بعد ان شن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عددا هائلا من المعارك الانتخابية اختار مقعد المشاهد لمتابعة الانتخابات الرئاسية الحالية الجارية وهو يلزم اكبر قدر من التكتم حتى الساعات الاخيرة من الحملة التي ستشكل خاتمة اربعين عاما امضاها في المعترك السياسي. وسيخرج شيراك البالغ من العمر 74 عاما من قصر الاليزيه بحلول 16 مايو (ايار) الموعد الرسمي لنهاية ولايته بعد بقائه 12 سنة في سدة الرئاسة. وسوف يغيب من دون القيام بجولة وداع وبدون ان يكون مارس اي تأثير على الحملة الانتخابية فيما عبر الفرنسيون بمناسبة الانتخابات الرئاسية عن تعطش كبير للتغيير. وحيا شيراك للمرة الاخيرة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الخميس في برلين في آخر زيارة ذات قيمة رمزية على جدول اعمال خصص في الايام الاخيرة للمراسم البروتوكولية وتقليد الاوسمة، فيما كان معاونوه الذين حرص على تدبير مناصب اخرى لهم يستعدون للرحيل. وبعد ان ابدى شيراك عزمه على «خدمة (بلاده) بطريقة مغايرة»، فهو يعمل على تشكيل مؤسسة تعنى ب«مسائل تتعلق بالمستقبل» مثل البيئة والتنمية المستدامة و«حوار الثقافات». ولزم قدرا كبيرا من التكتم طوال الحملة الانتخابية فسره المقربون منه بوجوب الحفاظ على المقام الرئاسي. وان كان قدم دعمه لنيكولا ساركوزي فقد قام بذلك بالحد الادنى الممكن وهو قد اضطر الى تقبل بروز هذا الخصم الذي «غدر به» في الانتخابات الرئاسية عام 1995 بعد ان حاول من دون جدوى قطع الطريق عليه. وان كان شيراك بقي متواريا عن حملة ساركوزي الانتخابية فان زوجته برناديت ظهرت الى جانبه في مهرجانين انتخابيين. وبالرغم من ان شيراك اوضح انه ليس من هواة تقويم الحقبات الا ان اخصامه وعددا من المعلقين السياسيين وضعوا حصيلة قاسية لولايتيه الرئاسيتين (1995 2007)، ولو انهم اعترفوا للرئيس الذي غالبا ما نعت بالانتهازية والتقلب في المواقف ببعض القناعات الراسخة مثل رفض العنصرية ومعاداة السامية. وباستثناء الموقف المعارض للحرب الاميركية على العراق عام 2003 والذي تميزت به فرنسا وتألقت في الاممالمتحدة فان «سنوات شيراك» وصفت عموما سواء في فرنسا او في الخارج كفترة ركود او حتى «تقهقر» شهدت سلسلة من الازمات المتعاقبة وبدت فرنسا بعدها كبلد يشكك في نفسه وفي قدراته. ويذكر من هذه الحقبة موجة الاضطرابات واعمال الشغب غير المسبوقة التي هزت ضواحي المدن الفرنسية الكبرى عام 2005 ولمدة ثلاثة اسابيع ورفض الفرنسيين للدستور الاوروبي الذي احدث صدمة في الاتحاد. وان كان شيراك يعتزم الانتقال الان الى الدفاع عن قضايا العالم الكبرى فان ماضيه قد يشكل عبئا عليه اذ انه قد يصبح اول رئيس فرنسي سابق يتعرض لضغوط قضائية. فمن المحتمل ان يتلقى استدعاء من قضاة بعد ان يفقد حصانته الرئاسية في منتصف يونيو (حزيران) المقبل للاستماع اليه في قضية وظائف وهمية تعود الى الفترة التي كان فيها عمدة باريس وقد استخدم هذا المنصب كمدخل للفوز بالرئاسة. واوضح شيراك الذي ضحى بكل شيء في سبيل الكرسي الرئاسي قبل بضعة اسابيع ان ثمة «حياة بعد السياسة» تنتظره، فيما اعتبر ساركوزي ان شيراك يترك السلطة «في سلام مع نفسه».