موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 5 يونيو 2025    المصرية للاتصالات WE تعلن الإطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس في مصر    إعلام فلسطيني: الاحتلال يقصف بكثافة خيام نازحين في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة    جماهير الأهلي تطالب بمحاسبة هاني شكري.. وتحرك قانوني عاجل    «وكمان تيشيرت أحمر».. مدرب الزمالك السابق يتحسر على انتقال زيزو إلى الأهلي    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    أكثر من مليون ونصف حاج.. بدء تصعيد الحجاج إلى مشعر عرفات    مصرع شخص وإصابة آخر في حادث سير ببني سويف    لقطات جديدة من حفل زفاف محمد شاهين والمنتجة رشا الظنحاني، ومفاجأة من العروس (فيديو)    تهنئة عيد الأضحى 2025.. أجمل عبارات التهنئة لأحبائك وأصدقائك (ارسلها الآن)    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    ما هى أوقات استجابة الدعاء في يوم عرفه 2025 وأفضل الأعمال المستحبة؟.. الإفتاء توضح    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    أوكرانيا تعتمد على زيادة إنتاج الأسلحة في الخارج    «الطقس× العيد».. حار إلى شديد الحرارة وتحذير من الشبورة والرياح واضطراب الملاحة (نصائح الأرصاد)    «الأرصاد» تكشف عن حالة الطقس اليوم الخميس.. والعظمى بالقاهرة 35    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    البيت الأبيض يرد على انتقادات ماسك لقانون الموازنة: العلاقات متناغمة وترامب ملتزم بدعم القانون    أمين مجمع البحوث الإسلامية الأسبق يكرم حفظة القرآن الكريم بمدينة طهطا    9 ذو الحجة.. ماذا يفعل الحجيج في يوم عرفة؟    سعر السمك والجمبري والكابوريا بالأسواق اليوم الخميس 5 يونيو 2025    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    أغانى الحج.. رحلة من الشوق والإيمان إلى البيت الحرام    أيمن بهجت قمر يحتفل بتخرج ابنه: أخيرا بهجت عملها (صور)    "عاد إلى داره".. الرجاء المغربي يعلن تعاقده مع بدر بانون    مطار العاصمة الإدارية يستقبل أولى الرحلات القادمة من سلوفاكيا على متنها 152 راكبا (صور)    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    محافظ الدقهلية يتابع عمليات نظافة الحدائق والميادين استعدادا للعيد    الوزير: "لدينا مصنع بيفتح كل ساعتين صحيح وعندنا قائمة بالأسماء"    وزيرة البيئة تنفي بيع المحميات الطبيعية: نتجه للاستثمار فيها    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    دعاء من القلب بصوت الدكتور علي جمعة على قناة الناس.. فيديو    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عزون شرق قلقيلية بالضفة الغربية    الأمم المتحدة تدعو إلى التوصل لمعاهدة عالمية جديدة لإنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية    «مدبولي» يوجه الحكومة بالجاهزية لتلافي أي أزمات خلال عيد الأضحى    نجل سميحة أيوب يكشف موعد ومكان عزاء والدته الراحلة    "عصام" يطلب تطليق زوجته: "فضحتني ومحبوسة في قضية مُخلة بالشرف"    التأمين الصحى بالقليوبية: رفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفيات استعدادًا لعيد الأضحى    مسابقة لتعيين 21 ألف معلم مساعد    دبلوماسية روسية: أمريكا أكبر مدين للأمم المتحدة بأكثر من 3 مليارات دولار    مفتي الجمهورية يهنئ رئيس الوزراء وشيخ الأزهر بحلول عيد الأضحى المبارك    «الأوقاف» تعلن موضوع خطبة عيد الأضحى    حفروا على مسافة 300 متر من طريق الكباش.. و«اللجنة»: سيقود لكشف أثري كبير    مصادر مطلعة: حماس توافق على مقترح «ويتكوف» مع 4 تعديلات    مصر تطلع المبعوث الصيني للشرق الأوسط على جهود وقف النار في غزة    نور الشربيني تتأهل لربع نهائي بطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش وهزيمة 6 مصريين    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    وفد الأقباط الإنجيليين يقدم التهنئة لمحافظ أسوان بمناسبة عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالهادي علام: السياسة قبل الإقتصاد.. والمصالح قبل العواطف
نشر في أخبار مصر يوم 04 - 03 - 2016

عبء بناء سياسة خارجية جديدة ومتوازنة تصب في مصلحة الشعب المصري كان واحدا من الأولويات القصوى للرئيس عبد الفتاح السيسي بعد وصوله إلى السلطة، ولو استعرضنا ما جرى في العامين الماضيين فسنجد أننا أمام سجل يحمل الكثير من الإنجازات السياسية والدبلوماسية التي لا يختلف عليها المراقبون ولا يمكن التقليل منها بسهولة.
الزيارات الآسيوية التي أخذت الرئيس إلى دولة تلو الأخرى في الشهور الأخيرة تحمل عبقا خاصا وقربا مميزاً بين مصر والدول الصديقة في شرق وجنوب آسيا. ويأتي حصاد رحلات الشرق على قدر تاريخ التقارب والعلاقات الجيدة مع الأصدقاء هناك.
بدأ الرئيس السيسي إصلاح العلاقات الخارجية واستعادة الزخم مع الشركاء الدوليين على عدة محاور، فقد وجه مؤسسة الدبلوماسية بإجراء اتصالات حثيثة للحفاظ على الشراكات التقليدية مع الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأوروبا، ومواجهة سيل الأكاذيب ضد التحول العميق في مصر بعد ثورة 30 يونيو، وواجه بنفسه أحاديث مغلوطة في الدوائر الغربية، كانت تنظر إلى ما جرى في مصر بعيون متحيزة سواء في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا وألمانيا.
كما وضع الرئيس أولوية واضحة لبناء علاقة جديدة مع روسيا التي وقفت موقفا تاريخيا مع إرادة المصريين، وساندت المواقف الرسمية للدولة المصرية في محافل دولية عديدة، وبالمثل طورت مصر علاقاتها مع إيطاليا والصين والهند في إطار من المشاركة الإيجابية الفاعلة.
وفي كل ما سبق من تحركات كان العنوان الأبرز للزيارات الخارجية والمحادثات الرفيعة المستوى هو "المصالح قبل العواطف" الذي تحول إلى سياسة مستقرة للتوجه الجديد بما يسمح اليوم برفع سقف التوقعات من الشراكة مع دول عديدة تدفع بمزيد من الاستثمارات إلى شرايين الإقتصاد المصري، وهو غاية ما ننشده في مرحلة تحمل زخما كبيرا نحو الإصلاح الشامل والتنمية المستدامة التي تأخرت كثيراً بفعل إخفاقات متراكمة على أصعدة عدة في السنوات التي سبقت ثورة يناير وبعدها حتى جاء الرئيس السيسي حاملا بشائر مواقف أكثر نضجاً وحكمة في تغليبه المصلحة الوطنية ورؤية أكثر شمولا للتحديث تعتريها عقبات، ولكنه لا يتوقف عندها ويمضي في طريقه واضعا نصب أعينه رهانات كبرى على المستقبل.
الجولة الثانية للرئيس في آسيا تدشن نقطة الارتكاز الثانية في سياسة مصر الخارجية بعد تحسين العلاقات مع إفريقيا، فبعد الصين وإندونيسيا وسنغافورة جاءت هذه الجولة في كازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية.
محطة كازاخستان
توقف الرئيس السيسي في بداية جولته في دولة كازاخستان، وهي واحدة من دول آسيا الوسطى التي لم نلتفت في السابق إلى تطوير علاقاتنا معها بما يتناسب مع الروابط التاريخية التي تجمعنا بها وبما يليق بدولة يمكن أن نطور معها علاقات إقتصادية جيدة، وقد كان الترحيب بالرئيس السيسي رائعاً وجاءت جلسات المشاورات على قدر ما توقعت الدوائر السياسية المصرية. بحث الرئيس السيسي والرئيس نزار باييف الإطار العملي لأساس جديد للعلاقات الثنائية واتفقا على استئناف عمل اللجنة المشتركة على المستوى الوزاري والإعداد الجيد لعقدها قريبا، ثم تطرقت المحادثات بين الجانبين إلى تجربة كازاخستان في إنشاء عاصمة إدارية جديدة (أستانا)، والتعاون مع كازاخستان كواحدة من أكبر دول العالم في إنتاج الحبوب وتطوير صناعة الدواء بين البلدين وسط ترحيب بصناعة الدواء المصرية. كما تطابقت وجهات نظر الرئيسين حول تجديد الخطاب الديني ودعوة نزار باييف لكي تتبنى الدول الإسلامية دعوة السيسي لتصويب الخطاب الديني، ومن ثم اتفاق كامل على ضرورة مواجهة الإرهاب والتصدي له وعدم الازدواجية في التعامل مع المنظمات الإرهابية. والرؤية المشتركة تقول إن مواجهة الإرهاب يجب ألا تقتصر على "داعش" فقط كما تريد بعض الدول الغربية أن تروج وتسوق، ولكن هناك جماعات أخرى يتعين التصدي لها. وحققت الزيارة خطوة على الطريق بقرار باييف استئناف الرحلات الجوية لشرم الشيخ في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري فيما تشارك مصر في معرض "إكسبو 2017" في أستانا، وهو حدث ضخم تستعد له كازاخستان بقوة.
واتفق الرئيسان على التنسيق بين البلدين بشأن مشاركتهما في قمة العشرين التي ستعقد في الصين في نوفمبر القادم بناء على دعوة من الرئيس الصيني.
محطة اليابان
لم يكن مشهد دخول الرئيس السيسي إلى قاعة البرلمان الياباني "الدايت" مألوفا أو معتادا في الثقافة اليابانية التي تميل إلى التحفظ وردود الأفعال المحسوبة ولكن ما رأيناه من عاصفة تصفيق حاد لحظة تقدمه لإلقاء كلمته ثم عند وداعه إلى خارج القاعة لم يكن عادياً، وإزاء الوداع الحار.. عاد الرئيس مجددا لتحية نواب "الدايت"..
كان الرئيس السيسي صادقا في كلمته وتأكيده إسهام اليابان في الحضارة الإنسانية فقال: "اليابان بحضارتها وأخلاقها الراقية وقيمها الرفيعة لم تقدم فقط نموذجا ناجحا في الإقتصاد، بل كانت أيضا مصدر إلهام للأدب والشعر في مصر فتناولتها قصائدهم في مواضع المدح والإشادة كأمة وصلت إلى قمة المجد والتقدم ونشرت العلم والنور وبلغت العلا وأضحت مثلا يحتذى.. وكم من قصيدة نظمها أمير الشعراء أحمد شوقي تضمنت الإشادة بأمة اليابان، وكم من قصيدة استلهمها شاعر النيل حافظ إبراهيم من وحي اليابان في مقدمتها رائعته غادة اليابان".
وتوالت لقاءات الرئيس في طوكيو، فإلى جانب الاتفاقيات التي وقعت، اجتمع الرئيس برؤساء الشركات الكبرى مثل "تويوتا" و"ميتسوبيشي" وتطرق إلى مشاركة المجموعات اليابانية الكبرى في تنمية محور قناة السويس والتقى برئيس الوكالة الدولية للتنمية "جايكا" ومحافظ طوكيو، وشهد المنتدى الإقتصادي المشترك وتحدث السيسي أمامه قائلا: "إن مصر تشهد ثورة إقتصادية حقيقية وعصرًا تنمويًا جديدًا وتتطلع لتعزيز التعاون مع شركائها وأصدقائها حول العالم، وعلى رأسهم اليابان التي نعتبرها شريكا رئيسيا وصديقا نعتمد على دعمه، بما يعود بالنفع على الجانبين.. إن مصر تسعى لشراكة حقيقية مع اليابان تكون فيها اليابان بقطاعيها العام والخاص داعمة للنهضة التنموية في مصر وتقدم فيها مصر فرصا مميزة للقطاع الخاص الياباني.. أود تأكيد أهمية التعاون من أجل توفير التمويل اللازم للاستثمارات اليابانية في مصر، كما أنني أدعو الجانبين المصري والياباني لتكثيف مباحثاتهما خلال الفترة القادمة من أجل تيسير نفاذ الصادرات المصرية إلى السوق اليابانية". وفي لفتة في محلها، أشاد السيسي بالاستثمارات اليابانية في مصر التي لم تغادرها كغيرها في 2011. وأيضا، التقى الرئيس مع وفد من جمعية الصداقة اليابانية المصرية برئاسة يوريكو كويكي وزيرة الدفاع السابقة (خريجة كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة القاهرة عام 1976) والتي تعطي اهتماماً كبيراً بتطوير العلاقات مع مصر، ووجه الرئيس لها التحية على ما تقوم به لصالح العلاقات الثنائية. وبرغم مروره بوعكة صحية، حرص إمبراطور اليابان أكيهيتو على أن تتم زيارة السيسي للقصر الإمبراطوري وكلف ولي عهده بأن يستقبل الرئيس.. في تنوع اللقاءات الرئيس إشارة إلى الحرص على تدشين علاقة إستراتيجية من أجل التنمية.
حققت زيارة الرئيس السيسي لليابان أهدافا كثيرة في سبيل تطوير العلاقات الثنائية مع دولة تمثل ركيزة كبرى في الإقتصاد العالمي وصاحبة تجارب علاقة في التعليم وبرامج التنمية. في اللقاء الأول بين السيسي وشينزو آبي رئيس الوزراء الياباني بالقاهرة في يناير من العام الماضي كانت الأرض ممهدة لإطلاق العلاقات على أسس جديدة. يومها، قال شينزو آبي ل "الأهرام" إن تعزيز العلاقات الثنائية يجب ألا يقتصر على المجال الإقتصادي فقط لأن الأساس في التنمية هو الموارد البشرية، وأن اليابان سوف تسعى في المستقبل إلى تدعيم التبادل الثقافي والإسهام في البحث العلمي، والتعليم في مصر، بهدف زيادة، وتعميق الفهم المتبادل بين الشعبين. في زيارة السيسي لطوكيو، دشن الجانبان ما يمكن تسميته ب "علاقة استراتيجية تنموية"، حيث أظهر الجانب الياباني رغبة صادقة في دعم مصر في كل المجالات التي تحتاجها للنهوض والتنمية والتقدم.
وربما تعد تلك هي ثالث علاقة استراتيجية من نوعها يبنيها السيسي بعد تدعيم العلاقات مع كل من الصين وروسيا الإتحادية. وكانت كلمات الترحيب بالرئيس وحفاوة الاستقبال في البرلمان وفي رئاسة الحكومة أساسها، بحسب ما لمسنا جميعا، ثقة اليابانيين في حب السيسي لبلاده ورغبته في وضع أسس مشروع وطني جديد وبادل اليابانيون الرجل إخلاصا بإظهار الاستعداد لدعم مشروعه الوطني ودعم المشروعات المصرية في مجال التعليم والطاقة والنقل والبنية الأساسية. وقد كان لتصريح ساتوشي أوزاوا، رئيس اللجنة الاقتصادية المصرية اليابانية المشتركة، عن نتائج استطلاع للرأي أجري أخيرا في اليابان وكشف عن أن أكثر من 70 % من الشركات اليابانية العاملة في مصر تعتزم زيادة استثماراتها في الإقتصاد المصري وقعا طيبا للغاية على الوفد المصري. على صعيد التبادل التجاري، يصل حجم التجارة البينية 1.4 مليار دولار، منها 150 مليون دولار صادرات مصرية لليابان و 73 مليون دولار صادرات غير بترولية والباقي صادرات يابانية لمصر، وقد أظهر الجانبان رغبة في تحقيق توازن من خلال زيادة حجم الصادرات المصرية للسوق الياباني.
كما احتل ملف التعليم أهمية كبيرة في ظل اهتمام خاص من السيسي بتجربة التعليم في اليابان ورغبته في إحداث نقلة نوعية في التعاون العلمي والتعليمي والاستعانة بخبرات يابانية في تحديث أساليب التعليم في مصر. وقد حظي مشروع الجامعة اليابانية في مصر بنصيب وافر من النقاش، فالجامعة التي أعلن عن تأسيسها في عام 2009 ينتظر أن تتبع النموذج الياباني في التعليم الابتكاري المعتمد على البحث العلمي والتطبيق العملي ومنهجية حل المشكلات وينضوي تحتها عدة مراكز بحثية تمثل النموذج الجديد للجامعات الحديثة في العالم، وتشارك في مناهج الدراسات العليا فيها 12 جامعة يابانية كبرى. كما تعتمد الجامعة أساليب المنافسة مع الجامعات الكبرى في التعليم المتطور والبحث العلمي وتنفرد بتخصصات أكاديمية تتفاعل مع جميع القطاعات الإنتاجية والخدمية وتعتمد على الاستخدام المكثف لتكنولوجيا الاتصالات ونظم المعلومات. وتطرق الحديث مع الجانب الياباني إلى كيفية جذب الشركات والهيئات اليابانية للتعاون مع الجامعة بحثياً واستخدام إمكانات الشركات في التدريب ونقل التكنولوجيا الجديدة وأساليب العمل المتطورة إلى مصر. وقد جاء إعلان آبي التجاوب مع رغبة السيسي في إيفاد طلاب دراسات عليا في مجالات مختلفة للتعلم في اليابان بمعدل 500 منحة مجانية سنوية (2500 طالب على مدى خمس سنوات) خطوة عملية ربما لا تلبي طموحات الرئيس في عدد أكبر إلا أنها بادرة مقدرة من الجانب الياباني. وقد تقرر أن يبحث الجانبان الإجراءات التنفيذية سريعاً من خلال وضع القواعد وطبيعة المجالات التي تحتاجها مصر.
ومن الأمثلة الأخرى على التوجه الياباني الجديد، القرض الذي قدمته طوكيو لتمويل ثلاثة مشروعات في مجال النقل الجوي (تطوير مطار برج العرب) وفي مجال الطاقة إنشاء محطة للطاقة الشمسية بالغردقة بقيمة 500 مليون دولار وهو يعد أقرب إلى "المنحة"… فالقرض يمنح مصر فترة سماح عشر سنوات قبل بدء السداد.. والسداد يكون على 40 عاماً بفائدة 1% (واحد من عشرة في المائة).. أي بلغة المال لا شيء.. فتكلفة مثل هذه المشروعات تتضاعف.. والسداد من عائد التشغيل.
في الشق السياسي، أظهر كبار المسئولين اليابانيين دعما كاملا لمصر في مواجهة الإرهاب وعدم الإزدواجية في التعامل مع المنظمات الإرهابية فيما اتفق الجانبان على التنسيق الكامل في مجلس الأمن بوصف البلدين عضوين غير دائمين في مجلس الأمن الدولي إلى جانب عضوية مصر في مجلس السلم والأمن الإفريقي. وقالت مصادر الوفد المصري إن هناك تنسيقا كاملا واتفاقا في المواقف من الأحداث والتطورات في سوريا وليبيا واليمن خاصة فيما يتعلق بضرورة التوصل إلى تسويات سياسية من جانب، وعلى التمييز بين جبهات المعارضة السياسية وبين المنظمات الإرهابية من جانب آخر.
في كلمة "آبي" في ختام المباحثات دلالات مهمة عندما قال: يسرني أن أرى أفاق العلاقات والتعاون تتوسع.. نحن مستعدون لتقديم جميع أشكال الدعم "لشركائنا" في مصر.. وقال أيضا: "مصر تحقق تقدما في مجال التنمية والديمقراطية برغم ما تواجهه من تعقيدات واضطرابات في المنطقة حولها". وأكد رئيس مجلس النواب أيضا على المعنى نفسه عندما أشار إلى أن مصر تمضي قدما في بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة وهي تتغلب على التحديات التي تواجهها. وكذلك رئيس مجلس المستشارين، حيث أعرب في كلمته بحضور السيسي في "الدايت" عن ثقته في أن مصر ستتغلب على المشكلات التي تصادفها.
محطة كوريا الجنوبية
في "البيت الأزرق" مقر الرئاسة في سول، كان استقبال الرئيس السيسي أمس من جانب الرئيسة بارك كون هيه حافلا ويليق بعلاقات تنمو إلى مستويات رفيعة. ووقع الرئيسان تسع اتفاقيات ومذكرات تفاهم والتي تضمنت الاتفاق الإطاري لتنظيم القروض الكورية ومذكرة تفاهم بين بنك الاستيراد والتصدير الكوري والحكومة المصرية بشأن إتاحة حزمة تمويلية لمصر بقيمة ثلاثة مليار دولار، وإنشاء كلية للتكنولوجيا هي واحدة من الثمار الجيدة للعلاقات الثنائية بين القاهرة وسول والتي تؤكد النهج الذي وضعه الرئيس السيسي عن ضرورة الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي في شرق آسيا لبناء قاعدة علمية على أسس جديدة في مصر.
يقول الكوريون إنهم يتذكرون الأيام التي حددت مستقبل بلدهم في فندق "مينا هاوس" في الفترة ما بين 22 و26 نوفمبر عام 1943 عندما اجتمع ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، والقائد العام في الصين تشان كاي شيك وصدر إعلان القاهرة وأصبح آلية دولية أخرى لتحديد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم صدر إعلان بوتسدام في 26 يوليو 1945 بين قوات الحلفاء والاتحاد السوفيتي السابق حول ترسيم الحدود، ويعتبر الكوريون أن إعلان القاهرة يمثل أهمية خاصة باعتباره واحدا من الإعلانات التاريخية التي تبناها المجتمع الدولي الذي لفت الانتباه إلى أن كوريا يجب أن تصبح حرة ومستقلة. اليوم، يوجد في مصر 125 مشروعا كوريا بإجمالي استثمارات أكثر من 9 مليارات دولار، وفقا للأرقام حتى مارس 2014، وتتمثل الاستثمارات الكورية في عدة قطاعات أهمها الإلكترونيات، والصناعات النسيجية، ومكونات السيارات، الكيماويات، مواد البناء. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وكوريا الجنوبية 2٫5 مليار دولار في عام 2015 وبلغت الصادرات المصرية إلى كوريا الجنوبية حوالي مليار دولار في عام 2013، مقارنة بنحو 802 مليون دولار خلال عام 2012 بنسبة زيادة بلغت 26 %، وتتمثل الصادرات المصرية في صادرات بترولية، وصادرات غير بترولية تتمثل في القطن الخام، وتفل البنجر، والميثانول الكحولي، إلى جانب صادرات أخرى مثل الرخام والأسمنت الأبيض والمركزات والملابس القطنية.
وقد كانت تصريحات الرئيس السيسي لوسائل الإعلام الكورية مباشرة ومعبرة بصدق عن رغبة في تعزيز التعاون في مجالات الطاقة وإنشاء مناطق لوجستية والتعاون في صناعات تحلية المياه والتصنيع وبناء مخازن لوجستية لتصدير المنتجات إلى إفريقيا وأوروبا ضمن مشروعات أخرى.
وحرص الرئيس في محادثاته وحواراته الإعلامية على التأكيد على الرؤية التنموية لمصر في عام 2030 والتي تتضمن تهيئة مناخ الاستثمار الحديث في البنية التحتية وتوفير فرص عمل للشباب وتوفير شبكة الطرق والكهرباء والموانئ والمطارات والاستفادة من تجربة كوريا في الوصول إلى أهداف استراتيجية التنمية.
وقد أكد الرئيس أن التجربة الكورية قدمت مثالاً للنشاط والإخلاص واحترام قيمة العمل وأشار إلى أن مصر سبق واستقبلت بعثة كورية في أوائل حقبة الستينيات من القرن الماضي للتعرف على تجربة مصر في التنمية آنذاك، مشيداً بما حققته كوريا الجنوبية في الوقت الراهن وهو ما يدفع مصر إلى مزيد من التعاون على أصعدة عدة.
شينزو آبي ودرس المادة التاسعة
يدور جدل في اليابان حول تفسير المادة التاسعة من دستور عام 1947 حيث يتضمن الباب الثاني منه وتحت مسمى "نبذ الحرب" مادة واحدة فقط هي المادة التاسعة تقول: "نطمح إلى السلام الدولي القائم على العدل، الشعب الياباني ينبذ الحرب كحق سيادي والتهديد أو استخدام القوة كوسيلة لتسوية الخلافات الدولية".
وتضيف: "ومن أجل تحقيق هذا الهدف في الفقرة السابقة فإن القوات البرية والبحرية والجوية وسائل الحرب المحتملة لن تدوم ولا يعترف بحق الدولة في إعلان حالة الحرب". وقد وضعت المادة بنصها السابق قيودا تمنع إرسال اليابان قواتها إلى الخارج وأصبح الجيش يقوم بمهام دفاعية فقط لحماية الأراضي اليابانية حتى جاء رئيس الوزراء شينزو آبي ليدفع في اتجاه تفسير جديد للمادة من أجل إعطاء السياسة الخارجية زخما أكبر يتناسب مع مكانة اليابان على الصعيد العالمي. ينتظر أن يسمح القانون الجديد بإرسال القوات اليابانية إلى خارج الحدود لمساعدة الحلفاء وبالتالي ستصبح اليابان لاعبا مهما على الساحة الدولية في إطار مشاركتها في "الدفاع الجماعي". التحركات اليابانية في الإطار السابق وتفعيل القدرات اليابانية لإبراز قدراتها على الساحتين الإقليمية والدولية يمثل درسا مهما في كيفية مواجهة التحديات وتنظيم دوائر حركة السياسة الخارجية لخدمة المصالح العليا وهي تجربة يتعين أن ندرسها في مصر في إطار إعادة تفعيل السياسة الخارجية.
تجربة كويكي ورد الجميل لمصر
قبل 12 عاما التقيت السيدة يوريكو كويكي وزيرة البيئة اليابانية في حكومة رئيس الوزراء جونشيرو كويزومي، ثم وزيرة الدفاع في عام 2007، والتي كانت المسئولة الوحيدة بين الدول الصناعية التي تخرجت من جامعة القاهرة بعد حصولها على منحة للدراسة في مصر عام 1971 وفي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي التقيت السيدة كويكي مرة أخرى. في تلك المرة كانت كويكي تتحرك بابتسامة رقيقة وسط الوفدين المصري والياباني وتشعر بقدر سعادتها وهي تروج لعلاقات الصداقة بين البلدين. في حوارنا الأول عام 2004، قالت الوزيرة السابقة إن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قد تبنى سياسة مهمة وهي تقديم منح دراسية لطلاب الدول الأجنبية في الجامعات المصرية وأشارت إلى أنها كانت تحصل من الحكومة المصرية على منحة مالية قدرها (8 جنيهات) وحينها قالت إن ما قام به عبد الناصر كان استثمارا مفيدا وناجحا وقالت مازحة في حوارها في إشارة إلى تجربتها "أليس كذلك؟".. اليوم تقف كويكي مؤيدة ودافعة في اتجاه إعطاء الطلاب المصريين منحا دراسية على نطاق واسع للمساعدة في برامج تحديث الدولة وبناء إقتصاد جديد ووضع مصر على طريق العلم والتكنولوجيا بما يليق بتاريخها.
نقلا عن جريدة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.