التصحر فى أبسط معانية هو انخفاض متوال لإنتاجية أراضى الزراعة المروية والزراعة المطرية أو أراضى المروج والمراعى الطبيعية، خصوصا تلك التى تقع فى حزام المناطق المدارية. ويأتى ذلك لمسببات طبيعية كالجفاف المناخى الممتد وتجريف سطح الأرض برياح عاتية وزحف الكثبان الرملية، أو لمسببات بشرية كتلويث الأرض بالأملاح واستنزاف خصوبتها وسوء استعمالهما اقتصاديا. ومن هنا تتضمن عمليات مكافحة التصحر فى أبسط معانيها المحافظة على الأراضى وترشيد استخداماتها. ويؤدى ذلك لتوفير قدر من الأمن الغذائى فتتحسن مستويات التغذية، وتتزايد فرص العمل فى المناطق الريفية فتقل معدلات الهجرة العشوائية للمدن، وتتنوع مصادر الدخل للمجتمع فتنخفض معدلات الفقر، وتتوافر على المستوى الوطنى مواد خام للتصنيع والتصدير والتنمية فيعم الرخاء اقتصاديا واجتماعيا. ويتذكر بعض المفكرين هول كوارث موجات الجفاف والتصحر التى اجتاحت فى ستينيات وثمانينيات القرن العشرين منطقة الساحل الأفريقى الشاسعة، الممتدة من أثيوبيا على المحيط الهندى شرقا حتى السنغال على المحيط الأطلنطى غربا، حيث هلك ألوف البشر جوعا، وهامت الملايين على وجوهها تقتحم حدود الدول المجاورة بحثا عن الغذاء والمرعى، فيما عرف بعد ذلك بمهاجرى البيئة. ومن المحزن أن شيئا من تلك الهجرة البيئية ولنفس الأسباب قد حدث فى دارفور مع بدايات القرن الحادى والعشرين، وتركها النظام السياسى تتفاقم حتى تحولت إلى حرب أهلية مراوغة جرجرت السودان إلى دوامة حسابات دولية خطيرة. ويؤكد قدم معرفة الإنسان بالواقع الكارثى للتصحر، دون استعمال المصطلح، ما جاء فى الذكر الحكيم فى الآيتين 39،40 من سورة الكهف «ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا، أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا». والأرض الزلقة هى الأرض القلوية المجدبة التى لا تنتج إلا الحنظل، والماء الغور هو الماء بعيد المنال. فلا زراعة، بل هشيم تذروه الرياح مقدمة لقارعة غذائية. وتحظى مصر بمرتبة عالية فى الساحة الدولية عندما يأتى الحديث عن التصحر لعدة أسباب منها ما هو شخصى ومنها ما هو موضوعى. فعلى الجانب الشخصى فإن «مبتدع» كلمة التصحر فى كل من اللغتين العربية والإنجليزية هو العالم المصرى الجليل الدكتور عبدالفتاح القصاص، إضافة إلى دوره المتميز فى إعداد اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر. وقد تم ذلك فى ختام اجتماعات دولية استمرت عدة سنوات، انتهت فى السابع عشر من يونيو عام 1994، الذى يحتفل به العالم باعتباره اليوم العالمى لمكافحة التصحر. وعلى الجانب الموضوعى يختزن التراث المعرفى المصرى قدرا هائلا من الخبرات المتراكمة لقواعد وأصول استعمالات الأراضى والمياه، منذ عهد الفراعنة مرورا إلى مصر محمد على ومصر عبدالناصر. واستنبطت هذه الخبرات ما يكفى من أساليب ضبط واستعمال مياه النيل فى زراعة مروية فائقة الإنتاجية، وحصاد مياه الأمطار فى الساحل الشمالى الغربى لزراعة مطرية كانت ويمكن أن تكون مزدهرة، واستصلاح أراض هامشية تتنوع بين الرملية والسبخية والجيرية والغدقة فتصبح بعد حين حقولا كريمة العطاء. وتلتزم الدول النامية المشاركة فى اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر بتبنى برنامج وطنى يستهدف صيانة مواردها من الأراضى والمياه ضمن إطار خططها للتنمية المستدامة. وتتعدد مكونات البرنامج بين مشروعات للوقاية والصيانة، ومشروعات لإدارة العمليات الإنتاجية الزراعية، ومشروعات علاجية، وأخرى للإنذار المبكر والطوارئ ومجابهة الكوارث. وتلتزم الدول الغنية بتقديم الدعم المادى للدول النامية المتأثرة بالتصحر، كما تلتزم بتقديم التكنولوجيا المناسبة والخبرات اللازمة لبناء ودعم القدرات المؤسسية الخاصة بمكافحة التصحر. والسؤال الذى يطرحه خبراء البيئة وإدارة الموارد الطبيعية والعلاقات الدولية فى الوقت الراهن هو هل استفادت مصر حقا من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحر؟ والإجابة الوافية على هذا السؤال ملتبسة إذا لم يتحدد سياقه مبدئيا ضمن ثلاثة توجهات مترافقة. التوجه الأول مالى الصبغة يتضح فيه أن مصر لم تستفد من الاتفاقية، بدليل أن أى من مشروعات برنامجها الوطنى لمكافحة التصحر لم ينفذ بتمويل كلى أو جزئى من إحدى الدول أو المؤسسات المانحة كما حدث مع دول نامية كثيرة. وربما يعزى عدم الاستفادة إلى تلكؤ دام نحو ثمانى سنوات حتى انتهت مصر من إعداد برنامجها الوطنى فى يونيو 2005. وعندئذ كانت معظم الموارد المالية المتاحة دوليا قد استنفدت بمن سبق، وذهب جزء كبير منها إلى الصين والبرازيل ودول أفريقية كانت كلها من أوائل دول العالم فى إعداد برامجها الوطنية. ولم تستفد مصر من الاتفاقية معنويا، ربما لتباعدها دبلوماسيا وبروتوكوليا عن ساحة الاتفاقية، وهى ساحة تعتز بها معظم دول أفريقيا أعظم الاعتزاز لاعتقادها الراسخ بأن اتفاقية التصحر هى هديتها البيئية الثمينة للعالم على طريق التنمية المستدامة، بالتوازى مع اتفاقيتى التغير المناخى والتنوع البيولوجى. ويشهد على ذلك الاعتزاز مستوى تمثيل الدول فى مؤتمرات الاتفاقية الجامعة التى تعرف بمؤتمرات الأطراف، حيث شارك فيها عدد كبير من رؤساء جمهوريات ورؤساء وزراء أفارقة فى مظاهرات دبلوماسية متكررة. وفى مقابل ذلك لم تكن هناك محاولة مصرية جدية لإنشاء صلة مؤسسية مع سكرتارية الاتفاقية على الرغم من التوصية بذلك، ولم يتم التفكير جديا فى دعوة أى من مؤتمرات الأطراف ليعقد فى مصر على من التوصية بذلك، ولم يجد وزير مصرى من ذوى الصلة بالتصحر الوقت والرغبة والدافع ليشارك فى أى من مؤتمرات الأطراف على الرغم من التنويه بأهمية هذا الحضور. والغريب أن يحدث هذا التباعد على الرغم مما يقدمه الصندوق الأفريقى فى وزارة الخارجية والمركز الدولى للزراعة فى وزارة الزراعة من مساعدات فنية وتكنولوجية ومادية للدول الأفريقية، كانت تحتاج فقط لشىء من الربط المؤسسى لتندرج تحت لافتة إضافية عنوانها مكافحة التصحر، فتكسب مصر دون جهد إضافى مرتين من تقديم هذه المساعدات، تحقيقا لمقولة عرفت مؤخرا باصطلاح ازدواج فائدة السياسات أو المشروعات. وانفردت كل من إسرائيل وجنوب أفريقيا بمعظم دول القارة عن طريق مساعدات واهية تستطيع مصر أن تقدم أفضل منها لتحتفظ بمقومات بعض عناصر القوة الناعمة التى تؤهلها للنفوذ السياسى. ويكفى أن نشير هنا إلى مزرعة من نحو خمسين فدانا تروى بالتنقيط أقامتها إسرائيل فى السنغال فى أواخر التسعينيات، واعتبرها الإخوة السنغاليون أعجوبة تستحق أن توضع ضمن برامج زيارة ضيوفها الأجانب. أما جنوب أفريقيا فقد ابتعثت بعض خبرائها لتساعد دول أفريقية فى إطار برنامج إقليمى مترابط، وبدت بالمفهوم التقليدى كما لو كانت شيخ القبيلة. ويتبقى للمتفائلين أن يعتقدوا أن مصر قد استفادت فكريا من الاتفاقية، حيث بدأ بعض أصحاب الرؤى والهمم يستوعبون أهمية تكامل مجريات استعمال الأراضى والمياه بالمنظور القومى، وأصول الإدارة الرشيدة لموارد طبيعية غنية تمتد باتساع جغرافيا الوطن، ويرفضون أن يعيش المصريون على نحو عشرة ملايين فدان تاركين 230 مليون فدان يتبدى فيها العدم على الرغم مما فيها من مقومات الحياة تعدينيا وسياحيا وتعميريا وزراعيا. وفى هذا السياق ينادى الدكتور رشدى سعيد باعتبار الوادى والدلتا محمية طبيعية كبرى وتوطين فائض السكان فى الصحارى بعد تأهيلها. وينادى الدكتور فاروق الباز بإقامة ممر طولى للتنمية نواة لإقامة واد جديد فى الصحراء الغربية يتوازى ويتكامل مع وادى النيل. وينادى كاتب هذا المقال بإعادة تقسيم مصر إداريا، لتتكون من ست أو سبع محافظات كبرى، لكل منها ظهير صحراوى يتقبل التنمية فى إطار مشروع قومى كبير، يستحث فكر وجهاد المصريين للتوافق مع معطيات القرن الحادى والعشرين.