الإسكان تناقش آليات التطوير المؤسسي وتنمية المواهب    «الأوقاف»: افتتاح 21 مسجدًا اليوم منها 18 جديدًا و3 صيانة وتطويرًا    «التنمر وأثره المدمر للفرد والمجتمع».. موضوع خطبة الجمعة اليوم بالمساجد    وزير الري يلتقي المدير الإقليمي ل«اليونسكو» لتعزيز التعاون مع المنظمة    د. الخشت يترأس لجنة اختيار المرشحين لعمادة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة    إنفوجراف| ننشر أسعار الذهب في مستهل تعاملات الجمعة 10 مايو    أسعار كرتونة البيض في الأسواق اليوم الجمعة (موقع رسمي)    سعر متر التصالح في مخالفات البناء بالمدن والقرى (صور)    وكيل تموين الدقهلية: سداد المستحقات لموردي القمح فوري ولا يتجاوز ال 48 ساعة    10 علامات ابحث عنها.. نصائح قبل شراء خروف العيد    محافظة الجيزة: قطع المياه 8 ساعات عن بعض مناطق الحوامدية مساء اليوم    وزير العمل يتابع تنفيذ مشروع "مهني 2030" مع "اللجنة المختصة"    تصويت مرتقب في الأمم المتحدة اليوم بشأن عضوية فلسطين    حماس: الكرة الآن في ملعب الاحتلال للتوصل لهدنة بغزة    القسام تعلن مقتل وإصابة جنود إسرائيليين في هجوم شرق رفح الفلسطينية    دي روسي: تمت إقالتي منذ عام في الدرجة الثانية.. الآن فخور بفريقي    السعودية: 7700 رحلة جوية و27 ألف حافلة لتسهيل نقل الحجاج    جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 علمي وأدبي.. وخطوات الاستعلام عن أرقام الجلوس    «مياه شرب الإسكندرية» تتعاون مع «الحماية المدنية» للسيطرة على حريق الشركة المصرية للأدوية    مصرع ضابط شرطة إثر اصطدام «ملاكي» ب«جمل» على الطريق ببني سويف    انضمام رالف إنيسون لطاقم عمل فيلم مارفل FANTASTIC FOUR    أدباء: حمدي طلبة أيقونة فنية وأحد رواد الفن المسرحي    عقب صلاة الجمعة.. يسرا اللوزي تشيع جثمان والدتها لمثواها الأخير بمسجد عمر مكرم    463 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد بدور العرض    فريدة سيف النصر ضيفة عمرو الليثي في «واحد من الناس».. الإثنين    فضل يوم الجمعة وأفضل الأعمال المستحبة فيه.. «الإفتاء» توضح    الاستغفار والصدقة.. أفضل الأعمال المستحبة في الأشهر الحرم    «صحة مطروح» تتابع تنفيذ خطة القضاء على الحصبة والحصبة الألماني    خلافات أسرية.. تفاصيل التحقيق مع المتهم لشروعه في قتل زوجته طعنًا بالعمرانية    وزير الإسكان: قرارات إزالة مخالفات بناء بالساحل الشمالي وبني سويف الجديدة    نهضة بركان يبدأ بيع تذاكر مواجهة الزمالك في نهائي الكونفدرالية    تاو يتوج بجائزة أفضل لاعب من اتحاد دول جنوب إفريقيا    ذهاب نهائي الكونفدرالية، نهضة بركان يعلن طرح تذاكر مباراة الزمالك    الاحتلال ينسف مربعات سكنية بحي الزيتون    تركي آل الشيخ يعلن عرض فيلم "زهايمر" ل عادل إمام بالسعودية 16 مايو    شخص يطلق النار على شرطيين اثنين بقسم شرطة في فرنسا    نشوب حريق بمصفاة نفط روسية بعد هجوم أوكراني بالمسيرات    حماس: لن نترك الأسرى الفلسطينيين ضحية للاحتلال الإسرائيلي    أول مشاركة للفلاحين بندوة اتحاد القبائل الإثنين المقبل    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    حفل زفافها على البلوجر محمد فرج أشعل السوشيال ميديا.. من هي لينا الطهطاوي؟ (صور)    رئيس الحكومة اللبنانية يبحث مع هنية جهود وقف إطلاق النار في غزة    القاهرة الأزهرية: انتهاء امتحانات النقل بدون رصد أي شكاوى أو حالات غش    دعاء يوم الجمعة لسعة الرزق وفك الكرب.. «اللهم احفظ أبناءنا واعصمهم من الفتن»    الناس بتضحك علينا.. تعليق قوي من شوبير علي أزمة الشيبي وحسين الشحات    تعرفي على الأعراض الشائعة لسرطان المبيض    الصحة: أضرار كارثية على الأسنان نتيجة التدخين    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    طبق الأسبوع| مطبخ الشيف رانيا الفار تقدم طريقة عمل «البريوش»    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    رد فعل صادم من محامي الشحات بسبب بيان بيراميدز في قضية الشيبي    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    تحرير 12 محضر تموين وصحة للمخالفين وضبط 310 علبة سجاير مجهولة المصدر خلال حملة مفاجئة بالسادات    خالد الجندي: مفيش حاجة اسمها الأعمال بالنيات بين البشر (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد السماك: ماذا يعني البابا الجديد للشرق الأوسط؟
نشر في أخبار مصر يوم 29 - 03 - 2013

حمل انتخاب الكاردينال الأرجنتيني جورج ماريو برغوليو بابا جديداً مفاجآت عدة. وأبسط هذه المفاجآت أنه البابا الأول من القارة الأمريكية. فالأوروبيون، خاصة الإيطاليين، كانوا يتوقعون أن يكون البابا منهم، حتى أن الأساقفة الإيطاليين بعد ارتفاع الدخان الأبيض مؤذناً بانتخاب البابا، وقبل أن يعرفوا اسمه، بادروا إلى توجيه برقيات التهنئة إلى الكاردينال الإيطالي سكولا رئيس أساقفة ميلانو، اعتقاداً منهم أنه الفائز.
غير أن أهم المفاجآت تتمثل في اختيار البابا اسماً جديداً له هو فرنسيس (فرانسيسكو) الأول. وتكمن المفاجأة ليس فقط فيما يمثله القديس فرانسيس بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، ولكن في عدم اختياره اسم القديس أغناطيوس اسماً له. فالبابا الأرجنتيني هو راهب يسوعي ينتمي إلى الرهبانية اليسوعية التي أسسها القديس أغناطيوس في عام 1538. وهو أول راهب من أبناء هذه الرهبانية يصل إلى السدة البابوية، ولذلك فإن عدم اختياره اسم أغناطيوس يطرح من الأسئلة ما لا يجيب عليه سوى اختياره اسم فرانسيس. ذلك أن هذا الاختيار قد يجيب في الوقت ذاته عن تساؤلات أخرى حول شخصية وطريقة عمله وتطلعاته لدور الكنيسة.
ففي عام 1219، كان "الأب" فرانسيس مرافقاً لحملة الفرنجة (الحملة الصليبية) التي غزت مصر في عهد الملك الكامل ناصر الدين الأيوبي (الملقب بالعادل وشقيق السلطان صلاح الدين). وكانت الاشتباكات المسلحة بين المسلمين والفرنجة تشهد مراحل متعددة من الكرّ والفرّ. وكان يسقط في كل مرحلة المئات من الضحايا. وفي خضم هذه الاشتباكات الدامية، خرج من بين صفوف الفرنجة الأب فرانسيس بلباسه الكهنوتي البسيط، متجرداً من كل سلاح، وتوجه نحو القوات الإسلامية.
فوجئ المسلمون بالرجل يتقدم نحوهم، وفوجئوا به كاهناً، ثم فوجئوا به لا يحمل بيده سلاحاً ولا حتى عصا يتوكأ عليها. وكانت مفاجأتهم الكبرى أنه طلب منهم أن ينقلوه إلى الملك لمقابلته. وكان من الطبيعي أن تساور الجنود المسلمين الشكوك في أمر هذا الجندي العدو. وكان من الطبيعي أن يتساءلوا كيف يعقل أن ينتقل من صفوف الأعداء المهاجمين إلى خيمة الملك شخصياً؟ ويبدو أن قائد الموقع نقل الأمر إلى رؤسائه، ووصل الأمر إلى الملك، فوافق على السماح له بدخول خيمته، ومن حسن الحظ أن الملك الذي أُعجب بجرأة الأب فرانسيس حتى قبل أن يتعرّف إلى نواياه، وافق على استقباله شخصياً، وأحسَنَ وفادته.
ولا تنقل الوثائق الإسلامية تفاصيل ما حدث في اللقاء، إلا أنه من الثابت أن الأب فرانسيس طرح حواراً إسلامياً- مسيحياً يوقف سفك الدماء، ويؤسس لتفاهم ديني "على قاعدة الإيمان بالمسيح". أما الروايات الغربية عن هذا اللقاء، خاصة رواية المؤرخ إيرنول Ernol في كتابه Cronache 1227 -1229، فليس لها سند في المراجع الإسلامية.
ذلك أن هذه الرواية تنسب إلى علماء المسلمين موقفاً يتناقض مع ما تقول به العقيدة الإسلامية ذاتها عن المسيحية وما تخصّ به رهبانها من التكريم والعناية والتقدير. فالقرآن الكريم يقول: "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون"، ويدعو الإسلام إلى تكريمهم حتى في حالة الحرب (العهدة النبوية إلى مسيحيي نجران). ولذلك، فإن تكريم الملك العادل للأب فرانسيس لم يكن تقديراً لشجاعته فقط، كما أنه لم يكن إعراباً عن طبيعة شخصية الملك، ولكنه كان التزاماً بما تنصّ عليه العقيدة الإسلامية في الأساس.
ولعل الأب فرانسيس فوجئ بما عرفه من العلماء المسلمين الذين استدعاهم الملك العادل لمحاورته، من أن الإسلام يؤمن بالمسيح رسولاً. ويؤمن بالمعجزات الخارقة التي قام بها بإذن الله، بما فيها معجزة ولادته من أم بتول طاهرة، وبحديثه إليها وإلى الناس بعد وقت قصير من ولادته، ثم بإحيائه الموتى وشفاء المرضى بإذن الله.. ولعل الأب فرانسيس فوجئ أيضاً عندما عرف أن الإسلام يؤمن بالإنجيل الذي يصفه القرآن بأن "فيه هدى ونور". ويصف القسيسين والرهبان بالتواضع وعدم الاستكبار. وكان الأب فرانسيس نموذجاً ومثالاً.
ويبدو واضحاً أن الأب فرانسيس وجد في هذه الأدبيات الدينية الإسلامية أساساً للحوار الإسلامي- المسيحي، ما شجعه على المضي قدماً في مبادرته.
لا يُعرف بالضبط عدد جلسات الحوار التي عقدت بين الأب فرانسيس والعلماء المسلمين بحضور (أو عدم حضور) الملك العادل، ولكن من الثابت أنه عندما عاد إلى صفوف قوات الفرنجة، لم تحسن هذه القوات استقباله، وشككت فيه وبما قام به. وما عزز من شكوكها أنه كان يحمل معه مجموعة من الهدايا الملكية التي لا تزال محفوظة حتى اليوم حول ضريحه الذي أُقيم في بلدته أسيزي -وسط إيطاليا- داخل دير وكاتدرائية كبيرة تشرف عليها اليوم الرهبانية التي تحمل اسمه، والتي تحاول أن تسير على نهجه.
من أجل ذلك، اختار البابا الأسبق يوحنا بولس الثاني مدينة أسيزي، ومن موقع ضريح القديس فرانسيس لإطلاق مبادرته للحوار بين الأديان في عام 1986. وبمناسبة مرور 20 عاماً على هذا المؤتمر، عمل على إحيائها البابا المستعفي بنديكتوس السادس عشر بالدعوة إلى مؤتمر ثان حضره ممثلون عن مختلف الأديان في العالم، حتى أصبح اسم القديس فرانسيس مرادفاً لمبادرات الحوار. وقد ساعد على ذلك مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني التي أعلنت في عام 1965 والتي مدت جسوراً من الانفتاح والاحترام بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس والأديان الأخرى.
ولكن أهمية القديس فرانسيس لا تقتصر على أنه رمز أو رائد الحوار (مع المسلمين أثناء حرب الفرنجة) - كذلك ليس من المؤكد أن البابا الجديد اختار أن يتكنى باسمه من أجل ذلك- ولكن أهميته تكمن في أنه تحمل سوء تفسير مبادرته تلك، ما عرضه لكثير من المعاناة وحتى من الاضطهاد. وقد عاش حياته الرهبانية بروحانية عالية، فقيراً، وهو الذي يتحدر من عائلة غنية، حتى أنه باع ممتلكاته العائلية ووزعها على الفقراء.. وبعد أن أدركت الكنيسة سمو رسالته، تراجعت عن حرمانه واستقبله البابا وأثنى عليه.. وأعلنته الكنيسة قديساً بعد وفاته.
إن حياة التبتل والفقر والإيمان التي عاشها فرانسيس في إيطاليا وفي بلدته أسيزي، ربما كانت الأساس الذي استند إليه البابا الجديد في اختياره لاسمه. والكاردينال برجوليو بصفته ابن عائلة إيطالية -مهاجرة إلى الأرجنتين- يعرف قصة القديس فرانسيس. وهو يعرف قصته أكثر بصفته الكهنوتية. كما يعرفه كابن عائلة فقيرة، إذ كان والده يعيل أسرته المؤلفة من خمسة أفراد من العمل في القطار الحديدي، وهو يعرف بالتالي معنى الفقر ومعنى مساعدة الفقراء.
ولا شك في أن شخصية من هذا النوع ستكون أكثر انفتاحاً على الأديان الأخرى، خاصة على الإسلام. ويعتبر عهد البابا يوحنا بولس الثاني، العهد الذهبي للعلاقات الإسلامية مع الفاتيكان. وبعد استعفاء البابا بنديكتوس، تسقط الأسباب التي حملت الأزهر الشريف على مقاطعة الحوار مع الفاتيكان على خلفية محاضرته في الجامعة الألمانية في رتسنبورغ في عام 2006، والتي أثارت يومها ردود فعل إسلامية سلبية. فانتخاب بابا جديد يحمل اسم القديس فرانسيس (الأسيزي) يشكل في حد ذاته فرصة أمل لإعادة فتح الصفحات التي سطرها البابا الأسبق يوحنا بولس مستنيراً بمقررات المجمع الفاتيكان الثاني. ولعل المؤشر العملي على ذلك هو أن الأزهر الشريف انتقل من عدم استقبال القاصد الرسولي (السفير البابوي) في القاهرة، احتجاجاً على محاضرة ريتسنبورغ، إلى إصدار بين رسمي بالترحيب بانتخاب البابا الجديد فرانسيس الأول وبإعرابه عن تمنياته بأن يعمل على تحسين العلاقات بين الإسلام والفاتيكان.
إن الفترة الزمنية بين القديس فرانسيس الأسيزي والبابا فرانسيس الأول تبلغ 794 عاماً. وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة عرفت العلاقات الإسلامية- المسيحية الكثير من السلبيات والإيجابيات. والأمل معقود على أن تحمل المرحلة المقبلة من الإيجابيات ما يمكّن المسلمين والمسيحيين من العيش معاً، خاصة في الشرق -مهد المسيحية والإسلام- بحرية وكرامة ومساواة.
نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.