في الوقت الذي تبذل فيه الوكالة الدولية الذرية ومن يعاونها من حكماء العالم لإقرار اتفاقية حظر تداول أسلحة الدمار الشامل، التي على رأسها الأسلحة النووية، وهم في ذلك يسعون وراء التفاوض مع كل من إيران وكوريا الشمالية لوقف تجارب تخصيب اليورانيوم، أعلن كثير من دول الشرق الأوسط ومن بينها بعض الدول التي يساورها القلق بشأن البرنامج النووي الإيراني رغبتها في تطوير موارد للطاقة الذرية، لطالما دافعت الدول العربية عن تحويل المنطقة إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية وهو اقتراح يستهدف في الأساس إسرائيل التي يعتقد على نطاق واسع أنها تمتلك الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، أكدت تقارير دولية مطلعة صادرة حديثاً أن إسرائيل أصبحت تمتلك مفاعلين نوويين في ديمونة ونحال سوريك، وكلاهما مخصصان رسميا للبحث لكن من المعتقد على نطاق واسع أن مفاعل ديمونة أنتج من المواد القابلة للانشطار منذ أواخر الستينيات ما يكفي لصنع ما بين 80 و200 رأس نووي. وشددت هذه التقارير على أن المريب في الأمر أن إسرائيل تواصل سياسة رفض مناقشة مسألة ترسانتها النووية المفترضة التزاما بسياسة الغموض التي تهدف إلى ردع خصومها بالمنطقة وفي الوقت نفسه تجنب سباق للتسلح النووي، مشيرة إلى أن إسرائيل تأكيداً لهذه السياسة لم توقع معاهدة حظر الانتشار النووي ومن ثم فان منشآتها غيرمتاحة للتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وخلص إلى أن إسرائيل تعلن دوما ان السلام الشامل في الشرق الأوسط يجب أن يأتي قبل اتباع سياسة نووية تتسم بمزيد من الشفافية. وفي جهة أخرى ذكرت هذه التقارير أن إيران تسعى إلى امتلاك شبكة من محطات الطاقة النووية وهدفها المعلن زيادة الصادرات من احتياطيات النفط والغاز التي هي ثاني اكبر احتياطيات في العالم وتعمل روسيا على اكمال اول محطة نووية إيرانية بدأ انشاؤها قبل الثورة الإسلامية عام 1979 في بوشهر بجنوب غربي البلاد وأوضحت أنه في عام 2002 كشفت جماعة ايرانية معارضة في الخارج عن وجود منشأة نطنز في وسط إيران لتخصيب اليورانيوم التي تستطيع انتاج الوقود اللازم لمحطات الطاقة الذي اذا خصب لدرجة عالية يمكن أن يصبح مادة للرؤوس النووية. من ناحيتها، تؤكد إيران أن المحطة جزء من برنامج مدني لكن دولا غربية تتهمها بالسعي لانتاج قنابل ذرية، وترد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها بحاجة إلى مزيد من المعلومات للتحقق من نيات إيران، وأنه في أواخر العام الماضي فرضت الاممالمتحدة عقوبات على نقل المواد النووية الحساسة لإيران، وأبلغتها بوجوب تعليق التخصيب، ورفضت إيران هذا مجازفة بالتعرض لمزيد من العقوبات. وأكد خبراء دوليون أن مصر من جانبها قامت بتعليق برنامج سابق للطاقة النووية بعد كارثة تشرنوبيل عام 1986 وهي تتطلع الآن إلى احيائه لتلبية احتياجات الطاقة والحفاظ على احتياطيات النفط والغاز التي يقول مسؤولون انها تعادل 51 و5 مليارات برميل من المكافئ النفطي وهي كمية تكفي 34 عاما بمعدلات الانتاج الحالية، وأن الخطط النووية لاتزال في مراحلها الأولى، لكن معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن، قال: إنه من الممكن بناء اول مفاعل بطاقة ألف ميجاوات في الضبعة على ساحل البحر المتوسط في غضون ما بين ثمانية وعشرة أعوام اذا تم تأمين استثمارات أجنبية وأنه في اكتوبرالماضي عبرت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس عن دعمها خطط مصر وعرضت الصين وروسيا وكازاخستان التعاون. وأضاف المعهد: إن مصر كانت لها جهود نووية على الصعيد العسكري في الستينات ردا على الجهود الاسرائيلية لكنها لم تحرز تقدما يذكر، ثم وقعت معاهدة حظر الانتشار النووي عام 1981 ورغم ذلك تمتلك مصر مفاعلين لاغراض البحث، وأنه في عام 2004 حققت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حالات لم يتم فيها الابلاغ عن أبحاث نووية لكنها خلصت إلى أن التجارب لم تكن متصلة بالأسلحة. وعلى الجانب السعودي، تذكر الشواهد التاريخية أن المملكة العربية السعودية انضمت في ديسمبر عام 2006 إلى شركائها في مجلس التعاون الخليجي «البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات« في إعلان مشروع مشترك للطاقة النووية السلمية هدفه الاساسي تحلية المياه، وسريعاً أعربت اليمن عن رغبتها في الانضمام لهذا المشروع إلا أن كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية قالت: انه تجب مناقشة المشروع، متسائلة لماذا تحتاج السعودية اكبر دولة مصدرة للنفط إلى الطاقة النووية؟ أما تركيا الصديق العسكري لإسرائيل الطامع في عضوية الاتحاد الأوروبي، فإنها تعتزم اقامة ثلاث محطات للطاقة النووية في العام المقبل يبلغ اجمالي طاقتها خمسة آلاف ميجاوات تجنبا لحدوث عجز في الطاقة في المستقبل، إلا أن ارتفاع الكلفة ومعارضة المعنيين بشؤون البيئة أحبطا الجهود السابقة على مدى 30 عاما. ورغم ذلك كله تصر تركيا على زيادة حصتها في المحطات من 30% إلى 70% بعد أن أصر القطاع الخاص على ضمانات حكومية أقوى، ومن بين الشركات التي ستخوض مناقصة هذه الاعمال مجموعتا الشركات المحلية كوج القابضة وسابانجي القابضة، حيث تريد المجموعتان ضمانات مالية وتعهدا حكوميا بشراء الطاقة المولدة نوويا. وفي الشمال الافريقي، تشهد الساحة حالة من المنافسة الشديدة الساعية وراء امتلاك هذه التقنيات رافضين كل الدعوات الرافضة لمساعيهم، حيث أعلنت تونس في العام الماضي خططاً لبناء اول محطة للطاقة النووية بحلول عام 2020 بطاقة 900 ميجاوات او 20% من احتياجات البلاد للمساعدة على تعويض تناقص الانتاج من حقول النفط ولم تعلن أي مناقصات او تقديرات للكلفة ووقعت اتفاقية للتعاون مع فرنسا في ديسمبر الماضي بشأن الطاقة النووية وتحلية المياه والجزائر تتحرك في هذا الاتجاه وساعدها أنها تمتلك احتياطيات هائلة من اليورانيوم لكنها ليست لديها خطط فورية تتعلق بالطاقة النووية غير أن الحكومة تؤكد مراراً أن الطاقة النووية يمكن أن تنضم إلى موارد الطاقة المتجددة في المستقبل مع تراجع موارد النفط والغاز، وهي تعتزم طرح مشروع قانون بشأن استخدام الطاقة النووية لاغراض مدنية، وفي هذا الإطار وقعت اتفاقا مع روسيا في يناير عام 2007 بشأن التعاون النووي المحتمل، كما عرضت عليها إيران المشاركة بخبراتها النووية، وربما يشجعها أن احتياطيات الجزائر من النفط البالغة 11 و8 مليارات برميل سوف تستمر 23 عاما كما تستمر احتياطياتها من الغاز التي لا تقل عن 149332 مليار قدم مكعب 50 عاما بمعدلات الانتاج الحالية. في الأول من فبراير أعلنت ليبيا أنها ستعمل مع العملاق النووي الفرنسي اريفا للتنقيب عن اليورانيوم واستخراجه لكنها لم تقل ان كان سيستخدم محليا ام سيتم تصديره، وتخلت عن برنامجها للتسلح النووي وسلمت معدات التخصيب الخاصة بها للولايات المتحدة عام 2004 وربما يؤجل المساعي الليبية أنها تمتلك احتياطيات نفطية تبلغ 39 مليار برميل وهو ما يكفي 60 عاما بمعدلات الانتاج الحالية وتقدر احتياطياتها من الغاز غير المستغلة على نطاق واسع بثلاثة وخمسين تريليون قدم مكعب. أما المغرب، فإنه في ظل عدم امتلاكه النفط فانه يفكر في استخدام الطاقة النووية لاغراض منها تحلية المياه لكنه لم يتخذ قرارا بعد ويقدر خبراء كلفة اقامة محطة نووية بأكثر من ثلاثة مليارات $ أي ثلاثة امثال الاستثمار الحالي الذي يخطط له المكتب الوطني للكهرباء لزيادة طاقة توليد الكهرباء . هكذا، أصاب الإصرار الإيراني على مواصلة تجاربه النووية والتعسف الإسرائيلي المنطق بحمى شديدة الوطأة تبدو أعراضها في رغبة شرق أوسطية ملحة لامتلاك القدرات الذرية سواء على الصعيد السلمي أو غير ذلك.