التي كانت تقف في واد, وقياداتها السياسية في واد آخر, على اعتبار أن السلطة تستمد قوتها أولا وأخيرا من المارد الأمريكي, ومن ثم فإن الشعوب, التي لا حول لها ولا قوة, يجب أن تظل في مقاعد المتفرجين طوال الوقت, إلى أن انتفضت- أو بعضها- على غرة, كما هي الحال الآن. فالقصف الأمريكي للأراضي العربية طال ليبيا في ثمانينيات القرن الماضي, وطال الصومال والعراق في التسعينيات, وطال اليمن والسودان بعد ذلك بطريقة مباشرة, وغير مباشرة, وها هو الآن بين لحظة وأخرى ينال من سوريا وشعبها, بين صمت وتأييد دوليين, وتخاذل واهتراء عربيين, وكأن التاريخ يعيد نفسه, فسوف نسمع بيانات شجب واستنكار, ونقرأ أسفا وتنديدا لسقوط الضحايا الأبرياء, إلا أن الكارثة قد وقعت, وجيش سوريا القوي في خبر كان, ولنضف صفحة جديدة إلى صفحات التشرذم العربي!. هذه هي الحقيقة, التي نحن بصددها الآن, فالإعداد على قدم وساق لقصف الأراضي السورية, وحتى لو كان القصف لأهداف منتقاة, فالقتلى أشقاء سوريون, والدمار للبنية التحتية السورية, والتقسيم يصبح أمرا حتميا, ومتطرفون يتأهبون للانقضاض على الحكم, وعواصم كبرى تعد فواتير الإنفاق العسكري لتحصيلها من عواصم صغرى نفطية, وشركات غربية تترقب عمليات إعادة الإعمار, على غرار ما حدث في العراق, وأخرى أمنية مخابراتية تتأهب للانتشار. وعلى الجانب الآخر.. لا أحد يدري إلى أي مدى يمكن أن تختلط الأوراق في لبنان؟! وإلى أي حد يمكن أن يصل الموقف الإيراني؟! أو كيف سيكون رد الفعل السوري تجاه الأراضي التركية الداعمة للقصف, أو الإسرائيلية التي أسهمت بقدر كبير في تحديد المواقع التي سوف يتم قصفها, أو حتى الأردنية التي شهدت مؤخرا اجتماعا لرؤساء أركان عشرة جيوش عربية وغربية تستعد للعملية, وكيف سيكون موقف الشعوب العربية, إذا اعتبرنا أن قادتها ليسوا معنيين بالأمر؟!.. المعلومات تشير إلى أن صواريخ توما هوك وكروز الأمريكية سوف تنهمر على أكثر من 60 موقعا سوريا على مدى يومين انطلاقا من المدمرات الأمريكية الأربع: راميج وماهان وجرافيلي وباري بالبحرين الأبيض والأحمر, كما ستنطلق الطائرات القاذفة من قاعدة إنجرليك التركية, مستهدفة مواقع ومطارات ومنشآت عسكرية وحكومية, وبينما وضعت جيوش تركيا وإسرائيل والأردن في حالة استنفار; نشر الجيش الألماني صواريخ باتريوت في تركيا, وأعلنت نحو 35 دولة استعدادها للدخول في هذا التحالف, بعد أن حصلت على خرائط ومعلومات موثقة عن المواقع السورية التي سوف يتم استهدافها, من كل من المعارضة هناك, وتركيا وإسرائيل وعملاء غربيين يعملون على الأرض, في الوقت الذي ترأس فيه الجنرال مارتن ديمبسي, رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية, اجتماعا لمناقشة الموقف, ضم رؤساء أركان كل من السعودية وقطر وتركيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا, بالإضافة إلى الأردن, الدولة المضيفة. إذن.. نحن أمام إجراءات حرب عملية, يردد المتفائلون أنها تؤهل لمفاوضات جنيف 2 بين السلطة السورية والمعارضة, بينما يرى الخبراء أنها سوف تعيد سوريا إلى العصر الحجري, وهو التعبير الذي استخدمه -قبيل قصف العراق عام 1990- وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر خلال آخر لقاء له في جنيف مع طارق عزيز, نائب رئيس الوزراء العراقي, آنذاك, وقد خرج العراق بالفعل من القصف دون أي مقومات حياة, إلا أن السلطة الرسمية هناك ظلت متماسكة, فأعادت بناء ما استطاعت, لكن الوضع السوري يبقى مختلفا, حين لن تكون هناك دولة, بالمفهوم الحقيقي للكلمة, وبالتالي فإن كل المعطيات تشير إلى مجازر متوقعة على قدر كبير من البشاعة, وتصفية حسابات بقدر أكبر إيلاما, حيث إن التطرف سيد الموقف بين قوى المعارضة, والطائفية هي كلمة السر في هذه المأساة منذ بدايتها, والعبث الإقليمي والدولي هو العامل المشترك في هذا المعترك المأساوي. وفي البداية والنهاية.. سوف نؤكد أننا أمام مأساة في سوريا, حيث عشرات الآلاف من القتلى, وملايين النازحين, وأن أحدا لن يقبل أبدا بمثل هذه الممارسات من أي قيادة رسمية تجاه مواطنيها, إلا أننا في الوقت نفسه يجب أن نقر بأن هذه الأزمة تحولت منذ بدايتها إلى حرب إقليمية طائفية على الأراضي السورية, أججتها عواصم مختلفة, حتى من خارج المنطقة, وبالتالي كان على الجميع أن يتحمل مسئولياته تجاه احتوائها أو إنهائها بطرق أخلاقية, وعبر قنوات شرعية تفاوضية, إلا أنها لعبة المصالح التي جمعت بين كل من الولاياتالمتحدة وتركيا وإسرائيل, وفي الوقت نفسه بعض العواصم العربية, وكانت ذريعة استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية بريف دمشق هي التي يستند إليها المتحالفون الآن, على الرغم من أنه ليس واضحا حتى الآن صدق هذه الذريعة من عدمه, كما ليس واضحا من الذي استخدم هذا السلاح, وهل هو النظام السوري, أم المعارضة, أم أي لاعب آخر في المعادلة؟!.. ولأن هذا الاتهام.. للنظام السوري باستخدام أسلحة كيماوية لم يكن هو الأول من نوعه على امتداد ذلك الصراع, ولأن رد الفعل الدولي والأمريكي التركي, بصفة خاصة, لم يكن بهذا المستوى من قبل, فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة هو: ولماذا الآن؟.. أعتقد أن الخسارة الأمريكية- التركية بسبب سقوط نظام الإخوان في مصر, وكشف مخططات التقسيم بها ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه التحركات العسكرية والسياسية, حيث كان ذلك بمثابة صفعة على وجهي الدولة الإمبريالية وبقايا دولة الخلافة العثمانية في آن واحد, وهي الصفعة التي أربكتهما إلى الحد الذي لم يستطيعا معه التعامل مع الموقف بدبلوماسية أو تعقل, فراحا يتخبطان في تصريحات وإجراءات زادت من إصرار وإرادة الشعب المصري على الوقوف خلف قيادته السياسية والعسكرية, لإدراكه الخطر المحدق القادم من الغرب, الذي يستهدف بالدرجة الأولى وحدة الوطن أرضا وشعبا. فلا أحد يستطيع.. أن ينكر ذلك الارتباط الوثيق بين الأمن القومي لكل من مصر وسوريا, ومن هنا كان لنا أن نتوقف أمام الجريمة الكبرى التي مثلها قرار الرئيس المعزول بقطع العلاقات بين البلدين, وكان لنا أيضا أن نتوقف أمام القرار التاريخي بتدارك هذا الوضع فور سقوطه, ومن هنا فإن قرار الحرب على سوريا, الذي تقوده كل من واشنطن وأنقرة الآن, هو بمثابة استكمال لمخطط تقسيم المنطقة, بهدف خدمة مصالح دول كبرى, من بينها روسيا, التي نفضت يديها سريعا من التزامات تاريخية تجاه حليف كان هو الأهم لها في المنطقة, في الوقت الذي تدور فيه مفاوضات حاليا مع إيران برعاية عربية كي تلحق هي الأخرى بالحليف الروسي الذي تعودنا على مواقفه من قبل في العراق وليبيا واليمن, وغيرها, وسط صمت عربي في كل الأحوال على مستوى جامعة الدول العربية, ودعم لهذه المخططات من بعض العواصم العربية أيضا لأسباب متفاوتة. وقد جاء تصريح وزير الخارجية الروسي, سيرجي لافروف, مخيبا للآمال, وكاشفا عما تم الإعداد له خلف الجدران, والذي قال فيه: إن روسيا لا تعتزم الدخول في أي حرب مع أي طرف كان من أجل سوريا, كما بدأت بلاده في سحب رعاياها من هناك, في الوقت الذي اكتفت فيه العواصم العربية بترديد أن أراضيها لن تستخدم في طلعات جوية لدول الناتو, وهو الأمر الذي يشير إلى أن المخطط الأمريكي يسير في طريقه, مع طلب الحكومة التركية من البرلمان تجديد التفويض للجيش بالتدخل في الحرب, وإنشاء خلية أزمة من سياسيين وعسكريين, وهو ما يؤكد أيضا التورط التركي في ذلك المخطط الذي يستهدف إعادة تشكيل المنطقة, وفي وقت كان البعض لدينا بصفة خاصة يعتقد فيه أن الولاياتالمتحدة تلعب في واد, وتركيا أردوغان في واد آخر, أو هكذا حاول البعض فرض هذه الرؤية خلال شهور مضت, إلا أنها ما لبثت أن تهاوت عارية أمام خبرات عسكرية وأمنية مصرية. والغريب في الأمر.. أيضا, أن التحرك العسكري الغربي بشأن سوريا جاء في وقت حققت فيه الدولة السورية انتصارات متتالية على الأرض, كان يمكن معها أن تحسم هذا الصراع, إلا أنها أيضا, إرادة التآمر التي أبت إلا أن يظل الصراع قائما لتحقيق مآربها, ولكن ما هو أكثر غرابة أن يوافق, بل يسعى, مقاتلون, يتصورون أنهم أحرار, إلى الاستعانة بقوات أجنبية لضرب أو غزو بلادهم, وهو ما يجعل أي غيور على عروبته يستنكر ذلك السلوك, بل ينفض يده تماما من تأييد, أو حتى التعاطف مع هؤلاء الذين كان يجب أن يكون لهم في العراق عبرة وعظة, حيث اغتصبت نساؤهم, وروعت أسرهم, وانتهكت بيوتهم جهارا نهارا, تحت سمع وبصر العالم, وها هو العراق يجني على مدى عشرة أعوام سوءات ذلك الاحتلال, ويلملم أشلاءه دون جدوى, وسوف تظل اللعنات تطارد المحتل, ومن دعاه وعاونه أبد الدهر. هذه هي القضية الأساسية التي يجب أن نتوقف أمامها طويلا, وهي أن المعارضة الحقيقية, في أي وطن, يجب أن تكون سلمية خالصة, هكذا سقط نظام الرئيس السابق في مصر, وهكذا سقط الرئيس الأسبق ونظامه, أما الاقتتال الداخلي في أي وطن فلن يجني منه الشعب- كل الشعب- سوى الدمار والخراب, فما بالنا إذا كان هناك من يترصد لنا, ويتأهب لتزويد كل الأطراف بالسلاح في آن واحد؟, وما بالنا إذا كان هناك من ينتظر الفرصة للانقضاض والغزو؟.. وها هي المأساة تلو الأخرى من العراق حتى ليبيا ثم سوريا, شاهدة على العصر, وشاهدة على بلطجة القوى الكبرى, سواء كانت تسمى الولاياتالمتحدةالأمريكية, أو الناتو, أو حتى الحلفاء, إلا أن ما نستطيع تأكيده هو أنهم لا يستطيعون ذلك دون مساعدات داخلية وإقليمية, وهذه هي مأساتنا الحقيقية. وعلى الرغم.. من وجود منظمة دولية, كان يجب أن تكون لها الكلمة الأخيرة في مثل هذه الأزمات, أو في اتخاذ مثل هذه القرارات, ممثلة في الأممالمتحدة, أو في مجلس الأمن الدولي, فإنه يتم تجاهلها الآن كعادة دول الاستعمار التي لم تستطع التخلص من جبروت الماضي وآثامه, فراحت تعيث في الأرض فسادا, على اعتبار أنها صاحبة الوصاية على المستعمرات السابقة, ومن حقها أن تؤدب هذا, وترهب ذاك, بل تعيد الاحتلال من جديد, وما تصريح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلا تأكيد على ذلك, حينما قال: إن فرنسا مستعدة لمعاقبة سوريا, كما تأتي التصريحات البريطانية, هي الأخرى, تدق طبول الحرب على غرار ما قامت به في فوكلاند والعراق وأفغانستان, لتتوارى رغبات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول الحل السلمي للأزمة, خلف هذه المخططات الهمجية. على أي حال.. لا أعتقد أن أي عاقل في مصر, لا على المستوى الشعبى, ولا على المستوى الرسمي, سوف يقبل بما يحاك للشقيقة سوريا الآن, وإلا فسوف يكون ذلك مقبولا بشأننا مستقبلا, فهؤلاء المتحالفون على الشر ليسوا في حاجة إلى ذريعة تبرر القصف هنا, أو الغزو هناك, فهم يضربون بكل القوانين والمواثيق عرض الحائط لتنفيذ مؤامراتهم, وهم لا يريدون عالما مستقرا هادئا, وإلا لتوقفت مصانع الآلة العسكرية لديهم, ولتهاوى اقتصادهم, وقد اعتادوا الرغد والثراء على جثث الآخرين. ولأن شعب مصر قد فطن إلى ذلك مبكرا بحكم خبرات طويلة استقاها من تاريخه التليد فسوف يظل هدفا, ولأن قيادته قد تصدت بشجاعة لمخططاتهم فسوف تظل في نظرهم حجر عثرة, وما علينا الآن إلا أن نعي خطورة المرحلة ونتكاتف على قلب رجل واحد, لنثبت للعالم أننا الأمة الأعرق, وأن مصر بالفعل أرض الكنانة. مهلا.. أيتها السفيرة تعقيبا على "مانشيت" الأهرام الصادر صباح الثلاثاء الماضي تحت عنوان "الأهرام يكشف الحلقة الأخيرة من اتفاق الشاطر والسفيرة الأمريكية لتقسيم مصر" أرسلت السفيرة الأمريكية بالقاهرة "آن باترسون" ردا شديد اللهجة قالت فيه: إنها تستنكر بشدة ما سمته "العنوان الشائن والمختلق وغير المهني" حول تورطها بشكل شخصي في المؤامرة, وقالت: إن هذا مناف تماما للصحة وخطير للغاية. وقالت باترسون: إنها سوف تقوم بتصعيد الاعتراض على ما نشر إلى أعلى المستويات على حد قولها مطالبة بوقف نشر مثل هذه المعلومات, ومستخدمة تعبيرات منفلتة مثل "صحافة سيئة" وسلوك غير مسئول وتضليل..إلى غير ذلك. ولأن المقام لا يتسع لسرد تفاصيل ما ذكرته السفيرة, الذي يدور في مجمله حول ما سبق, فسوف ندعوها إلى توضيح عدة حقائق ربما تغلق باب المناقشة حول هذه القضية, الذي أصبح مفتوحا على مصراعيه, ليس في وسائل الإعلام فقط, وإنما على مستوى الشارع المصري والعربي ككل, وذلك على النحو التالي: أولا: كان من الممكن أن تعقد سعادة السفيرة مؤتمرا صحفيا توضح فيه ما دار خلال لقائها في مدينة نصر بالمهندس خيرت الشاطر, القيادي بجماعة الإخوان المسلمين, بتاريخ 28/6 الماضي, أي قبل نزول الجماهير إلى الشارع بيومين اثنين. ثانيا: كنا نأمل, ومازلنا, في توضيح ملابسات وأبعاد ما دار في لقاءات عقدها القنصل الأمريكي, في الإسكندرية, مع عدد من قيادات الإخوان خلال الفترة التي سبقت ذلك التاريخ المشار إليه. ثالثا: نرجو من السفيرة, أو الإدارة الأمريكية, على حد سواء, توضيح الحقائق كاملة حول التمويل الأمريكي للجماعة, سواء قبل الانتخابات الأمريكية أو بعدها, أو نفي ذلك تماما, إن كان غير صحيح. رابعا: تحركات السفيرة في صعيد مصر سوف تظل محل تساؤل وريبة إلى أن تقوم هي بتوضيح أسباب وأبعاد هذه التحركات, وأغراضها وأهدافها, وماذا حققت؟! خامسا: ما أسباب تردد البعض على السفارة الأمريكية نهاية كل شهر, وهي أسماء وشخصيات محددة, وما إذا كانوا يتلقون رواتب ومبالغ شهرية من عدمه؟! سادسا: لماذا تصر السفيرة الأمريكية على ممارسة أدوار داخل المجتمع المصري تثير الشبهة, ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بالعمل الدبلوماسي؟ وأود أن أؤكد أن الأهرام حينما ينشر خبرا على هذا القدر من الأهمية فهو يستند إلى مصادر سيادية, بين أيديها التوثيق الكامل لكل ما ذكرناه, وإذا كان هناك خطأ في هذه القضية, بصفة عامة, فهو استكانة السلطات لدينا تجاه ممارسات دبلوماسية من هذا النوع, حيث كان يجب التعامل فورا مع السفيرة على أنها شخص غير مرغوب فيه, وهو ما أدركته السفيرة بالتأكيد على المستوى الشعبي, وكم كنا نود أن تبادر هي بمغادرة الأراضي المصرية. هي إذن فرصة لكي نوجه رسالة إلى القائمين على أمورنا, مؤداها أن مثل هذه الممارسات يجب عدم السماح بها مستقبلا, أيا كانت الدولة التي ينتمي إليها هذا الدبلوماسي أو ذاك, وذلك لأن مثل هذه التحركات غير محسوبة العواقب, سدد بسببها الشعب فاتورة باهظة, بطريقة مباشرة, أو غير مباشرة, من الدماء والأنفس, وإن استمرت بهذه الوتيرة فسوف تكون العواقب وخيمة. وفي الوقت نفسه, أعتقد أنه قد آن الأوان لكشف كل ما لدى السلطات من أدلة على تورط السفيرة وغيرها فيما وصلت إليه الحياة في مصر, من ارتباك وقلق وانفلات, وذلك لأنها على ما يبدو غير مدركة حتى الآن أنه مازالت لدينا دولة متماسكة ترصد وتتابع, ولم ينفرط عقدها بعد, كما كانت تأمل هي وغيرها, لأسباب أصبحت معالمها واضحة للداني والقاصي. ومن المهم الإشارة أيضا إلى أننا نرفض لغة الترهيب واستخدام الألفاظ التي أقل ما توصف به, أنها غير دبلوماسية, والتي وردت في خطاب السفيرة والتي أرى أنها تدخل سافر في الشأن الصحفي والإعلامي المصري, وكان الأولى بها أن ترد على صحافة بلادها, التي تنشر بصفة يومية أنباء مختلقة وتحليلات موجهة عن مصر وشعبها, رغم أنني أعلم علم اليقين أنها لا تستطيع ذلك, ليس لحرية الصحافة لديهم كما يدعون, ولكن لأنها هي نفسها جزء من منظومة التضليل! وبهذا الصدد, أجدها مناسبة لذكر واقعة ربما تكشف هذا الزيف, الذي يتعلق بحرية الإعلام على الطريقة الأمريكية, وهي أن السفارة الأمريكية قد طلبت قبل نحو شهر الموافقة على قيام المستشار السياسي للسفارة بزيارة إلى مكتبي للتباحث والتحاور, وقد آثرت عدم الرد على هذا الطلب لأسباب في بعضها نفسية, وفي البعض الآخر لأنني ربما أدرك المهام الأساسية لمثل هذه الشخصيات, إلا أن السفارة عاودت الاتصال بعد يومين, وأصرت المتحدثة على الرد إن سلبا أوإيجابا, فرددت عن طريق مكتبي بالرفض. وبعد عدة أيام فوجئت بزميلتنا المحررة بالأهرام, التي تقوم بتغطية نشاط السفارة, تشكو منعها رسميا من حضور لقاء جون كيري, وزير الخارجية, بالصحفيين بمقر السفارة, دون توضيح أسباب, إلا أننا ظللنا, كعادتنا, طيبين نؤثر السلامة وننشر أخبارهم, ولم نبادر بأي موقف من أي نوع, على الطريقة المصرية, والعربية أيضا, وهذا هو الفارق بيننا وبينهم, وبين صحافتنا وصحافتهم. نقلا عن جريدة الأهرام