يحيي اللبنانيون اليوم ذكرى اندلاع الحرب اللبنانية في 13 نيسان (أبريل) 1975، بنشاطات متنوعة تنظمها 12 جمعية أهلية، وتشهد عليها الحافلة التي أطلقت النار عليها في عين الرمانة في ذاك التاريخ، مطلقة شرارة الحرب. وتلك الحافلة المعروفة في لبنان ب «بوسطة عين الرمانة»، بعثت مجدداً على صدئها وقدمها وأحضرت الى ميدان سباق الخيل في بيروت، لتذّكر اللبنانيين برمزيتها الى الحرب الأهلية، خصوصاً في هذه الأيام التي يعيش فيها لبنان إحدى أكبر أزماته السياسية المستمرة منذ أكثر من 4 أشهر، تخللتها أعمال شغب وصدامات خلفت قتلى وجرحى في غير منطقة. واختيار ميدان سباق الخيل، جاء عن سابق تصور وتصميم لما له من رمزية أيضاً. ويوضح المسؤول في جمعية «أحب الحياة» ابراهيم عيد الذي كان يشرف أمس على التحضيرات في الميدان، ل «الحياة» أن «لاختياره مكاناً لنشاطات الذكرى هدفين: الأول أنه كان معبراً آمناً بين شطري بيروت الغربي والشرقي أيام الحرب، والثاني أنه كان شاهداً على أول طاولات الحوار عندما حصلت أحداث أيام رئيس الحكومة الراحل صائب سلام». وعلى رغم اعتياد الجمعيات إحياء ذكرى الحرب كل على حدة، إلا أنها هذه السنة قررت الاشتراك معاً وتوحيد جهودها لاعطاء الذكرى زخماً أكبر في تذكير اللبنانيين بالحرب واطلاع الشباب عليها، رفضاً لها من خلال معارض صور وصحف تعود الى تلك الأيام إضافة الى حوار محاربين بعضهم مع بعض عن أفعالهم، إضافة طبعاً الى احضار «بوسطة عين الرمانة» ليتعرف إليها معظم اللبنانيين عن قرب بعد 32 سنة من دخولها التاريخ، والتقاط صور لهم أمامها إذا شاؤوا، وتدوين خواطرهم على لافتات بيض ستفرش حولها. ولا يخفي عيد أن تضافر جهود الجمعيات وتوافقها على هذا البرنامج «سببه الجو السياسي الذي تعيشه البلاد، لئلا تتكرر تلك التجربة المأسوية فيها». في وسط ميدان سباق الخيل، أركنت البوسطة استعداداً لاستقبال الزوار الذين يتوقع عيد أن يكونوا كثراً بدءاً من العاشرة صباح اليوم، والى جانبها وقف مالكها سامي رمضان. لم يبق من تلك البوسطة إلا هيكلها الصدء المائل الى الحمرة، وفرش مقعدها الأخير الذي ظل صامداً وحيداً بلونه الداكن القديم العائد ربما الى تاريخ صنعها عام 1958. وهذا المقعد قد يكون الوحيد الشاهد على وقوع أول 26 ضحية في مسلسل الحرب الذي انتهى عام 1989. أما آثار الرصاص الذي اخترقها فمحاها ترميم خضعت له الحافلة بعد الحادثة وعادت الى العمل ثم رممت بعد اصاباتها بقذيفة ربما يكون بعض شظاياها مستقراً داخل هيكلها، ثم استراحت منذ أكثر من 25 سنة في بيروت أولاً ثم في جنوب لبنان، حتى غدت على هذه الحال أي «خردة» في نظر كل الناس إلا مالكها رمضان الذي يروي فصولاً عن قصة حفاظه عليها، منذ اشتراها من صديقه صاحبها الأول المكنى بأبي رضا. ويقول ل «الحياة»: «خسرت كل شيء في حياتي ولم يبق لي سوى هذه الأمانة التي كلما جاء أحد يشتريها أطلب مليون دولار ثمناً لها»، معتبراً «أنها يجب أن تكون في المتحف لأنها أكبر درس لكل اللبنانيين، لئلا تتكرر التجربة وتكون هناك حافلات مشابهة».