الحصول على المعلومات في مصر وتوثيقها ليس من الأمور السهلة، والسبب لا يعود فقط إلى مساحة الحرية المعمول بها في الوسط الاعلامي، ولكن الى كون مصر ليست من المجتمعات التي يمكن وصفها بالمجتمعات المعلوماتية. هذه السمة لا تعاني منها وسائل الاعلام المحلية فقط، ولكن وسائل الاعلام الغربية أيضا، من خلال مكاتبها المنتشرة في العاصمة المصرية. وعلى الرغم من ذلك إلا أن مكاتب الصحافة والتلفزيون العالمية ما زالت ترى في القاهرة مركزاً لصنع الأخبار الإقليمية في المنطقة، رغم وجود المنافسة من قبل عواصم عربية أخري كدبيوبيروت. «حمدي أحمد»، مسؤول التحرير بمكتب وكالة الانباء اليابانية «كيودو» في القاهرة، أكد ل«الشرق الأوسط» على أن مكتب الوكالة في العاصمة المصرية هو الوحيد في العالم العربي، منذ ما يزيد على 30 عاماً، مبرراً ذلك بأن مصر، وعلى الرغم من بروز عواصم أخرى لا تقل عنها أهمية، إلا أنها ما زالت مركزاً مهما لصناعة الأخبار بشكل لا ينافسها فيه أحد. وأضاف: «على الرغم من وجود مكتب لنا في كل من إسرائيل وإيران، إلا أن القاهرة تظل العاصمة الأكثر فعالية لقربها من مركز صناعة الأخبار والمعلومات، كما أنها مقراً للقاء العديد من الشخصيات العالمية المؤثرة في صناعة الأحداث». وأشار حمدي إلى أنه لولا مساعدة المسؤولين الحكوميين للعاملين في الوكالة اليابانية في القاهرة، لما نجح المكتب في الاستمرار على مدى الثلاثين عاماً الماضية. ما زالت أجواء أحداث مكتب قناة «الجزيرة» الإخبارية في القاهرة حاضرة في الأذهان. ففي شهر أبريل (نيسان) الماضي ألقي القبض على حسين عبد الغني مدير مكتب «الجزيرة» أثناء تغطيته لأحداث تفجيرات مدينة دهب، عندما أعلن عن أنباء بوقوع تفجيرات أخرى في مدينة بلبيس القريبة من القاهرة ولكنه سرعان ما تم الافراج عنه. وفي نهاية العام الماضي تم احتجاز المعدة بمكتب الجزيرة «هويدا طه»، لمدة 48 ساعة، والتحقيق معها بعد اتهامها بتصوير أفلام ملفقة عن قضايا التعذيب في أقسام الشرطة المصرية بشكل يسيء للبلاد. وتم تحويلها إلى المحاكمة، وهي القضية التي لم يتم البت فيها حتى الآن. كان «حسين عبد الغني» قد أعلن في أوقات سابقة أن هناك قيوداً كثيرة تمارس من قبل السلطات في بعض الأحيان على العاملين في المجال الاعلامي في مصر وبخاصة الاجنبي منها بشكل يعيق التعامل مع الاخبار والمعلومات، كما يحدث في أوقات الأزمات السياسية والمظاهرات. «الصعوبات المهنية هي التي تعوق عملنا لا الرقابة على المعلومات». هكذا بدأ «محمد عبد الحميد» القائم بأعمال مدير مكتب وكالة «أنباء رويترز» بالقاهرة الحديث وأضاف: «نعاني كوكالة أنباء دولية في الوصول الي مصادر المعلومات أو تكرار المصادر مع وسائل الاعلام الأخرى، إلى جانب صعوبة تحري الدقة فيما يرد إلينا من معلومات، وبخاصة مع وكالة مثل (رويترز) التي اشتهرت بدقة الخبر وسرعة الوصول إليه في نفس الوقت، ولكننا لا نعانى من أي مشكلات فيما يتعلق بالرقابة المفروضة على عمل وسائل الاعلام الأجنبية في مصر. فالحكومة المصرية تدرك طبيعة عملنا كوكالة أنباء دولية لها تاريخها. وبخاصة أن مكتب القاهرة من أكبر مكاتب (رويترز) في الدول العربية، ولا يقتصر عمله على تغطية أخبار مصر، بل يمتد الي إعداد النشرة العربية التي تقدمها (رويترز)، إضافة إلى امداد النشرة الانجليزية بالاخبار العادية، والنشرة الرياضية والإقتصادية وخدمات الجرافيك». يذكر أن مكتب وكالة أنباء (رويترز) في القاهرة، كان قد افتتح في نهاية السبعينات من القرن الماضي بعد إغلاق مكتب الوكالة الاقليمي في بيروت مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان. وتبلغ قوة العمل الحالية فيه 40 صحافياً من الأجانب المقيمين والمصريين؛ وهو عدد يتناسب مع حجم الوكالة الدولي. الرغبة في تقديم المعلومات والاخبار بالانجليزية للمصريين والعرب، كانت الدافع وراء إنشاء مكتب صحيفة «الهيرالد تريبيون» في القاهرة منذ سنوات، بالاضافة الى خمسة مكاتب أخرى فى أربعة بلدان عربية، هي دبي وقطر والكويت ولبنان. هذا ما تؤكده نهى عبد السلام مديرة التسويق والإعلام بمكتب الجريدة، التي قالت: «عندما قررنا فتح مكتب بالقاهرة درسنا السوق جيداً، ووجدنا أن هناك عدداً كبيراً من المصريين يفضلون قراءة الصحف باللغة الانجليزية، إضافة لوجود عدد كبير من السائحين، فى حين أنه لم يكن يوجد في مصر سوى صحيفة إنجليزية يومية واحدة، وأخرى أسبوعية وكلاهما حكوميتان تلتزمان بالرأي الرسمي، فقررنا أن نطرح الخيار للقارئ من خلال صحيفتنا التي نطبعها في مصر، صحيفة «ديلي ستار»، تغطي خدمتنا الأخبار العالمية والمحلية والإقليمية في نفس الوقت، حتى لا يشعر السائح، الذى اعتاد قراءتها في بلاده، باختلاف عند قراءتها في القاهرة. ونتعامل مع الاخبار والمعلومات بنفس القيم التي يتم بها التعامل معها في الطبعة الدولية، ولا نواجه صعوبات مع الجهات الحكومية، لأننا صحيفة دولية لا تسعى للاثارة ولكن لتقديم الخبر الصحيح والجميع يعلم ذلك ويساعدنا». الدكتور «فاروق أبو زيد» العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أكد أن دور القاهرة كمركز لتغطية أخبار المنطقة، ثابت منذ الحرب العالمية الثانية، حين كانت مصر في بؤرة صناعة الاحداث في المنطقة، إلا أن الحال تغير في حقبة حكم الرئيس جمال عبد الناصر(1952- 1970)، حيث تقلص هامش الحرية ،فهربت المكاتب الاعلامية بما فيها من صحافيين الى بيروت، ولكنها عادت مرة أخرى عام 1975، مع اندلاع الحرب الأهلية فى لبنان، والتى تزامنت مع الانفتاح الذي ظهر فى عصر الرئيس السابق أنور السادات (1970-1981). وأضاف أبو زيد أنه على الرغم من كل ما يقال عن القيود الاعلامية الممارسة على عمل تلك المكاتب، الى جانب ارتفاع التكلفة المادية التي تتكبدها للحصول على الخدمة الصحافية بعد بروز كيانات العواصم العربية الأخرى مثل دبيوبيروت، إلا أن المكانة الإعلامية للقاهرة ثابته ولها أسبابها الموضوعية. فعلى سبيل المثال، الموقع الجغرافى الفريد الذي تتميز به مصر، وتوفر بنية تكنولوجية حديثة تسهل عملية نقل الأخبار، سواء الصحافية أو التلفزيونية، إلى جانب قدر لا بأس به من هامش الحرية الذي يتيح التعامل مع الأخبار والمعلومات رغم بعض القيود، إلا أنه ما زال أكبر من المتاح في بعض الدول العربية الأخرى. ولكن على الحكومة المصرية منح المزيد من التسهيلات للصحافة الأجنبية المرئية والمقروءة، فالعالم صار قرية صغيرة يتم فيه تناقل الاخبار بسرعة البرق، والاعلامي يرغب في الحصول على أقصى قدر من الحرية، وأكبر قدر من المعلومات المتاحة كي يستطيع تأدية عمله كما ينبغي.