يأتى الاحتفال باليوم العالمى لمكافحة التصحر وسط تحذيرات من تزايد خطر التصحر فى مختلف دول العالم .. فقد حذر تقرير للصندوق العالمى للطبيعة صدر فى مايو الماضى من أن التصحر يؤدى إلى فقدان الحياة النباتية والتنوع الحيوى، لأنه يؤدى إلى تآكل الطبقة العلوية للتربة وبالتالى تفقد الأرض قدرتها على الانتاج الزراعى، مما يتسبب فى خسارة سنوية فى المحاصيل الزراعية . واليوم العالمى للتصحر يوافق السابع عشر من شهر يونيو من كل عام، ذكرى تبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر التى اعتمدتها فى ديسمبر 1992 وفتح باب التوقيع عليها فى أكتوبر 1994 وبدأت تنفيذها عام 1996 . وتشير التقارير العالمية التى صدرت عن الأممالمتحدة إلى أن العالم يفقد سنوياً حوالى 24 مليار طن من التربة السطحية، وأن حوالى 70% من إجمالى مساحة الأراضى الجافة المستخدمة فى الزراعة فى العالم تضررت بدرجات متفاوتة من جراء عمليات التصحر، كما اعتبرت منظمة الزراعة " الفاو " أن التصحر مرض الأرض الأشد خطورة، وذكرت فى تقرير لها بمناسبة اليوم العالمى لمكافحة التصحر أن الفقر والتزايد السكانى السريع من بين الأسباب الرئيسية لظاهرة التصحر . وفى إطار مواجهة هذه الظاهرة وقع وزراء الخارجية والبيئة فى 150 دولة – من بينها مصر – خلال أكتوبر 1994 على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر التى تعكس الأولوية التى يجب أن يوليها المجتمع الدولى لأفريقيا باعتبارها القارة الأكثر تعرضاً لمشكلة التصحر، وكانت الخطوات الأولية قد بدأت بتوصية من قبل مؤتمر الأممالمتحدة الخاص بالبيئة والتنمية فى ريو دى جانيرو عام 1992 ، حيث يتم إنشاء لجنة تفاوض دولية لإعداد اتفاقية مكافحة التصحر فى دول العالم الثالث قبل اعتمادها وتوقيعها فى باريس عام 1994 وتهدف إلى تجنب عواقب التصحر الطويلة الأجل مثل الهجرة الجماعية وحدوث نقص فى السلالات الحيوانية والنباتية والتغيرات المناخية والحاجة إلى إرسال مساعدات عاجلة للسكان فى وقت الأزمات .
ونتيجة هذه الظاهرة يفقد العالم كل عام حوالى 691 كيلو متراً مربعاً من الأراضى الزراعية بسبب عملية التصحر، بينما ثُلث اليابسة فى الكرة الأرضية معرض للتصحر .. ووفقاً للتقرير فقدت الأرض حوالى 30% من مواردها الطبيعية ما بين عامى 1970 و 1995، حيث تثير الرياح الأتربة فى الصحارى والأرض الجافة وتدفعها حتى تصل إلى الكثير من دول العالم، وكان المسئولون فى الأممالمتحدة أعلنوا أن عام 2006 هو العام الدولى للتصحر، وذلك بعد أن أوضحت الدراسة العلمية للبيئة – التى أجرتها مجموعة من علماء البيئة فى جامعة ليج فى بلجيكا – أن الصحراء تلقى بأتربتها فى الغلاف الجوى بحوالى مليار طن سنوياً، بالإضافة إلى أن 100 مليون طن من هذه الأتربة تأخذ اتجاهها إلى القارة الأوروبية، وبعضها يختفى فى حوض البحر الأبيض المتوسط والبعض الآخر يتساقط فى صورة مطر، مما يُشكل خطراً على صحة الإنسان خاصة فى جنوب أوروبا، وأشار التقرير إنه منذ عام 1980 وهذه الأتربة تتزايد وتؤدى إلى تصحر البلاد وتهدد المناطق الزراعية حيث تصحرت مئات الملايين من الهكتارات من الأراضى الزراعية . وتُعد اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر إنجازاً مهماً للمجتمع الدولى لمواجهة هذه الظاهرة التى تمثل واحدة من أخطر مظاهر التدهور البيئى، حيث يتعرض كوكب الأرض منذ عام 1950 لتدهور التربة بمساحات بلغت نسبتها 11% من الغطاء النباتى الذى يكسو سطح الأرض، وقد أكد كوفى أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة فى رسالته بمناسبة اليوم العالمى للتصحر العام الماضى، أن التصحر مشكلة عالمية تمس خُمس سكان العالم ، وأن هناك حوالى مليار نسمة يهددهم شبح الجفاف والفقر الناجم عن التصحر الذى يكلف العالم خسارة سنوية تُقدر بحوالى 42 مليار دولار ويبلغ نصيب أفريقيا وحدها حوالى 6 مليارات، بينما وصل عدد الدول التى تتعرض أراضيها للتصحر 110 دولة ، وأشار الأمين العام السابق فى رسالته إلى أن التصحر بجانب مشاكل أخرى يؤدى إلى الهجرة القسرية من المناطق الريفية الفقيرة إلى المُدن التى تكون غير مُهيأة لتوفير المأوى والعمل اللائقين للوافدين الجُدد ، وتحذر الإحصائيات بأنه من المتوقع أن يهاجر حوالى 60 مليون شخص بحلول عام 2020 من المناطق المتصحرة فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نحو شمال أفريقيا وأوروبا وأن يتعرض حوالى 135 مليون شخص فى أنحاء العالم للتشرد .
ما هو المقصود بالتصحر ..؟ كان مؤتمر الأممالمتحدة عام 1977 وصف التصحر بأنه تدهور قدرة الانتاج البيولوجى للأرض، مما يؤدى فى النهاية إلى خلق أوضاع صحراوية، ومشكلة التصحر نتيجة الجفاف برزت كمشكلة عالمية زادت خطورتها مؤخراً خاصة فى العقدين الأخيرين، وذلك للتأثير السلبى الذى خلفته على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية .. وهو ما يدعو المجموعة الدولية إلى المساهمة بفاعلية وجدية فى دعم برامج مكافحة التصحر على المستوى العالمى . ويشير خبراء البيئة إلى أنه بالإضافة إلى تأثير عوامل الطقس – من قلة الأمطار بصفة عامة والجفاف وارتفاع درجة الحرارة – على عملية التصحر .. فهناك العديد من العوامل البشرية التى تؤدى إليها ومنها عدد السكان وبالتالى زيادة الاستهلاك وكذلك التطور العمرانى والاقتصادى، مما دفع الإنسان إلى زيادة استغلال الموارد الطبيعية إلى حد الإسراف ونتج عنه تدهور الغطاء النباتى للمراعى نتيجة للرعى الجائر وقطع الأشجار وتدمير الغابات بهدف انتاج الأخشاب، كما تتعرض التربة الزراعية الخصبة – وخاصة حول المُدن – للزحف العُمرانى مما يترتب عليه خسارة مساحات كبيرة منها .. ويعتبر الإفراط وسوء استغلال الموارد البيئية وخاصة الحيوية منها فى المناطق الجافة وشبه الجافة وشبه الرطبة من أهم أسباب التصحر . مشاكل التصحر فى أفريقيا : ويؤكد العلماء أن تغييراً حاداً فى طبيعة الغطاء النباتى فى العالم يمكن أن يؤدى إلى تغيرات سلبية فى المناخ ستؤثر على نواحى الحياة المختلفة فى العالم، وتعتبر أفريقيا – والتى تنتمى إليها مصر – من أكثر قارات العالم تأثراً بالتصحر حيث أن 32% من أراضى العالم الجافة موجودة بأفريقيا .. كذلك حوالى 73% من الأراضى الجافة فى أفريقيا المُستخدمة لأغراض زراعية قد أصابها التآكل أو التعرية، وأكثر الأراضى تأثراً فى أفريقيا موجودة فى ( سيراليون – ليبيريا – غانا – غينيا – نيجيريا – الكونغو الديمقراطية – جمهورية أفريقيا الوسطى – إثيوبيا – موريتانيا – النيجر – السودان – الصومال ) . ويؤكد خبراء البيئة أن مشكلة التصحر بأفريقيا متداخلة ومعقدة، ولعل أهم أسبابها الفقر والذى يؤدى إلى سوء استخدام الأراضى الزراعية من أجل انتاج أكبر كمية مُمكنة من المحصول، وهذا يؤدى إلى تدهور التربة وبالتالى تعريتها، والتى تمثل بداية عملية التصحر، ويحذر الخبراء من أن الجفاف الذى يعانى منه العديد من الدول الأفريقية يعتبر التهديد الأول للنظم الاقتصادية بها .. بجانب المخاوف من ارتفاع درجة حرارة الأرض الذى سيؤدى إلى تدمير الحياة البرية والغابات الأفريقية .. كما تؤدى التغييرات فى الطقس إلى تغيير مواسم الزراعة بالقارة ونشر الآفات الزراعية والأمراض فى الجزء الجنوبى منها .
التصحر فى الوطن العربى : ويُعد التصحر من أخطر المشكلات البيئية التى تواجه دول المنطقة العربية التى تقع معظم أراضيها فى المنطقتين الجافة وشبه الجافة، فقد حذر تقرير للبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة من أن المنطقة العربية تُعد من أكثر المناطق جفافاً فى العالم، حيث تستهلك إحدى عشرة دولة كميات ضخمة من مواردها المائية فى الوقت الذى تعانى فيه تسع دول أخرى من مشاكل نوعية مياه الشرب والزراعة . وتشتمل ظاهرة التصحر فى الوطن العربى على جوانب عديدة أهمها الإنجراف المائى، وذلك فى مناطق محددة خلف السدود أو فى الحقول الزراعية، وفى هذا الصدد يُشير المتخصصون إلى أن انعدام الالتزام بالإرشادات الزراعية أدى الى تدنى خصوبة الأراضى وخروج مساحات واسعة من الحيز الزراعى وفقد العناصر الغذائية، مما أدى إلى انخفاض القدرة الإنتاجية للأراضى وتدهورها .. كما أن المسائل المتعلقة بطبيعة المناخ فى الوطن العربى أدت بشكل كبير لزيادة التصحر فى أراضيه، وقد تنبه العديد من الدول العربية إلى أهمية مكافحة التصحر .. وذلك من إنشاء المؤسسات البيئية وإصدار القوانين اللازمة فى هذا الشأن لوقف بعض مظاهر التلوث وتدهور الأراضى والتصحر . التصحر فى دول غرب آسيا : وأوضحت الأممالمتحدة أن دول غرب آسيا تقع ضمن الحزام الصحراوى الجاف لغرب القارات الذى يتميز بانخفاض معدل هطول الأمطار وارتفاع كل من درجات الحرارة ونسب التبخر، وأشارت التقارير إلى أنه نتيجة للظروف المناخية الصعبة لهذا الإقليم وازدياد الضغوط البشرية على الموارد الطبيعية فقد زادت من التأثيرات الحادة لكل من الجفاف والتصحر. موقف مصر من التصحر : ومن جانبه أكد المهندس ماجد جورج وزير الدولة لشئون البيئة على ضرورة العمل على الحد من فقدان الأراضى الزراعية لأية استخدامات غير زراعية وذلك بالحزم فى تنفيذ القوانين وتوفير الخدمات الأساسية فى المُدن والمجتمعات العمرانية الجديدة لتشجيع الانتقال إليها والإقامة فيها وإنشاء مُدن عمالية بجوار المناطق الصناعية وعدم تجاوز قدرات تحمل الأراضى الزراعية باستخدام أساليب للزراعة أكثر مُلاءمة لقدرات الأرض والبيئة وإعادة تأهيل الأرض التى تدهورت إنتاجيتها والتى أصابها التشبع بالمياه والتمليح باستخدام تكنولوجيات ملائمة للأوضاع المحلية وذلك للحد من ظاهرة التصحر التى تعتبر مشكلة بيئية تنشأ من الاستخدام السيئ والإدارة غير الرشيدة للموارد الطبيعية بفعل الإنسان إما أن تحدث بفعل عوامل طبيعية أو بأفعال بشرية. وأن الحكومة المصرية بذلت جهودا كثيرة لمجابهة عوامل التصحر وذلك برصد التصحر واستخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد وصور الأقمار الصناعية فى دراسة هذه الظاهرة، نظراً لأن موارد الأراضى والمياه للزراعة محدودة حيث أن أغلب المياه الجوفية فى صحارى مصر مياه حفرية مختزنة منذ العصور القديمة وتستغل هذا المورد فى زراعة أراضى واحات الصحراء الغربية وفى زراعات محدودة فى شبه جزيرة سيناء، وأن الاتجاه الغالب هو استصلاح المزيد من الأرض الجديدة فى (مديرية التحرير – مشروع الوادى الجديد – مشروع شرق العوينات – مشروع الصالحية – مشروعات الاستصلاح بالوادى الأسيوطى ووادى الصعايدة – مشروع تنمية الساحل الشمالى الغربى وظهيرة الصحراوى - مشروعات ترعة السلام لإستصلاح وزراعة 620 ألف فدان شمال سيناء - مشروعات منطقة توشكى والتى تستهدف إضافة 500 ألف فدان إلى الرقعة الزراعية - مشروع ترعة النصر الذى يمتد من الدلتا إلى منطقة العلمين ). وبالنظر إلى قضية التصحر نجد أن الإنسان فى موضع الاتهام بالتسبب فى تنامى هذه الظاهرة، بسبب ظلمه وأنانيته وتماديه فى عدم احترام سُنن البيئة الطبيعية وقوانينها الطبيعية، فلابد أن يعلم الإنسان أن مهما صنع من إنجازات ومشروعات تنموية بالجورعلى قوانين الطبيعة سيكون مصيرها الدمار والخراب والفناء، باعتبار أن هذا السلوك وهذا التصرف غير العادل وغير المتوازن مع البيئة الطبيعية يمثل تحدياً ضد الطبيعة، فندرة المياه الصالحة للشرب على وشك أن تتحول إلى أزمة وربما تسببت فى إذكاء الحروب والصراعات القادمة، والآن أصبح التصحر واختفاء الغابات يبتلع سنوياً المزيد من الأراضى الصالحة للزراعة وبذلك يزداد جوعى العالم وتزداد معاناة الدول الفقيرة، وسطح الأرض تزداد سخونته كل عام بفعل تصرفات الإنسان، وبالأخص الأغنياء منهم، لتزداد ثرواتهم حتى ولو كان ذلك يؤدى إلى اختناق الأرض واحتباس الحرارة فيها. فلابد أن نكون اليوم أكثر وعياً وأكثر إدراكاً وأكثر علماً بمتطلبات البيئة، خاصة ونحن اليوم نعيش تنمية اقتصادية نتطلع إلى أن تكون تنمية مُستدامة وشاملة وليست طفرة اقتصادية ننتعش فيها سنوات قليلة لنعود بعدها إلى حالة الركود وتسيير أمورنا بما دون الحد الأدنى من المشاريع والخدمات المطلوبة، وهذا التطلع لمثل هذا النوع من التنمية هو حق مشروع ، ولابد من إعادة النظر فى نظرية التعامل مع الطبيعة وقوانينها، وضرورة التقليل من الآثار السلبية لجميع الأنشطة التنموية على مكونات البيئة الطبيعية وتوازن أنظمتها والكائنات التى تعيش فيها، فعندما نستطيع أن ندخل الموضوع البيئى فى خططنا التنموية السنوية وفى مشاريعنا وتخطيط مُدننا واعتماد مرافقنا الخدمية، فإننا بذلك نضمن أن تكون تنميتنا تنمية إعمار حقيقى وليست بناءً لليوم والحاضر وتهديداً للمستقبل وللقادم من أجيالنا ، فالتنمية الحقيقية هى التنمية المُستدامة بفعل ممارساتها الحكيمة واستخدامها الرشيد لمواردها الطبيعية وعدم الإضرار والإساءة للبيئة الطبيعية . 18/6/2007