يراودني سؤالٌ لحوحٌ بعد الأحداث الجارية في المنطقة العربية، وهو: هل من يطالبون بالتطوير في الخليج "أشقياء"؟ نحن في الخليج لا يمكن أن نكون بمنأى عما يجري في العالم العربي، كما أن أي خليجي لابد وأن يتأثر بما يجري في البلد الخليجي الآخر. وهذه حتمية تاريخية وطبوغرافية لا يمكن الاستقالة منها أو الرحيل عنها. في دولة الكويت الشقيقة، هناك أزمة بعد قيام المحكمة الدستورية بإصدار قرار ببطلان انتخابات مجلس الأمة الحالي، الذي تسيطر عليه المعارضة الإسلامية والقبلية، وإعادة المجلس السابق الذي حلّهُ أمير البلاد في ديسمبر الماضي، وتعارض الرؤى حول قرار المحكمة بين مؤيد ومعارض. وحال الكويت مع حالات حلّ المجلس التشريعي فيها وتغيّر الحكومات المتعاقبة، لابد أن يمثل مادةً إعلاميةً في الصحافة الخليجية وفي المجالس والديوانيات داخل بلدان مجلس التعاون. وإذا ما انتقلنا إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، والتي أصبحت في حقبة الملك عبدالله بن عبدالعزيز أكثرَ ملاءمة للإصلاح في تاريخها، فإن الحراك الإصلاحي يحقق خطوات بفكِّ "الانحباس" أو الاحتقان فيما يتعلق بتحديث الدولة وقيام النخب بأدوارها في عمليات التنمية، مع الإقرار بأهمية إزالة أسباب الاحتقان المتعقلة بالقضايا التي ينشرها الإعلام الغربي فيما يتعلق بتطبيق حقوق الإنسان وغيرها من المسائل التي تتناولها أعمدة الرأي في المملكة بكل حرية، ومنها ما يتعلّق بالصف الثاني من قيادات المملكة بعد رحيل الأميرين سلطان ونايف. والسؤال نفسه هنا: هل يجوز للإصلاحيين في المملكة ما لا يجوز لغيرهم أو العكس؟ وفي البحرين، تبدو الأمور أكثر وضوحاً فيما يتعلق بالاحتقان الطائفي، خصوصاً بعد أحداث العام الماضي وما قبله، وسقوط ضحايا نتيجة العنف، ورد المعارضة على المبادرات التي قدّمتها الحكومة وكان آخرها دعوة ولي العهد البحريني للحوار غير المشروط. لكن الاحتقان مازال باقياً، لاسيما في ظل وجود مساحة أكبر لحرية الرأي في هذا البلد. وتصحُّ المقولة ذاتها أيضاً: هل يجوز لمن يطالبون بإزالة الاحتقان في البحرين ما لا يجوز لغيرهم أو العكس؟ وفي عُمان أيضاً وقعت بعض الأحداث خلال العام الماضي وما قبله، وتمت الاستجابة لبعض المطالبات، وتغيّر بعض المسؤولين الكبار في الدولة، ومازالت المطالبات مستمرة لتحقيق وضع ديمقراطي أشمل في السلطة التشريعية! وهنا أيضاً تصحُّ المقولة: هل يجوز لأصحاب هذه المطالب في السلطنة ما لا يجوز لغيرهم والعكس؟ وفي دولة الإمارات العربية المتحدة هناك اهتمام بدور المجلس الوطني الاتحادي، وبدور الشباب في الإسهام بالدفع نحو مستقبل أكثر رخاءً وأمناً، رغم القلق من الاستفزازات الإيرانية واحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، كما أن ثمة حديثاً عن خلل التركيبة السكانية. أما في دولة قطر فيدور كذلك حوار حول إجراء أول انتخابات لمجلس الشورى (المُنتخب) خلال العام المقبل 2013 ، كما تدور عدة حوارات حول التعليم، والمؤسسات الخدمية كالصحة والإعلام، وخلل التركيبة السكانية! وكذلك المشاريع التي تشكل البنى التحتية لمونديال 2022. وهنا أيضاً تصحُّ المقولة: هل يجوز لأصحاب هذه الحوارات في قطر ما لا يجوز لغيرهم أو العكس؟ نعتقد أن المطالبات التي تهدف إلى خير ورخاء وأمن المجتمع الخليجي لابد وأن تُقابل بالإيجابية والثناء. أما النزعات الانعزالية أو الأيديولوجية التي تعتمد العنف وإثارة المجتمع، استناداً لأجندات خارجية، فلابد من مقاومتها بالقانون الواضح ووقفها عند حدّها. الحراك الإيجابي مطلب أساسي في حياة الشعوب الحية، وتطوّر الرؤى، مع ازدياد أعداد المتعلمين، وتفتح الآفاق بالإطلاع على التجارب الناجحة لأسس العلاقة بين السلطة والمجتمع... شروط تجعل من التطوير مطلباً مهماً ومُسوغاً، ليس من أجل المجتمع نفسه فحسب، بل من أجل استمرار العلاقة التوافقية بين الحكومات والشعوب في الخليج. إن شعوب الخليج لا تؤمن بالعنف ولا الخروج على طاعة ولي الأمر، ولا الانفراد بالرأي. كما أنها حافظت على شكل العلاقة بينها وبين حكامها الذين دأبوا على تمتين العلاقة وفتح أبوابهم للتحاور وقضاء حاجات الناس بروح من الود والتسامح والمسؤولية. لذلك، ومع تطور معطيات العصر ووصول شعوب الخليج إلى مرحلة من النضج السياسي وتسلم قادةٍ من الجيل الثاني في بعض الدول مقاليد الحكم، كان طبيعياً أن يُثار الحديث حول أهمية تبديل صورة العلاقة النمطية بين الشعوب والحكومات من أجل ترسيخ العلاقة التاريخية، واستمرار حالة الأمن والرخاء بروح من المسؤولية والمشاركة في القرار، عبر المؤسسات التي تطرحها الدساتير في كل بلد خليجي. بل إن بعض المطالبات قد نادت بتعديل بعض الدساتير وفقاً للحاجة المتطورة أو الأوضاع الجديدة التي تفرضها حقائقُ على الأرض، سواء ما تعلق بمسؤولية الهيئات الدولية -وتوقيع دول الخليج على مواثيقها- أو ما يتعلق باستحقاقات الواقع الجديد في هذه الدول. نقلا عن صحيفة الاتحاد