علي عكس ما كان متوقعا من معركة حامية الوطيس بين كرادلة الفاتيكان المعروفين بأمراء الكنسية, لم يطل انتظار الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة السيسيتين التاريخية في حاضرة الفاتيكان. ففي اليوم الثاني لانعقاد الكونكلاف كانت المفاجأة التي أذهلت العالم بأثره, والتي تمثلت في اختيار الكاردينال خورخي ماريو برغوليو رئيس أساقفة بيونس آيرس, العاصمة الأرجنتينية, كبابا للكنيسة الرومانية الكاثوليكية, متخذا اسم البابا فرانشيسكو الأول. والشاهد أن المفاجأة هنا مردها يرجع إلي أن البابا الجديد لم يكن اسمه علي قائمة المرشحين للاختيار لهذا المنصب الرفيع, وقد علت الهمهمات غداة إعلان الكاردينال الشماس الأول جان لوي توران عن اسم البابا الجديد, وبدأ التساؤل من هو البابا الجديد الآتي من بعيد؟ والمؤكد أن وسائل الإعلام حول العالم قد أفاضت في الحديث عن سيرته الذاتية, غير أن ما يهمنا أن نلفت إليه النظر في هذا السياق أمران الأول تلك الأجواء التي أحاطت باختياره, والثاني علاقته المتوقعة والمستقبلية بالعالم الإسلامي. لماذا اسم فرنسيس؟ وكيف للاسم أن يتقاطع تاريخيا مع مصر تحديدا ومع العالمين العربي والإسلامي؟ يلزم الإشارة بداية إلي أن البابا الجديد ينتمي إلي الرهبنة اليسوعية, ومؤسسها أغناطيوس دي ليولا فارس عسكري أسباني, أما فرانشيسكو أو فرنسيس فهو رجل ناسك(1811 1226 م) عاشق للطبيعة والخليقة والفقر والفقراء, ومؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية, وموطنه الأصلي مدينة أسيزي في إيطاليا. هذا القديس يذكره التاريخ بأحرف من نور, ذلك لأنه كان صرخة مسيحية حقيقية في وجه الحروب الصليبية, وقد رفضها, وأكد رفضه لها من خلال زيارته التي قام بها في يونيو1219 إلي مصر, حيث التقي السلطان الكامل ابن الملك العادل الأيوبي, الذي قربه إليه, فأقام عنده أياما غير قليلة وجرت بينهما حوارات كثيرة, وبذلك كان فرنسيس الأسيزي, أول من أسس للحوار الإسلامي المسيحي قبل نحو ثمانية قرون. هل كان اختيار البابا الجديد لاسم فرنسيس تيمنا واسترشادا بسلفه القديس صاحب النثر الأشهر يا رب استعملني لسلامك لأضع الحب حيث البغض؟ يبدو أن ذلك كذلك, وهو الأمر الثاني الذي تهمنا الإشارة إليه, ذلك أنه بعد جفوة استمرت عدة سنوات بين الفاتيكان والعالم الإسلامي, لاسيما الأزهر الشريف في مصر, نجد أن أمامنا اليوم فرصة تاريخية لاستئناف الحوار البناء الخلاق الذي يثري الإنسانية جمعاء. ففي لقائه الأخير مع الدبلوماسيين الأجانب المعتمدين لدي الفاتيكان, كشف الحبر الروماني عن رغبته في تكثيف الحوار مع المسلمين وغير المؤمنين وبناء جسور معهم, متعهدا بدعم العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية وباقي الأديان الأخري لاسيما الإسلام.. لماذا يذهب فرانشيسكو الأول هذا المذهب؟ عنده أنه: من المهم تكثيف الوصول إلي معتنقي الأديان الأخري لكي لا تسود الخلافات التي تضرنا. بل تسود الرغبة في بناء علاقات حقيقية من الصداقة بين جميع الشعوب مع تباينهم, لاسيما أنه من غير الممكن إقامة علاقات حقيقية مع الله تعالي في ظل تجاهل الآخرين ومن ثمة علي حد قول البابا الجديد هناك ضرورة ملحة ل تكثيف الحوار بين مختلف الأديان, وبالأخص إجراء حوار مع الإسلام. طرح القضايا يبدأ دائما من الذات وليس من الآخرين, وحال الاستماع إلي تصريحات الحاخام دافيد روزن مدير اللجنة اليهودية الأمريكية عقب تنصيب البابا والتي أشار فيها إلي أن البابا فرنسيس سيعمل جاهدا لتعزيز العلاقات اليهودية الكاثوليكية يتساءل المرء هل سنترك مقاعدنا فارغة من جديد في حين يتسارع الآخرون لشغلها إيمانا منهم بأن المؤسسة الكاثوليكية وعلي حد وصف المؤرخ الأمريكي الشهير وول ديورانت في موسوعته عالم الحضارة أهم مؤسسة بشرية عرفها التاريخ أو قول الأستاذ محمد حسنين هيكل ان الفاتيكان إمبراطورية بدون مستعمرات أو حدود؟. لمزيد من مقالات إميل أمين