بعد ثلاثة وثلاثين عاما علي تاريخ اندلاع الحرب الاهلية (1975-1990)، لم يبق أثر كبير لخطوط التماس التي كانت تقسم بيروت بين "شرقية" ذات غالبية مسيحية، و"غربية" ذات غالبية مسلمة، الا ان الانقسامات السياسية الحالية تهدد بنشوء خطوط تماس جديدة في اماكن اخري. وفيما يحيي اللبنانيون ذكري اندلاع الحرب بحملات متعددة تؤكد رفضهم خوض تلك التجربة المريرة مجددا، الا ان هناك تخوفا من بروز خطوط تماس جديدة تضع مسيحيين في مواجهة مسيحيين آخرين ودروز في مواجهة دروز آخرين، واخري بين السنة والشيعة. ويقول خليل صوان (65 عاما، سني) الذي يملك مقهي في احد احياء بيروت "اصبحت هناك دماء بين السنة والشيعة". ووقعت مواجهات عدة خلال الاشهر الماضية بين سنة مؤيدين للاكثرية الوزارية والنيابية وشيعة من انصار حزب الله وحركة امل (معارضة)، كان ابرزها ما عرف بحوادث الجامعة العربية في يناير 2007، وتسببت بمقتل سبعة اشخاص. علي الارض، تغيرت الصورة الي حد بعيد. علي طول ما كان يعرف "بالخط الاخضر" القديم، اختفت منذ زمن طويل المتاريس والمظاهر المسلحة واكياس الرمل. وباستثناء مبني او اثنين لا تزال بادية عليهما آثار الرصاص والفجوات التي احدثتها القذائف المدفعية والصاروخية، لم يعد هناك ما يفصل بين شطري العاصمة. وكذلك تغير اللاعبون. في 1975، اندلعت الحرب بين المنظمات الفلسطينية التي كانت مدججة بالسلاح مدعومة من "الحركة الوطنية" التي كانت تضم اطرافا يسارية بشكل اساسي ومن المسلمين، وبين المسيحيين من جهة ثانية. اليوم، ينقسم المسيحيون بين مؤيدين للاكثرية المدعومة من الغرب ومن دول عربية بارزة كمصر والسعودية ومؤيدين للمعارضة المدعومة من سوريا وايران. ويقول روجيه الشايب (51 عاما)، العضو السابق في حزب الكتائب، رأس الحربة في النزاع مع الفلسطينيين، "في الماضي، كنا نعرف من هو العدو (...). اليوم يمكن ان يكون الوالد والابن عدوين او العم وابن شقيقه عدوين اذا كانا ينتميان الي حزبين مختلفين". واضاف "اليوم يمكن ان ينشأ خط تماس بين رجل وزوجته في غرفة النوم". وترجم هذا الانقسام المسيحي علي الارض في 23 يناير 2007 عندما حصلت مواجهات عدة في المناطق المسيحية الممتدة من نهر الموت (مدخل بيروت الشمالي) الي البترون (50 كيلومترا شمال بيروت) بين مناصرين للتيار الوطني الحر بزعامة النائب ميشال عون (معارضة) وانصار القوات اللبنانية (اكثرية). وكانت المعارضة حاولت اقفال عدد من الطرق باطارات محروقة وعوائق للمطالبة باسقاط الحكومة، وتدخل مؤيدو القوات لفتح الطرق. وتسببت المواجهات بسقوط قتلي وجرحي قبل ان تتدخل القوي الامنية. ويسود التوتر كذلك المناطق الدرزية في جبل لبنان بين انصار الحزب الاشتراكي بزعامة النائب وليد جنبلاط من جهة ومؤيدين للنائب السابق طلال ارسلان والوزير السابق وئام وهاب (معارضة) من جهة ثانية. وتسببت الحرب الاهلية التي انطلقت في 13 ابريل من عين الرمانة، ضاحية بيروت الجنوبية، والتي تأثرت بتدخلات خارجية عدة بعد العامل الفلسطيني ابرزها العاملان السوري والاسرائيلي، بمقتل اكثر من مئة الف شخص. وبدا يومها وكأن الحرب تتحضر منذ وقت طويل. فما هي الا ساعات علي اطلاق النار علي حافلة تقل فلسطينيين، حتي انتشرت المتاريس والمسلحون في الطرق. ويروي طارق (شيعي 51 عاما) انه لم يكن يملك "اي فكرة عن الطوائف الي ان احتجزني رفاق لي من طائفة اخري". واضاف "تحولت الامور سريعا الي مواجهة بين المسلمين والمسيحيين وانتقلت من عين الرمانة (حيث غالبية السكان مسيحيون) لكي اقيم في الشياح (علي بعد كيلومترات حيث الغالبية شيعية)، وهي خطوة اعتقدت انها ستكون مؤقتة"..وفيما يؤكد العديد من اللبنانيين الذين شهدوا الحرب الاهلية انها كانت عبثية ويرفضون اي حرب جديدة، الا انهم يخشون ان يكون بعض الشباب المتحمسين والمتأثرين بالخطاب السياسي التصعيدي، مستعدين لحمل السلاح. ويقول باسيل (54 عاما) المقيم في رأس النبع، احدي مناطق التماس القديمة، "الحرب لقنتنا دروسا. لكن الجيل الشاب لا يبدو انه تعلم كثيرا لانه لم يعايش تلك الحرب".