كان وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس علي حق عندما علق علي التصريحات النارية المتبادلة بين المسئولين الأمريكيين والروس في الأشهر الأخيرة بقوله إن' حربا باردة واحدة تكفي'. تصريح جيتس يشي بما لم يقله علنا وهو انه يري سحب هذه الحرب تخيم علي أجواء العلاقات المتوترة بين البلدين, ومن المؤكد أنها ستكون حاضرة بقوة عندما يلتئم شمل الثماني الكبار في ألمانيا الأسبوع الحالي. بالنسبة للرئيس الأمريكي جورج بوش كان من المفروض أن ترسخ هذه القمة مصالحة تاريخية بين واشنطن وأوروبا القديمة, بما فيها روسيا, بعد أن احتوي الجانبان تقريبا الآثار المدمرة لخلافاتهما حول غزو العراق. وأيضا بعد أن تخلص بوش, بايدي الناخبين, من الرئيس الفرنسي جاك شيراك غريمه اللدود الذي خلفه رئيس أمريكي الهوي هو نيكولا ساركوزي. وقبل ذلك وبنفس الطريقة أراحه الناخبون الألمان من خصم آخر هو جيرهرد شرودر وجاءوا بالمستشارة الحالية انجيلا ميركل وهي تجاهر دائما بصداقتها لواشنطن. الذي تبقي من الثلاثي المشاغب الذي عارض الحرب هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهذا أيضا يستعد للرحيل قبل منتصف العام المقبل. أما توني بلير صديق بوش الوفي فسيأتي مكانه صديق آخر لا يقل وفاء في الغالب هو جوردون براون. بل ربما يكون أكثر نفعا من بلير. بوش بالرغم من كل تلك المكاسب التي جاءته مجانا لن ينعم بشهر العسل الذي تمناه مع رفاقه في تجمع الثماني الكبار. ذلك أن خلافات حقيقية تزيد الهوة اتساعا يوما بعد يوم بين روسيا من جانب والولاياتالمتحدة وأوربا ومعها بالتبعية اليابان وكندا من جانب آخر. وكما كان جيتس محقا عندما حذر من حرب باردة ثانية كانت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية ونظيرها الألماني فرانز شتاينمير علي حق أيضا عندما أعلنا في مناسبتين مختلفتين أن العلاقات بين بلديهما وروسيا تمر بفترة صعبة. هذه المرة الأزمة لا تتعلق بدولة أخري كما كان الحال عند غزو العراق ولكن بقضايا تعتبرها روسيا من صميم أمنها القومي ومصالحها الحيوية وشئونها الداخلية. علي رأس تلك التحديات تأتي قضية منظومة الدرع الصاروخية التي تعتزم واشنطن نشرها في بولندا وتشيكيا. وبالإضافة إلي الانتقادات العنيفة والعلنية غير المعتادة التي دأب بوتين علي توجيهها إلي واشنطن خلال الأشهر الماضية. فقد قام برد انتقامي عملي عندما جمد التزام بلاده بمعاهدة الحد من الأسلحة التقليدية وهدد بالانسحاب منها. هناك كذلك أزمة كبري أخري تتعلق بإقليم كوسوفا والتي شهدت تصعيدا أخيرا بعد أن أيدت الولاياتالمتحدة وأوروبا مشروع قرار دوليا باستقلال الإقليم وهو ما سارعت روسيا برفضه رفضا قاطعا. وفضلا عن ذلك هناك قائمة طويلة من الخلافات أهمها الشكوي الأمريكية الأوروبية من تعمد روسيا استخدام مصادرها من الطاقة كورقة ضغط سياسية. بينما تشكو روسيا من التدخل الأمريكي في شئونها عبر الانتقادات المتكررة لسجلها في حقوق الإنسان. وعلي الرغم من أن كل الخلافات السابقة تتركز حول قضايا مهمة بالفعل إلا أن مشكلة الدرع الصاروخية وما يترتب عليها من مخاطر انطلاق سباق تسلح جديد تبقي هي الأخطر بالفعل. وهناك أربعة أخطاء جسيمة ارتكبتها واشنطن علي حد قول الباحثين ستيفن لاراي الخبير في الأمن الاوروبي بمؤسسة راند الأمريكية للأبحاث, واندرجيج كاراكوسكا وزير الدفاع البولندي السابق والمحلل الاستراتيجي حاليا. وللباحثين دراسة قيمة أعداها معا. ويمكن رصد الأخطاء الأمريكية التي تحدثا عنها باختصار فيما يلي: أولا: لم تراع واشنطن تمهيد الأرضية النفسية أو السياسية للإعداد لنشر الصواريخ واكتفت بالاعتماد علي شعبيتها في بولندا وتشيكيا. ثانيا: تعمد المسئولون الأمريكيون التعامل مع القضية باعتبارها مسألة تكنولوجية منفصلة تماما عن سياقها السياسي. إلا انه بالنسبة لأوروبا فان التكنولوجيا العسكرية اقل أهمية من التعقيدات السياسية الكبيرة التي ستترتب علي نشر الصواريخ. ثالثا: أساءت واشنطن تقدير الرأي العام في بولندا وتشيكيا. وافترضت أنه يكفي الحصول علي موافقة الحكومتين. في حين أنه يتعين علي الحكومتين للحصول علي موافقة البرلمان رابعا: افترض الأمريكيون أن دول أوروبا الشرقية ستظل تؤيد بقوة الولاياتالمتحدة وتدعم سياستها بصورة تلقائية. كان هذا صحيحا قبل خمس سنوات ولكن الوضع اختلف الآن. وأصبحت هذه الدول أكثر اندماجا في السياسة الأوروبية. أخيرا إذا كانت الولاياتالمتحدة تأمل في أن يتغير الموقف الروسي برحيل بوتين بعد انتخابات مارس المقبل. فمن المؤكد أن الروس أيضا يحدوهم الأمل بان تتبني الولاياتالمتحدة سياسة أكثر عقلانية واقل تطرفا بخروج بوش من البيت الأبيض.