"زراعة النواب" تطالب بوقف إهدار المال العام وحسم ملف العمالة بوزارة الزراعة    جامعة بني سويف من أفضل 400 جامعة عالميا.. والرابعة محليا    أستاذ تمويل يوضح كيف تنعكس أموال "رأس الحكمة" على حياة المواطن    حماس تدعو الدول العربية لاتخاذ إجراءات تجبر الاحتلال على إنهاء الحرب    نهائي دوري أبطال أفريقيا.. الشحات: مواجهة الترجي صعبة وجاهزون للتتويج باللقب    إنطلاق المشروع القومي لتطوير مدربي المنتخبات المصرية لكرة القدم NCE    "الأرصاد" تعلن موعد انتهاء الموجة الحارة.. وتوجه نصائح للمواطنين    بالفيديو.. كواليس كوميدية للفنانة ياسمين عبد العزيز في حملتها الإعلانية الجديدة    بالفيديو.. نصيحة هامة من الشيخ خالد الجندي إلى الأباء والأمهات    بالفيديو.. خالد الجندي: أركان الإسلام ليست خمس    باسم سمرة يعلن انتهاء تصوير فيلم اللعب مع العيال    شي جين بينغ بمناسبة قمة البحرين: العلاقات الصينية العربية تمر بأفضل فترة في التاريخ    الهلال السعودي يراقب نجم برشلونة    وزارة الصحة: إرشادات مهمة للحماية من العدوى خلال مناسك الحج    فيفا يدرس مقترح إقامة مباريات الدورى المحلى خارج البلاد في مرحلة القادمة ... نجوم الدورى السعودى يتصدرون قائمة فوربس للرياضيين الأعلى دخلا فى العالم سنة 2024    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    مد فترة استلام الطلبات لوظائف القطار الكهربائي الخفيف حتى 23- 5- 2024    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    حريق في طائرة أمريكية يجبر المسافرين على الإخلاء (فيديو)    فانتازي يلا كورة.. الثلاثي الذهبي قبل الجولة الأخيرة في بريميرليج    قرار حكومى باعتبار مشروع نزع ملكية عقارين بشارع السبتية من أعمال المنفعة العامة    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    "الصحة" تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد .. صور    كيف تؤثر موجات الطقس الحارة على الصحة النفسية والبدنية للفرد؟    "هُتك عرضه".. آخر تطورات واقعة تهديد طفل بمقطع فيديو في الشرقية    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    تفاصيل اجتماع وزيرا الرياضة و التخطيط لتقييم العروض المتُقدمة لإدارة مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية    التموين: وصول 4 طائرات تحمل خمسة آلاف خيمة إلى أهالي قطاع غزة    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    نجم الأهلي مهدد بالاستبعاد من منتخب مصر (تعرف على السبب)    طريقة عمل طاجن العكاوي بالبطاطس    فنانات إسبانيات يشاركن في الدورة الثانية من ملتقى «تمكين المرأة بالفن» في القاهرة    الخارجية الكورية الجنوبية تعرب عن تمنياتها بالشفاء العاجل لرئيس الوزراء السلوفاكي    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    تأكيدا ل"مصراوي".. تفاصيل تصاعد أزمة شيرين عبد الوهاب وروتانا    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    توقيع بروتوكول تجديد التعاون بين جامعة بنها وجامعة ووهان الصينية    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    صحفي ب«اتحاد الإذاعات العربية»: رفح الفلسطينية خط أحمر    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    محكمة العدل الدولية تستمع لطلب جنوب إفريقيا بوقف هجوم إسرائيل على رفح    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد السماك: التحولات اليهودية من القضية الفلسطينية
نشر في أخبار مصر يوم 28 - 09 - 2012

تبدو إسرائيل في الطريق إلى التحول من مجتمع صهيوني- علماني، إلى مجتمع يهودي- ديني. وتبرز أهمية - وخطورة- هذا التحول من خلال تلازمهما مع تحول آخر لا يقل أهمية وخطورة أيضاً. وهو التحول من مجتمع الهاربين من الاضطهاد الديني والعنصري والباحثين عن ملجأ آمن، إلى مجتمع الخائفين على هذا الملجأ من الضياع والحريصين على الاحتفاظ به وصيانته وتقويته حتى يبقى الملاذ الآمن للأجيال المقبلة.
وإذا كان الآباء الصهاينة المؤسسون الهاربون من الاضطهاد مارسوا على مدى الخمسين سنة الماضية سياسة عنصرية في اقتلاع الفلسطينيين وتهجيرهم ومصادرة أراضيهم، فإن الأبناء الوارثين لهذا الملجأ والمعنيين باستمراره وتوسيعه والمحافظة عليه ودعمه يمارسون السياسة العنصرية ذاتها. ذلك أن المجتمع- الدولة الذي قام أساساً على واقع الهروب من الاضطهاد العنصري- الديني الذي عاناه يهود أوروبا على مدى حقب زمنية طويلة، يستمد ديمومته وقوته من عاملين أساسيين؛ العامل الأول هو القدرة على التشهير بأولئك الذين مارسوا الاضطهاد بحق اليهود، والعامل الثاني هو القدرة على ممارسة الاضطهاد العنصري- الديني بحق من ينازعونه السيادة على أرض الملجأ، وهم الفلسطينيون.
يشكل إسحاق شامير رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق الذي توفي في يونيو الماضي عن 96 عاماً، نموذجاً للفريق الأول، فريق المؤسسين. فشامير، ويعني اسمه "الشوكة"، ولد في بولندا، حيث كان اليهود يتعرضون هناك إلى أشد أنواع الاضطهاد الديني والعنصري. فقد شاهد والده يقتل رمياً بالحجارة في أحد شوارع وارسو دون أن يتمكن من القيام بأي عمل لإنقاذه أو حتى مساعدته. وكان يذهب إلى المدرسة، وهو يحمل سكيناً في جيبه لأنه كان يعلم أنه يمكن في أي وقت أن يتعرض للاعتداء لمجرد أنه يهودي.
ولأن دراسة الدين اليهودي كانت أمراً محظوراً، فقد كان يتوجه إلى الغابات بعيداً عن الأنظار ليستمع إلى دروس سرية في الدين اليهودي وفي تاريخ اليهود من بعض العلماء والحاخامات الذين ما كانوا يتجرؤون على الظهور بأزيائهم الدينية المميزة. وبهذه الخلفية هاجر يارنيسكي -وهذا اسمه الحقيقي- إلى فلسطين في عام 1935 وكان يبلغ في ذلك الوقت العشرين من العمر. هاجر -شامير- وحيداً، لأن بقية عائلته ذهبت ضحية التصفية العنصرية التي مارسها النازيون في ألمانيا وفي بولندا أيضاً بعد احتلالها.
وقد لعب عاملان أساسيان دورهما في تحفيز شامير على الهجرة إلى فلسطين. العامل الأول هو الاضطهاد الديني- العنصري الذي تعرض له هو وعائلته -وبقية أترابه من اليهود- في بولندا وطنه الأساس ومسقط رأسه. والعامل الثاني هو الدروس السرية التي كان يستمع إليها في الغابة في ضواحي وارسو حول التاريخ اليهودي وأرض الميعاد ووعد الله. ولذلك ما إن وطئت قدماه أرض فلسطين حتى بدأ العمل انطلاقاً من هذين الأمرين.
ففي الأربعينيات من القرن الماضي -وكانت فلسطين خاضعة للانتداب البريطاني- أسس حركة إرهابية تدعى "لاهي" عرفت فيما بعد باسم "عصابة شترن".
وكانت مهمة هذه العصابة ترويع أهل البلد الأصليين من الفلسطينيين بما بدا انتقاماً من البولنديين الذين اضطهدوه، ومن الألمان النازيين الذين أبادوا عائلته. فالسكين الصغيرة التي كان يحملها في جيبه للدفاع عن نفسه عندما كان يتوجه إلى المدرسة في وارسو، تحولت إلى "عصابة شترن" يشهر سلاحها في وجه كل فلسطيني. فقد بدا له أن كل فلسطيني هو بولندي أو ألماني، ويعتبر خصماً دينياً وعنصرياً وعقبة في وجه الأمان الديني والعنصري الذي ينشده لنفسه ولبقية اليهود. كان هدفه إخراج الفلسطينيين من "أرض الميعاد" وفق الدروس التي تلقاها سراً في إحدى الغابات في ضواحي وارسو. وهو هدف يتكامل مع تهجير اليهود إلى فلسطين باعتبارهم بالنسبة له أصحاب الأرض التي اقتطعها الله لليهود.
وبالفعل استطاع بهذه الخلفية الإيمانية أن يعد الخطط لتهجير 350 ألف يهودي إلى إسرائيل بين عامي 1990 و1991 ،كما أشرف على عملية تهجير يهود الفلاشا من أثيوبيا في عام 1991 أيضاً، والبالغ عددهم 14 ألفاً في غضون 36 ساعة فقط!
كان يرى أن كل يهودي خارج إسرائيل هو -يارنيسكي- آخر. وأن كل عائلة يهودية هي مثل عائلته معرضة ليس فقد للاضطهاد، وإنما للإبادة أيضاً. ولذلك لم يؤمن شامير أبداً بالتسوية السياسية أو بالحل السلمي مع الفلسطينيين، حتى بعد أن أصبح عضوا في الكنيست الإسرائيلي -البرلمان- بعد عام 1973، ورئيساً له في عام 1977، ثم وزيراً لخارجية إسرائيل في عام 1980. وبهذه الخلفية رفض شامير اتفاق 1987 مع الأردن، وهو الاتفاق الذي اعترفت بموجبه إسرائيل للأردن بحق إشراف جزئي على الأماكن الدينية في القدس. وأدى هذا الرفض إلى انفجار الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
ولم يذهب إلى مؤتمر مدريد في عام 1991 إلا مضطراً وعازماً على إفشاله أو تعطيل تنفيذ أي قرار يشكل خطراً على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية. وكان معارضاً شرساً حتى لمناحيم بيجن الذي تولى رئاسة الحكومة من بعده، وذلك عندما وافق بيغن بموجب اتفاقية كمب ديفيد ليس فقط على الانسحاب من سيناء، وإنما على مبدأ إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين حول تقرير مصير الضفة الغربية؛ فقد وجد شامير في ذلك كفراً بواحاً!! لقد كان شامير يردد دائماً أن القدس ونابلس ليستا مجرد موقعين على الخريطة، بل إنهما تقعان في القلب من إسرائيل.
وإذا كانت سيرة إسحاق شامير تمثل نموذجاً لخلفية جيل مؤسسي إسرائيل على خلفية الانتقام من مضطهديهم، فإن اغتيال إسحاق رابين بعد اجتماعه مع ياسر عرفات في البيت الأبيض وموافقته على تسوية سياسية شاملة تشمل سوريا أيضاً، تشكل نموذجاً لخلفية جيل ورثة إسرائيل.
فالقاتل الذي لا يزال يقضي حتى اليوم عقوبة بالسجن مدى الحياة، أصبح من الرموز الدينية- اليهودية في إسرائيل، على رغم أنه كان في الثلاثينيات من عمره، عندما ارتكب جريمة قتل رئيس حكومته في إحدى ساحات تل أبيب. فالجريمة ارتكبت على خلفية الخوف على الملاذ الآمن لليهود من أن يتعرض للخطر بسبب التسوية السياسية ومن خلالها.
ومنذ ذلك الوقت بدا أن عملية تحصين هذا الملاذ لا تكون إلا بتهويده أرضاً وشعباً ونظاماً. فاليهود الأرثوذكس -المتشددون- الذين ما كان لهم وجود يذكر في السبعينيات من القرن الماضي، والذين ما كانوا يشكلون قوة سياسية يحسب لها في الثمانينيات والتسعينيات، أصبحوا اليوم القوة الأشد فعالية والأكثر تأثيراً في أي حكومة إسرائيلية. ومعظم هؤلاء هم من المستوطنين الذين يصادرون الأراضي الفلسطينية بحجة أنها "أرض هبة"، أي أرض وهبها الله لليهود، وأن إقامة الفلسطينيين عليها أمر احتلالي(!) غير مشروع لأنه يناقض الإرادة الإلهية.. وأن من واجب الحكومة الإسرائيلية أن تحترم هذه الإرادة وأن تعمل على تنفيذها بإخراج العرب منها بالقوة. وهذا ما تقوم به حكومة نتنياهو.
ولعل القبضة الحديدية لهؤلاء المستوطنين المتطرفين تتمثل في وزير الخارجية ليبرمان وهو يهودي مهاجر من مولدافيا في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، حيث ذاق اليهود هناك سوء العذاب على يد المجتمع الروسي منذ عهد القياصرة.. فالخوف على الملاذ الآمن -إسرائيل- يدفع هؤلاء إلى ممارسة السياسة ذاتها التي مارسها صانعو هذا الملاذ، أمثال بن غوريون وشامير.
إن أي مفاوضات سياسية لم تنجح مع جيل المؤسسين (ليست معاهدة الصلح مع مصر استثناء، ذلك أن هذه المعاهدة لم تشمل أي جزء من أرض الميعاد أي فلسطين من النهر إلى البحر، ولكنها اقتصرت على صحراء سيناء فقط، وهي خارج الخريطة الدينية اليهودية) وذلك لأن هاجس هؤلاء المؤسسين كان الحرص على تأمين الملاذ الآمن لليهود من الاضطهاد ومن التمييز العنصري والديني. ثم إن كل المؤشرات تؤكد أنها لن تنجح كذلك مع الورثة الذين يتولون السلطة حالياً لأن هاجس هؤلاء هو الحرص على المحافظة على هذا الملاذ الآمن لليهود.
وفي الحالتين دفع الفلسطينيون ويدفعون الثمن!
نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.