عمر محسن، هو أحد شهداء مذبحة بورسعيد الإجرامية البشعة. شاءت الظروف أن أقترب من قصة الشهيد عمر محسن، هذا الشاب الجامعي المتفوق والرياضي والناشط السياسي والاجتماعي، الذي لم تجف دماؤه البريئة بعد، وأن أبكي مع أسرته المكلومة، وأهتف مع زملائه ورفاقه الغاضبين والثائرين، ذلك عندما جاءت عائلته الكريمة مساء يوم السبت الماضي، إلى قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة الأمريكية، في التجمع الخامس، لحضور حفل تخرج دفعة جديدة تحمل اسم الشهيد عمر محسن، وتتسلم شهادة تخرجه، من قسم الاقتصاد، مع حصوله على كأس التفوق الدراسي. أما الميدان، فهو ميدان التحرير، قلب الثورة النابض، ورمزها، الذي تعرض ويتعرض كل يوم هو الآخر لمحنة ولمذبحة معنوية وإجرامية بشعة، على أيدي عصابة منظمة وممنهجة، تعيث في الأرض فسادا، هي نفسها التي ضبطت متلبسة في جريمة التأديب والتهذيب والترويع للمصريين في استاد بورسعيد، وهي نفسها التي أسالت دماء الأبرياء من المصريين في العباسية وأمام ماسبيرو وفي شارع محمد محمود وعلى أعتاب مقر مجلس الوزراء، وهي نفسها أيضا التي تطارد شباب الثورة، وتاج رأسها، ورمزها، وأنبل ما أنجبت مصر. تدهورت الأحوال بميدان التحرير ليصبح بكل أسف وأسى مظهرا للإهانة والمطاردة والترويع والسطو المسلح والسرقة والقتل، أملا في الإجهاز على ما بقى من سمعته المضيئة، ولمحو ما تبقى فيه من رائحة الثورة والثوار الشرفاء، ولتبقى الثورة المصرية وغيرها ممن سبقها ولحقها ضمن ما يسمى بالربيع العربي عبرة لمن يعتبر، مع التحذير القاتل منها إلى كل من تسول له نفسه للحاق بعربة التغيير من الشعوب العربية المغلوبة على أمرها، أنه مكتوب على جبينه وبالخط العريض ممنوع "الاقتراب أو التصوير" أو المساس بالعروش الفاسدة المستبدة. في حفل تخرج دفعة الشهيد عمر محسن، امتزجت دموع الحزن واللوعة على فراق الأحباب، مع فرح وزغاريد العائلات بتخرج أبنائهم، مع هتافات الطلاب والرفاق والأصدقاء، المدوية في القاعة، والمعبرة بكل صدق وإخلاص وحماس عن الإصرار على المضي قدما، ومهما تكن التضحيات، لاستكمال ثورة الشعب المجيدة، وحتى تتحقق أهدافها المتمثلة: في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، مع ضرورة القصاص لدماء الشهداء، وتطهير البلاد من جذور النظام الفاسد المستبد، وتسليم السلطة لحكم مدني، وإقامة الدولة الديمقراطية الحديثة. فرق شاسع بين الأحاسيس الثورية الهائلة والشبابية المبهجة، التي شعر المرء بها في القاعة الكبرى لحفل تخرج دفعة الشهيد عمر محسن، وبين غيرها من الأحاسيس والمشاعر المحبطة والمدسوسة والمسربة والمرددة، بكل خسة ولؤم، في الجلسات العامة للمجالس النيابية، وفي المنتديات الخاصة، وفي الفضائيات، بطريقة شيطانية منظمة وممنهجة أملا في إلهاء الناس عن القضايا الرئيسية، وإشغال الجمهور في معارك فرعية وسطحية ووهمية، وإبعاد اهتماماتهم عن القضايا الرئيسية، وفي النهاية، خلط الأوراق وإضاعة الحقوق والالتفاف على أهداف الثورة واستحقاقاتها العاجلة والآجلة. كان من الواجب ومن المحتم على إدارة المرحلة الانتقالية أن تعطي الاهتمام الكافي بميدان التحرير باعتباره أحد إستحقاقات الثورة العاجلة، وحتى لا يتحول رمز الثورة إلى أسوأ المناطق العشوائية في مصر، كما جاء على لسان أحد الخبراء الاستراتيجيين، الشامتين في الثورة والثوار. منذ نحو عام، وبالتحديد في 24 مارس الماضي، كتبت في "الأهرام" مطالبا إدارة المرحلة الانتقالية بضرورة الاهتمام والعناية بميدان التحرير باعتباره رمزا للثورة ومقصدا للزائرين. طالبت وقتها بضرورة الانتهاء السريع من الأعمال الإنشائية القائمة على أرض الميدان، ودعوت إلى الاستعانة بالأصدقاء الصينيين لمساعدتنا في التطوير والإنجاز، وليصبح الميدان مماثلا لأكبر الميادين في قلب بكين، وهو ميدان "تيان آن مين". مرت الأيام والشهور، وبدا على المشهد بكل أسف وأسى أن الروح الانتقامية من ميدان التحرير (وليس الانتقالية) هي السائدة وصاحبة الكلمة العليا، للدرجة التي جعلت الشاعر الكبير بخيت بيومي يبعث إلى ميدان التحرير برسالة يقول فيها: "المذكور أعلاه.. بعد ما كان مسرحا للعدالة والحرية.. أصبح لوكاندة للعواطلية والبلطجية". بل إن كاتبا كبيرا في نيويورك تايمز، اسمه "تيم سيباستيان"، كتب تحت عنوان كلام فارغ عن ميدان التحرير قائلا: ".. حتى السمو الأخلاقي يبدو أنه حزم أمتعته ورحل عن ميدان التحرير إلى مكان آخر.. ورحل معه أفضل وأشهر المرشحين للرئاسة.. وهو محمد البرادعي". نقلا عن جريدة الأهرام