أكد الدكتور محمد أبو سيد الحاصل على جائزة الأوسكار في إدارة الأعمال أن الأزمة هي لحظة حرجة لا تنفع معها الحركة الروتينية المعتادة؛ بل تتطلب سرعة الحركة واتخاذ القرار السريع، عبر بث المعلومة، التي في غيابها تكثر التكهنات، و جرى العرف في مصر على أن غياب المعلومة يوحي بأن هناك شيئا ما يتم إخفاؤه أو الخشية من الإعلان عنه، وهذه بداية تصاعد الأزمة وخروجها عن السيطرة. وأضاف أن الإعلام في مصر وكذا في غالبية الدول يعيش على الأحداث المثيرة وغير المألوفة، وكذلك على الأزمات باعتبارها تحوي قصصًا إنسانية تشد القارئ أو تثير فضوله؛ فافتتاح مستشفى أو بناء عشرة آلاف مسكن أو رصف طريق، لا تحتل العنوان الرئيس من الصحف أو نشرت الاخبار، عكس تسرب النفط من عَبّارة أو غرقها أو انخفاض أرضي أودى بحياة مئات الأسر، أو أزمة اقتصادية أو انهيار للبورصات. موقع "أخبار مصر" أجرى حواراً مع الدكتور محمد أبو سيد الحاصل على جائزة الأوسكار في إدارة الأعمال والمقيم في الإمارات العربية الشقيقة حول كيف نواجه في مصر أزماتنا الداخلية.. نص الحوار.. *** في البداية ما هو تعريف الأزمة؟ هي نقطة تحول مصيرية في مجرى حدث ما، كما عرّفت بأنها النقطة الحرجة، واللحظة الحاسمة التي يتحدَّد عندها مصير تطور ما، إما إلى الأفضل، أو إلى الأسوأ. *** كيف نتعامل مع أزماتنا الداخلية؟ من المفروض أن نتعامل مع الأزمة للوصول إلى افضل النتائج الممكنة، بما يحقق مصالح القائمين على الإدارة، ومن هنا فإن إدارة الأزمة تعني التعامل مع عناصر الأزمة باستخدام مزيج من أدوات المساومة الضاغطة والتوفيقية بما يحقق أهداف الدولة ويحافظ على مصالحها الوطنية، وهي أيضًا عبارة عن محاولة لتطبيق مجموعة من الإجراءات والقواعد والأسس المبتكرة، تتجاوز الأشكال التنظيمية المألوفة وأساليب الإدارة الروتينية المتعارف عليها، وذلك بهدف السيطرة على الأزمة والتحكّم فيها وتوجيهها وفقًا لمصلحة الدولة ولكي يتسنى لنا معرفة كيف تتعامل الدولة مع أزماتها و لماذا تتفاقم ازماتنا في مصر ولا نجد لها حلولا ،فلابد من شرح مراحل نشوء الأزمة والطريقة المثلى للتعامل مع الأزمات. ان الازمة تمر بسلسلة مراحل تبدأ ب: 1- مرحلة الانذار المبكر . 2- مرحلة التكوين. 3- مرحلة النمو والصعود والانتشار. 4- مرحلة القمة . 5- مرحلة ثبات الازمة. 6- مرحلة ايجاد الحلول الأزمات توجد في جميع دول العالم بدرجات متفاوتة وفي مجالات مختلفة ومما سبق يتضح ان ادارة الازمات الناجحة يجب ان تبدأ بوقت مبكر جداً وان تضع هدف الوقاية خير من العلاج في اولويات مهامها، والاستفادة من الدروس السابقة والعبر المستنبطة من هذه الازمة وتداعياتها. والمشكلة الرئسية في مصر تنحصر في الانتظار حتى تتفاقم الأزمة وتصل إلى مرحلة الثبات وعندها فقط يتحرك المسؤلون ويبدأو في دراسة الأزمة. وتأتي المشكلة الثانية في إختيار المسئول الذي يكون مجموعة ليس عندهم من الخبرة والحنكة في التعامل مع الأزمات. وأضف إلى ذلك عدم اعتمادنا على قاعدة بيانات حديثة وصحيحة. *** وماذا عن تجارب العالم في فن إدارة الازمات ولماذا تنجح هذه الدول في الوقت الذي نعاني فيه اداريا؟ ان إدارة الأزمات هي كيفية التغلب على الأزمات بالأدوات العلمية والإدارية المختلفة من خلال التقدير المنظم والمنتظم للأزمة. توجد أسباب عدة لنجاح هذه الدول في إدارة أزمتها ومن أهم هذه الأسباب وجود فريق محترف لإدارة الأزمة وكيفية تعامل هذه المجموعة مع الأزمة وادارتها بطريقة مؤثرة وإيجابية يتواجد في أغلب دول العالم المتقدمة مجموعة متخصصة في حل الأزمات يتم تدريبهم بشكل علمي وعملي على التعامل مع الأزمات وكيفية التنبؤ بحدوثها والتعامل معها أينما كانت مرحلة الأزمة ووضع الخطط اللازمة ليس فقط للتغلب على الأزمة ولكن لضمان عمل الاحتياطات لعدم تكرارها. وتلك المجموعات المتخصصة في حل الأزمات يتم انتقائها بعناية شديدة وتحتوي على أفراد من اعمار مختلفة وتخصصات مختلفة. إتفق خبراء إدارة الأزمات على أفضل الطرق للتعامل مع الأزمة بناءً على مرحلة الأزمة ومن هذه الطرق التي تطبقها الدول المتقدمة: * ضرورة توقع المواقف المحتملة للأزمة، والاستعداد لمواجهتها. * ضرورة توافر المعلومات الدقيقة خلال حدوث الأزمة * ضرورة الاستجابة للأزمة بشكل سريع. * ضرورة استجابة الإدارة العليا للأزمة. * والحاجة إلى الحلول طويلة المدى لضمان عدم تكرار الأزمة الحرجة ما أمكن ذلك وهل هناك دول بعينها تتميز في هذا المجال؟ وتتصدر دول شرق اسيا وخاصةً النمور الاسيوية مثل سنغافورة، الصين، تايلاند، وكوريا الجنوبية ثم تأتي الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول غرب أوروبا قائمة الدول التي تمتلك إسطولاً من الثروة البشرية التي تم تدريبها على إدارة الأزمات من خلال برنامج علمي شمل عقد البرامج التدريبية وورش العمل في مجال إدارة الأزمات وتدريب المشاركين حول كيفية البحث عن إشارات الإنذار، وتعقبها وتحليلها، واتخاذ الإجراءات الوقائية لمنع حدوث الأزمات. وتتميز هذه الدول بوجود نظام إدارة أزمة في كل مؤسساتها وكذا مدير لأدارة الأزمة حين حدوثها ومعه فريق مدرب ويسمح لهذا المدير باستدعاء من يراه مناسباً من الادارات المختلفة المتخصصة في موضوع الأزمة للمساعدة في حل الأزمة. ويتم التأكيد على ضرورة وجود نظام فعال للإنذار المبكر في المنظمات من أجل الوقاية من الأزمات، ورفع حالات الطوارئ والاستعداد للتعامل مع الأزمات التي لا يمكن تجنبها في حال وقوعها. *** برأيك ما سبب كثرة أزماتنا؟ لاشك أن مصر تعاني من العديد من المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي ينبغي للشعب والحكومة ورئيس الجمهورية أن يتعاونوا ويتكاتفوا لحل هذه المشاكل والخروج من هذه الأزمات. وكما ذكرت من قبل فأن بلاد العالم كاملةً لاتخلو من أزمات بأشكال وأحجام مختلفة ولكن ماينقصنا هو كيفية التعامل مع الأزمة باحترافية. ويرجع السبب الرئيسي لهذا الفشل إلى عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب مما يؤدي إلى وجود فريق ينقصه الخبرة أو حسن الادارة أو كليهما. وفي الفترة الأخيرة زادت هذه الظاهرة بوضوح نتيجة الاعتماد على أهل الثقة فقط وليس عل أهل الخبرة . ولهذا فقد كان من الاستراتيجيات الهامة في أي دولة ناجحة وتعد من أهم أسباب نجاحها هي استراتيجية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، فقد بينت التجارب الكثيرة في مؤسسات الدولة المختلفة في مصر الحبيبة أن العديد من الانتكاسات والمشاكل في العمل كان سببها سوء إدارة العمل وضعف القرار المتخذ و عدم الخبرة في التعامل مع الآخرين مهما كانت صفاتهم وهذا الأمر لا يعود الى وجود مشكلة أو خلل في الوظيفة أو العمل فحسب ، بل لأن هناك خلل في عدم قدرة من يديرها ويتحمل مسؤوليتها . وعدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب يؤدي إلى فقدان أصحاب الموهبة والكفاءة والتبذير في الوقت والمال و إهدار في الإمكانيات والخبرات و سوء استغلال الطاقات و فقدان القدرة التنافسية للمنظمة و انخفاض الإنتاجية. أما حالات الإعتماد على أصحاب الثقة تارة و المحاباة والعلاقات الشخصية تارة أخرى هما بلا أدنى شك التي تتسبب في اختيار بعض الأشخاص ليشغلوا مسؤوليات أكبر من قدراتهم ،فقد سادت الكثير من مواقع العمل وخصوصاً الحكومية ليس فقط في مصر ولكن في العديد من دول العالم الثالث، هي حالة تحطيم بطيء وتبديد لثروات وضياع لكفاءات كثيرة يمكن أن تكون سببا ً في التقدم والتطور خلال مدة أقصر بكثير من سنوات تضييع الإمكانيات بواسطة الأشخاص غير المناسبين في الأمكنة غير المناسبة . *** كيف نعد جيلا جديدا قادرا على الإدارة؟ الاعتماد على الشباب هو السبيل للخروج من الأزمات في المستقبل، لابد من الاستفادة مما حققته دول كثيرة كانت خلفنا بمراحل ولكنها تقدمت علينا بمسافات بعيدة. فنحن في مصر – نعيش منذ اكثر من نصف قرن تحت شعار «الخبرة» و«اهل الثقة» ونتمسك بشدة بأصحابها ونهلل لهم، ونبقيهم على مقاعدهم لفترات تتجاوز مددها اعمار اجيال جديدة، خرجت ونضجت وتبحث وتفتش عن دور او مكان لها دون جدوى. بينما في العديد من الدول فطن المسؤلون فيها إلى ضرورة وضع خطط تدريب وتطوير طويلة الأمد لبناء المهارات الادارية عند الشباب ثم صقلها عن طريق وضعهم في برامج تدريبية مدروسة ومعدة من قبل متخصصين ليخرج لنا جيلاً من الشباب المحترف في إدارة مؤسسات الدولة وإدارة الأزمات ووضع استراتيجيات لحل المشكلات وعلاج الأزمات. وكم سعدت عندما بدأت مصر في التخلص من الأفكار القديمة والعقيمة وبدأت تستثمر في شبابها بوضعهم في برامج تدريبية وورش عمل متخصصة في إدارة الأعمال وشؤون الرياسة لكي يتقلدوا مناصب في مصرنا الغالية. واختتم بان الدول تنهض بثرواتها وأهم الثروات هي الثروة البشرية فحافظوا على الثروة التي حبانا الله اياها. ** هل الإعلام يساعد في حل الأزمة؟ هل الإعلام يسبب أزمة؟ هل الإعلام استطاع أن يعرف الجمهور على كيفية مواجهة الازمات؟ ليس هناك أدنى شك في أن الاعلام بمختلف مصادره يلعب دوراً أساسياً ليس فقط في خلق الأزمات بل في حلها وسرعة القضاء عليها. فكم من مشكلة تحولت إلى أزمة بسبب الاعلام وعلى النقيض ساهم الاعلام في وئد أزمات قبل نموها وانتشارها. دعنا نتفق على أن الأزمة هي لحظة حرجة لا تنفع معها الحركة الروتينية المعتادة؛ بل تتطلب سرعة الحركة واتخاذ القرار السريع، عبر بث المعلومة، التي في غيابها تكثر التكهنات، و جرى العرف في مصر على أن غياب المعلومة يوحي بأن هناك شيئا ما يتم إخفاؤه أو الخشية من الإعلان عنه، وهذه بداية تصاعد الأزمة وخروجها عن السيطرة. ولأن الإعلام في مصر وكذا في غالبية الدول يعيش على الأحداث المثيرة وغير المألوفة، وكذلك على الأزمات باعتبارها تحوي قصصًا إنسانية تشد القارئ أو تثير فضوله؛ فافتتاح مستشفى أو بناء عشرة آلاف مسكن أو رصف طريق، لا تحتل العنوان الرئيس من الصحف أو نشرت الاخبار، عكس تسرب النفط من عَبّارة أو غرقها أو انخفاض أرضي أودى بحياة مئات الأسر، أو أزمة اقتصادية أو انهيار للبورصات.
فأصبحت الأزمات هي الزاد الذي يعيش عليه، باعتبارها تصنع جماهيرية المقدم الذي يريد أن يصفق له الجمهور، وكذلك القناة التليفزيونية أو الصحيفة، على اعتبار أنه كلما زادت الإثارة زادت نسبة المشاهدة، ألم تقم وسائل الإعلام ببث حالة من الفزع، من مرض انفلونزا الطيور وانفلونزا الخنازير، وأغلقت المدارس أبوابها في بعض الدول خوفا على أبنائها من هذا المجهول، الذي قيل عنه إن له دورة ثانية وثالثة يتحور فيها، للدرجة التي تم خلالها حصر مبدئي لما قد يقع من ضحايا في كل مرحلة بشكل مفزع، ليتضح لنا بعد ذلك أن تلك الأمراض رغم وجودها، إلا أن تقديمها بهذا الشكل كان ظاهرة إعلامية في المقام الأول، ثم اختفى الحديث عنها وكأن شيئا لم يكن، بعد أن حققت شركات العقاقير العالمية أهدافها وسوقت ما لديها من مخزون وحديثاً تم تناول موضوع جزيرتي تيران وصنافير بطريقة خاطئة إعلامياً من قبل بعض وسائل الاعلام مما أدى إلى حدوث أزمة في الشارع المصري. و قد أعجبني كثيراً أحد الكتاب والمحللين حينما قال إن كثيرا من الحروب يبدأ على شاشات التليفزيون قبل أن يبدأ على أرض الواقع، كما أن العلاقات بين الدول تديرها شاشات التليفزيون أحيانا قبل السفارات والهيئات الدبلوماسية، بل إن الدبلوماسية في أوقات كثيرة تستنزف كثيرا من طاقاتها في رتق الخرق وجبر الكسر، وإطفاء الحرائق التي يشعلها بعض الإعلاميين عبر الفضائيات العربية، وهم يقاتلون في قضايا وهمية أو يسعون لمصالح ضيقة أو بطولة زائفة، بصرف النظر عن علاقات الشعوب ومصلحة الأمة. وهنا أقول إن إدارة الأزمة تتطلب من المسؤول أن يكون على صلة بوسائل الإعلام، وأن يكون هو المصدر الرئيس للمعلومة؛ لتنقطع بالتالي – المصادر التي تجتهد في ما لا تعلم، وأن يملك شجاعة الاعتذار عن الخطأ إن حدث، بما يضفي له المصداقية، وبما يجعل الأزمة – أحيانا – فرصة للتصحيح إذا تم تجاوزها بشكل سليم؛ على اعتبار أن السم الذي لا يقتلني يحييني، خاصة وأن الأزمة قد تؤرق أو تعيق عمل المؤسسة المعنية بها لفترة، لكنها لا تقضي عليها، شرط أن تملك مهارة مخاطبة الجماهير ووسائل الإعلام. لذا، فمن الأهمية بمكان أن يكون هناك فريق لإدارة الأزمات يحدد متحدثا رسميا، يجسر العلاقة بين المؤسسة التي ينتمي إليها وبين مختلف وسائل الإعلام، ويمدها دائما بالحقيقة الأولى التي يصعب محوها في غالب الأحيان… إن الإعلام في مصر لا يجب أن يكون صانعا للأزمات أو مصدرا لها، كما أن الأدوار المنوطة بوسائل الإعلام في أوطاننا لا بد أن تتوافق وطبيعة الظروف المحيطة بنا، فضلا عن السعي للبناء لا الهدم، وطرح القضايا الحقيقية، دون افتعال قضايا وهمية واللعب بمشاعر المشاهدين وعقولهم، وتغليب الصالح العام على المصالح الضيقة.. هنا يستطيع الإعلام بحق أن يدير الأزمات، لا أن يصدرها ويقتات عليها.