القاهرة مازالت وستظل هى الساحة الرسمية لممارسة حرية الإعلام عبر شاشة القنوات الفضائية، وقضايا الشارع المصرى هى وقود المعارك التى تتبناها البرامج الأكثر جماهيرية على القنوات العربية، البعض يرى ذلك من زاوية أن مصر هى قلب العروبة وهى مركز النشاط الإعلامى فى منطقة الشرق الأوسط، فيما يرى آخرون أن هذه البرامج تعمد إلى نشر غسيل المصرين على الملأ، وأن تلك القنوات لا تمارس الحرية إلا على الأرضى المصرية، وأن مشكلات باقى العواصم العربية وأزماتها ليس لها أى ظلال فى برامجها. أيمن جاب الله: جرأة الجزيرة جعلتها مرفوضة من الدوحة يقول الإعلامى أيمن جاب الله نائب رئيس تحرير قناة الجزيرة: «الحدث هو الذى يحرك وسائل الإعلام، وأينما كان الحدث نتحرك نحوه، وزيادة نشاطنا فى القاهرة وغزة ورام الله وبيروت يرجع لحالة الحراك السياسى أو الأحداث المتلاحقة التى تشهدها هذه المدن المهمة». ويبرر التركيز على الأحداث المصرية، بقوله: «نحاول إيجاد حالة من التوازن فى ضوء إمكانية الحصول على المعلومات من مصادرها، وفى المنطقة العربية يواجه الإعلامى مشقة كبيرة فى الحصول على المعلومة، ويتعرض المراسل للتضليل من جانب بعض المسئولين الذين لا يعترفون بقيمة الإعلام، ويرون فيه قوة مناوئة لسلطاتهم، ولذلك لا تكون لديهم الرغبة فى التعاون معه». وأضاف جاب الله: «عندما تغلق سبل الحصول على المعلومات من مصادرها الحكومية يلجأ المراسل للاجتهاد ليؤدى دوره، ويعتمد على أطراف أخرى منها مؤسسات المجتمع المدنى ونشطاء العمل الأهلى وأحزاب المعارضة، ومن هنا فإن العواصم التى تشهد مناخا من الديمقراطية والحرية، تكون أكثر نشاطا إعلاميا عن غيرها، ولذلك نجد أن لمصر والمغرب والسودان وجودا كبيرا على شاشة الجزيرة». وتابع جاد الله: «المسألة مرتبطة بوجود حالة من الحراك السياسى للأطياف المختلفة». وأشار إلى الصعوبات التى يواجهها الإعلام فى منطقة الخليج بالقول: «إنها دول محافظة يصعب فيها الحصول على المعلومة التى يمكن استخدامها فى سياق تناول إعلامى سواء من الجانب الحكومى أو من جانب المعارضة وهيئات المجتمع المدنى، وجرأة الجزيرة تجعلها غير محببة لدى بعض المجتمعات العربية». راندا أبو العزم: مساحات الحرية تتفاوت بين العواصم وفى القاهرة تقول الإعلامية راندا أبو العزم مديرة مكتب قناة العربية: «المسألة نسبية، فتعامل العواصم العربية مع الإعلام وحريته أمر يتفاوت من عاصمة لأخرى». وترى أن بيروت هى أكثر العواصم تقبلا لحرية الإعلام، وأن الشاشة اللبنانية تعرض توجهات وآراء تيارات عديدة ومختلفة، وترجع ذلك لتركيبة المجتمع اللبنانى الذى يضم أطيافا عديدة. أما مصر فهى دولة محورية وتحظى باهتمام كبير من جانب شعوب المنطقة، فهى أكبر دولة عربية سواء من حيث تعداد السكان أو التأثير، وتضم اكبر تعددية، وما يحدث فى مصر يعد مؤشرا لما يقد يحدث فى باقى دول المنطقة، وعلى قدر أهمية مصر يكون اهتمام الفضائيات العربية بما يحدث فيها. وقالت راندا أبو العزم إن هناك عواصم عربية بدأت تأخذ طريقها لمزيد من حرية الإعلام ومنها الكويت التى بدأت تطرح موضوعات على شاشات التليفزيون كانت محظورة من قبل، مثل الخلافات داخل البرلمان، وبعض مشكلات المجتمع، وقالت إن القنوات الفضائية بدأت تتعامل مع الأحداث فى الكويت عندما تكون تلك القضايا فى دائرة اهتمام المواطن العربى، وذكرت منها حادث حريق الفرج الذى ارتكبته زوجة بدافع الغيرة على زوجها. وقالت إن المجتمع السعودى بدأ يتخلى عن تحفظه فى طرح مشكلاته فى الإعلام، وهناك حالة من الانفتاح بدأت تطل بعد أن سمحت الدولة بمساحة من الحرية لعمل الإعلام. وأشارت إلى أن الحكومات العربية ستكون مجبرة على اتخاذ خطوات نحو مزيد من حرية الإعلام بسبب الطفرة التكنولوجية والتى جعلت الأخبار تنتقل على الهواء عبر شبكة الإنترنت، إلى كل نقطة على خريطة العالم بالصوت والصورة، مستشهدة بالمظاهرات الإيرانيين بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وقالت أنها لو حدثت فى الستينات لما عرفنا عنها شيئا ولاستطاعت الحكومة التعتيم عليها تماما. عمرو عبدالحميد: الكاميرات تهدد أمن الدولة! يرى الإعلامى عمرو عبدالحميد مراسل ال«بي. بي. سي.» بالقاهرة أن مساحة الحرية لممارسة العمل الإعلامى فى مصر تشهد انفراجة، وان الانفتاح فى السياسات الإعلامية بشكل فجائى، أتاح حرية مشوبة ببعض الحذر من المؤسسات الحكومية التى لم تعتد بعد على هذه الحرية، وفى هذا الجو يمارس الإعلاميون عملهم فى حدود هامش الحرية الذى يتيح لهم العمل بطريقة معقولة، ولكن فى إطار محاذير وعوائق قد تواجهه أثناء ممارسة العمل. ويذكر عمرو عبدالحميد من تلك العوائق، منع الكاميرات من التصوير فى الشوارع إلا بموافقة من الجهات الأمنية، وذلك رغم حصول المراسلين موافقة من المركز الصحفى بممارسة العمل الإعلامى داخل حدود الدولة، ولكن الأمن يتعامل مع الكاميرات فى الشارع كما لو كانت قنابل أو سلاح يمكن استخدامه ضد مصالح الدولة. وأشار مراسل ال «بى. بى. سى.» إلى أن هذا التصريح غالبا ما يكون عائقا أمام نزول الكاميرات لموقع الحدث وتغطيته إعلاميا، وهو الكارت الذى يمكن للحكومات أن تستخدمه ضد أى القنوات التليفزيونية وتعتبره إجراء روتينيا ليس له علاقة بتكبيل حرية الإعلام، وهو غالبا النظام المتبع مع وسائل الإعلام فى معظم العواصم العربية. فيما أكد عمر عبدالحميد أن مصر تعد أكثر العواصم العربية انفتاحا، بالإضافة إلى أن المجتمع المصرى أكثر المجتمعات العربية تقبلا لممارسة الإعلام لحريته واشتباكه مع كل القضايا، حتى الخاص منها مثل قضايا شوبير ومرتضى منصور وأيمن نور . ويرى أن الاهتمام بأحداث القاهرة أكثر من غيرها من العواصم العربية ينبع من أن القاهرة أكبر مركز للأحداث فى المنطقة، والاهتمام بها من وجهة نظره أمر طبيعى. عاطف العبد: يتعمدون الإثارة على حساب الصنعة ويؤكد الدكتور عاطف العبد رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة أن هناك سوء استخدام لحرية الإعلام، وأن القنوات التليفزيونية لم تستخدم هامش الحرية المتاح لخدمة المجتمع، وإنما وظفت الشاشة لخدمة المؤسسات الإعلامية التى حققت مكاسب على حساب المشاهد، وذلك بدخولها فى منافسات فيما بينها على الفرقعات الوهمية لخدمة الإعلان . ويرى العبد أن المنافسة لم تكن على الصورة الايجابية، وإنما اعتمدت وبشكل مبالغ فيه على الصورة السلبية فى المجتمع، واستغلال ذلك فى لفت نظر الجمهور الذى يمثل فى حسابات القنوات الخاصة أرقام يمكن تحويلها أموال عبر الاتصالات التليفونية والإعلانات التى تبحث عن أكثر القنوات من حيث نسبة مشاهدة، ومن هنا تمثل مصر بمجتمعها البالغ تعداده 80 مليون نسمة سوقا رائجة لهذه القنوات. وقال :«القنوات المصرية الخاصة، قنوات تجارية، تبحث عن الربح، وتتخذ من الإثارة منهجا لها،فجاء تناولها سطحيا، ولم تركز على العقل العربى، ولم تقدم ما يساهم فى بناء الأمم وتقدمها»، مستشهدا بإغراق الناس فى القضايا الخاصة بالمجتمع المصرى، وهى القضايا التى يتم طرحها فى إطار الظاهرة، ويتم تناولها من أوجه مختلفة بما يفتح الباب أمام لغط كثيف، وبدلا من أن يلعب الإعلام دورا فى حل القضايا، يزيد هذا التناول العشوائى تعقيد المشكلات. ويرجع الدكتور العبد اعتماد القنوات العربية على القضايا والمشاكل المصرية إلى أن المجتمع المصرى يعد أكثر انفتاحا وتقبلا للإعلام وإن الناس تريد أن تعبر عن آراءها فى ظل مساحات الحرية المتاحة والتى تفتقدها الكثير من المجتمعات العربية. السفير محمود شكرى: فتش عن «البيزينس» يؤكد السفير محمود شكرى على عبثية الوضع الراهن، واستخدام الإعلام للإثارة كمبدأ أساسى فى تناول كل القضايا المطروحة على الشاشة، وقال أن إعلامنا الخاص انكفأ على مناقشة القضايا المحلية وغرق فيها باعتبارها موضوعات شهية، ولم يمارس دوره فى الخارج فى تقديمنا للعالم وعرض وجهة نظرنا فى القضايا المطروحة على الساحة العالمية، ودخلت القنوات فى منافسة على تقديم القضايا شديدة المحلية لأهداف تجارية، بينما تبعتها قنوات عربية خصصت مساحات لأحداث مصر لتأخذ نصيبها من كعكة الإعلانات. وأضاف السفير محمود شكرى أن أهم البرامج وأكثرها انتشارا على شاشة قنوات أوربت هو ما يقدمه عمرو أديب وجمال عنايت من القاهرة، وأشار إلى اعتماد قناة الجزيرة بشكل كبير على الأحداث الجارية فى مصر، والاستفادة من الخبرات المصرية والعقول المصرية من المفكرين والمحللين السياسيين المصرين الذين تقدم لهم المغريات ليكونوا ضيوفا على شاشتها. وقال إن القضايا الداخلية فى معظم الدول العربية لا تعد أخبارا تهم القاعدة العريضة من جماهير الوطن العربى عكس التعامل مع القضايا المصرية التى تلقى صدى كبيرا مهما كانت نوعية هذه القضايا، وأشار إلى أننا فى مصر نمتلك شجاعة كبيرة فى تناول القضايا الداخلية بينما لا نقدم قضايا العواصم العربية الأخرى بنفس الشجاعة. وأكد أن القنوات المصرية دخلت منافسات على المسلسلات ومباريات كرة القدم وتركت دورها فى معالجة القضايا المهمة خصوصا فى المحيط الخارجى.