تسببت رسالة الرئيس السوداني عمر البشير إلي بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في إشاعة حالة من الغموض في موقف الخرطوم من نشر القوات المختلطة في اقليم دارفور. بان كي مون قال في تصريحات صحفية أمس إنه تلقي رسالة ايجابية من الرئيس السوداني تمثل نقطة جيدة لبدء المباحثات الثلاثية علي المستوي الفني التي تضم الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والحكومة السودانية والمنعقدة حاليا في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا. لكن الأمين العام لم يوضح في تصريحاته ما إذا كان الرئيس السوداني قد وافق بالفعل علي نشر23 ألف جندي من قوات حفظ السلام المشتركة أم لاوهي القضية التي ظلت الخرطوم تعلن معارضتها لها لدرجة دفعت الرئيس البشير بالحلف بأغلظ الأيمان بأنه لن يسمح بوجود هذه القوات علي آراضيه.فماذا سيفعل لو حنث بالقسم ؟ ميشيل مونتاس المتحدث الرسمي باسم الأمين العام سارعت من جانبها وبعد دقائق من تصريحات بان كي مون تأكيد أن الرئيس السوداني وافق في رسالته علي نشر قوات حفظ السلام المشتركة في دارفور دون أي تحفظات.بل وأكدت المتحدثة الرسمية للصحفيين بمقر الأممالمتحدة أن مضمون الرسالة التي وصفها بان كي مون بالإيجابية بعيدة تماما عن لغة التحدي للمجتمع الدولي واستعمال عبارات مثل التصدي للإمبريالية والاستعمار الجديد وهي المفردات التي يستخدمها الرئيس السوداني في أحاديثه لوسائل الإعلام في بلاده. ميشيل مونتاس أكدت ايضا أن الأمين العام علي اتصال مستمر مع الحكومة السودانية بشأن الإجراءات التطبيقية لنشر القوات المشتركة وأنه اي الأمين العام- يأمل في نجاح الجهود الدولية الرامية لإحلال السلام والأمن في دارفور خاصة أن الحكومة الفرنسية بادرت بالدعوة لعقد مؤتمر دولي حول دارفور في25 من هذا الشهر فيما ستقوم بعثة مجلس الأمن بزيارة السودان الأحد المقبل. بيد أن السفير الأمريكي زلماي خليل زاد مندوب واشنطن الدائم لدي الأممالمتحدة أدلي بتصريحات للصحفيين مناقضة تماما لما أعلنه الأمين العام والمتحدثة الرسمية باسمه.قال السفير الأمريكي إنه لايوجد مايشير في مضمون رسالة البشير إلي بان كي مون إلي موافقة السودان علي نشر القوات الدولية في دارفور. وهدد السفير الأمريكي بأن عدم قبول الخرطوم لنشر القوات المشتركة في دارفور معناه توقيع مزيد من العقويات المشددة علي النظام السوداني وليس علي الشعب السوداني. وقال إنه سيكون ضمن وفد مجلس الأمن الذي سيزور السودان الأحد المقبل مشيرا إلي أنها الفرصة الأخيرة للانتهاء من مسألة نشر قوات حفظ السلام في الإقليم. وكان السفير الأمريكي قد أكد الأسبوع الماضي أن موافقة الرئيس البشير علي نشر القوات المختلطة ستكون بمثابة طوق النجاة من قائمة بالعقوبات جاهزة في مسودة مشروع قرار بمجلس الأمن تتضمن فرض حظر الطيران فوق اقليم دارفور مادام الرئيس السوداني مستمرا في عرقلة نشر القوة المشتركة. لكن أحد كبار المسئولين عن قوات حفظ السلام بالأممالمتحدة قال خلال نفس الأسبوع إن فرض الحظر الجوي فوق دارفور يتطلب موافقة البلدان المجاورة للسودان فضلا عن الكثير من الأمور اللوجستية المعقدة والتي تستغرق وقتا لنشرها قبل التأكد من امكانية فرض الحظر الجوي علي دارفور. وتأتي هذه الأنباء المتضاربة عن موقف السودان من نشر القوات المشتركة في دارفور عقب رفض الخرطوم تسليم اثنين من مواطنيها إلي المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتهما بتهم ارتكاب جرائم حرب في دارفور.وقد اتهم السفير عبد الحليم عبد المحمود مندوب السودان الدائم لدي الأممالمتحدة المحكمة الجنائية الدولية بتسييس القضية لصالح أجندة الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين. ووصف السفير السوداني مطالبة لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتسليم أحمد هارون وزير الدولة السابق للشئون الأمنية وعلي كوشيب أحد قادة ميليشيا الجنجويد بأنها محاولة رخيصة من قبل واشنطن ولندن لإفشال مؤتمر اديس ابابا. وكان لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قد طلب من مجلس الأمن الأسبوع الماضي العمل علي إلقاء القبض علي أحمد هارون وعلي كوشيب باعتبارهما مجرمي حرب. وحث أعضاء المجلس علي القيام بدورهم في مطالبة الخرطوم بتسليمهما,كما استنكر المدعي العام أن يكون أحمد هارون المطلوب للمحكمة هو حاليا الوزير السوداني المسئول عن توفير الإغاثة الإنسانية لأكثر من أربعة ملايين شخص في دارفور. لكن يبقي السؤال وهو ماهي الصعوبة في الحصول علي نص رسالة الرئيس السوداني ؟ ميشيل مونتاس قالت إنه لايمكن نشر مضمون الرسالة إلا عن طريق الحكومة السودانية نفسها.بيد أن الرسالة تسربت لوسائل الإعلام المختلفة وفيها تعهد الرئيس عمر البشير بالقيام بكل مافي وسعه لتفكيك ميليشيات الجنجويد الموالية له والمتهمة بارتكاب جرائم حرب في دارفور.لكن البشير ذكر ايضا في رسالته أن المجموعات المسلحة الآخري تمثل عقبة اساسية في سبيل وقف اطلاق النار في الإقليم.وحول نشر23 ألف جندي تابعين للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي في دارفورلم يوضح البشير موافقته أواعتراضه علي نشرها, وقال إنه يأمل أن يتم الإتفاق علي اتخاذ جميع الأفعال المفضية إلي حل سلمي للمشكلة. والمؤكد أن الحل السلمي الذي يتمناه الرئيس السوداني غير الحل السلمي الذي تريده واشنطن في دارفوروهو نشر القوات المشتركة وإقلاع الحكومة السودانية عن مساندة عصابات الجنجويد في الإقليم.ويبدو أن زيارة وفد مجلس الأمن للخرطوم الأحد المقبل(17 يونيو) ستكون فعلا الفرصة الأخيرة للرئيس السوداني:أما الحنث بقسمه وانصياعه دون شروط لنشر القوات المشتركة أو قرار جديد بالعقوبات علي بلاده.فساعتها سيكون الرئيس السوداني قد حنث بقسمه من أجل الحفاظ علي مصالح شعبه!!!