رغم تعهد زعماء دول مجموعة العشرين في ختام قمتهم بمنتجع لوس كابوس بالمكسيك الثلاثاء بالمضي قدما في الجهود الرامية إلى تحقيق التعافي الاقتصادي أخفقت تلك الدول في الاتفاق على مسار محدد لمواجهة الأزمات المالية الدولية وسط تهديدات بالغة تحيط باقتصاديات دول منطقة اليورو والنمو الاقتصادي العالمي. وتباينت المسارات التي اقترحتها دول مجموعة العشرين لمواجهة الأزمة المالية الدولية حيث اقترحت بعض تلك الدول زيادة معدلات الإنفاق لدعم النمو الاقتصادي العالمي بينما شددت دول آخرى على ضرورة خفض معدلات العجز في الميزانيات لاسترداد ثقة المستثمرين. وأوضح محللون اقتصاديون دوليون أن دول مجموعة العشرين أكدت ضرورة تفعيل دور مؤسسات التمويل الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي لمواجهة الأزمات المالية الدولية ومن بينها أزمة الديون السيادية بمنطقة اليورو والتي أثرت على النمو الاقتصادي العالمي والمصارف ومعدلات التوظيف وأطاحت بعدد من حكومات الدول الأوروبية كالبرتغال واليونان. وتصاعدت الخلافات - خلال اجتماعات مجموعة العشرين - بين الدول المؤيدة للتقشف الاقتصادي من جهة والداعمة للحوافز المالية من ناحية آخرى حيث أكد زعماء بريطانيا وكوريا الجنوبية وألمانيا ضرورة مواصلة الإجراءات التقشفية لخفض معدلات العجز في الميزانيات والديون السيادية وتحقيق الاستقرار النقدي. وتضم مجموعة العشرين - التي تأسست عام 1999 وتستحوذ على حوالي 90 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي - أمريكا وإيطاليا وروسيا وألمانيا وفرنسا وكندا والمملكة المتحدة واليابان وجنوب أفريقيا والسعودية والأرجنتين واستراليا والبرازيل وكوريا الجنوبية والهند والصين والمكسيك وتركيا وأندونيسيا والاتحاد الأوروبي. وتهدف مجموعة العشرين إلى تعزيز الاستقرار المالي الدولي وإيجاد فرص للحوار ما بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة. وفي محاولة لكبح جماح الاضطراب الحالي بالأسواق المالية الأوروبية اقترحت إيطاليا تخصيص جزء من أموال صندوق الإنقاذ الأوروبي الذي يبلغ حجمه 555 مليار دولار لشراء السندات الحكومية التي تصدرها الدول التي تعاني من أوضاع مالية صعبة كأسبانيا من أجل خفض حجم الديون السيادية وتكاليف الإقراض ودعم اليورو. ومن جانبها، حثت كوريا الجنوبية الدول التي تعاني أوضاعا مالية صعبة على تبني "إجراءات مؤلمة" على المدى القصير لإصلاح مالياتها العامة والسيطرة على الديون السيادية. وفي المقابل، دعا زعماء الأرجنتين والبرازيل وفرنسا - التي انتقدت إصرار ألمانيا على فرض خطة التقشف على دول منطقة اليورو التي تعاني من تفاقم الديون السيادية بمنطقة اليورو خاصة أسبانيا واليونان - إلى زيادة معدلات الإنفاق لدعم نمو الناتج المحلي الإجمالي وتوفير الوظائف. وأبدت أمريكا دعمها لجهود دول منطقة اليورو للسيطرة على الديون السيادية مشددة على لسان رئيسها باراك أوباما أن المشكلات الاقتصادية لأوروبا لن تحل عن طريق مجموعة العشرين أو واشنطن. وأوضح المحلل المالي البريطاني روبرتو بيريل أن زعماء دول مجموعة العشرين أقروا فقط عددا من السياسات العامة وتجاهلوا الحلول الفعالة للمشكلات الاقتصادية الرئيسية، مشيرا إلى أن زعماء دول مجموعة العشرين أخفقوا في تهدئة مخاوف الأسواق المالية الدولية من تداعيات الصدمات الناجمة عن تراجع النمو الاقتصادي والديون السيادية. وفي السياق ذاته، حث المحلل المالي الأمريكي جون ميلنر ألمانيا على توفير المزيد من الدعم المالي لإنقاذ اقتصاديات دول منطقة اليورو التي تعاني من الديون السيادية في الوقت الذي شددت فيه الحكومة الألمانية على ضرورة التزام دول منطقة اليورو بإجراءات التقشف رغم زيادة عدد الدول الأوروبية المدافعة عن زيادة معدلات الإنفاق. ومن جانبهم، رفض زعماء أوروبيون ضغوطا - خلال قمة مجموعة العشرين - لاتخاذ إجراءات جديدة سريعة لمواجهة أزمة الديون السيادية متعهدين بالمضي قدما في تنفيذ خطة طويلة الأمد نحو مزيد من التكامل الاقتصادي لتبديد مخاوف الأسواق. وأبلغت الدول الأوروبية مجموعة العشرين أنها تدرس خطوات ملموسة لتحقيق التكامل بين قطاعاتها المصرفية وهو إصلاح رئيسي تطالب به أمريكا ودول آخرى للخروج من دوامة الديون. ورغم تأكيدات البيان الختامي لزعماء مجموعة العشرين بأن دول منطقة اليورو ستقوم باتخاذ كل الإجراءات اللازمة للخروج من أزمتها الحالية التي تلقى بظلالها على النمو الاقتصادي العالمي إلا أن مشاعر القلق تواصلت بشأن تلك الإجراءات والتزام الدول الأوروبية بتنفيذها. وكانت الكثير من الدول المشاركة في القمة قد أبدت عدم اقتناعها بالموقف الأوروبي كما أبدت خيبة أمل منتقدة غياب الطموح لدى الأوروبيين. وجاء ذلك الموقف بشكل واضح من مجموعة دول /بريكس/ للاقتصادات الناشئة والمكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا التي أبدت أسفها بعد اجتماع لقادتها على هامش القمة لعدم اتخاذ الدول الأوروبية تدابير ملموسة تخفف من حدة أزمة الديون في منطقة اليورو. وفي محاولة لمنع وقوع الأزمات المالية وافق زعماء دول مجموعة العشرين على تخصيص حوالي 450 مليار دولار إضافي لصندوق النقد الدولي في خطوة تهدف إلى منع وقوع الأزمات في المستقبل وضمان الاستقرار المالي الشامل. وشددت دول مجموعة العشرين على ضرورة نبذ الإجراءات الحمائية في التجارة العالمية وتطبيق المبادرات الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي وتحرير التجارة. وتؤكد المؤشرات أن مجموعة دول العشرين أخفقت في تبني إجراءات ملموسة لتحقيق التعافي الاقتصادي العالمي ومواجهة الصدمات المالية في الوقت الذي تجاهلت فيه مشكلات الدول الفقيرة الناجمة عن تداعيات الأزمات الاقتصادية بالدول الغنية.