بدأ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي زيارة للجزائر وتونس تستغرق نحو 48 ساعة هي الاولى على جدول تحركاته الدبلوماسية خارج القارة الاوروبية، وأوضحت أوساط قصر “الإليزيه” قبل أيام، أن ساركوزي أراد من هذه الالتفاتة التأكيد على خصوصية العلاقات والروابط التاريخية ما بين المغرب العربي وفرنسا. وباستثناء موضوع مشروع “الوحدة المتوسطية” الذي يرغب ساركوزي في عرضه على الرئيسين الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والتونسي زين العابدين بن علي فإن جدول أعمال الزيارة لا يخرج عن المجاملات العامة وإبداء حرص الحكم الفرنسي الجديد على استمرار التعاون الخاص الذي يربط فرنسا بمنطقة المغرب العربي واستعداده لتعزيز الروابط وفتح صفحة جديدة في ما يخص القضايا المعلقة. وعلى ما يبدو فإن باريس ليست جاهزة اليوم للذهاب إلى ابعد من ذلك فالحكم الجديد يركز اكثر على الملفات الداخلية والاوروبية ويحتاج الى بعض الوقت لمراجعة علاقات فرنسا الأخرى. وقوف باريس عند هذا الحد وعدم الدخول في العمق لم يعتبر لدى بلدان المنطقة كافيا وبرز ذلك على نحو خاص في الموقف المغربي من الزيارة فقبل يومين فقط من الشروع بها اعتذرت الرباط عن استقبال الرئيس الفرنسي وطلبت تأجيل زيارته الى وقت لاحق والسبب في ذلك الى ان المغرب كان يريد من الزيارة ان تكون مناسبة لبحث قضايا ثنائية كثيرة التي تتعلق بالتبادل الاقتصادي وحركة العمالة والهجرة وتنقل المواطنين لهذا طلب أن تكون المدة المخصصة لها اطول وان يجري تحضير الملفات على نحو مسبق وبطريقة مدروسة. أما بالنسبة للجزائر فالمسألة مختلفة إلى حد ما فعلاقة ساركوزي مع الرئيس بوتفليقة تبدو في صحة جيدة وقد التقاه مرات عديدة اعتبارا من 2002 وكانت آخر مرة في نوفمبر الماضي بعد اعلان ترشيح ساركوزي رسميا للرئاسة الفرنسية. وتبدو حتى الآن امكانية تفاهم بوتفليقة مع ساركوزي أكبر منها مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الذي حاول على مدى سنوات ان يفرض على الجزائر توقيع “اتفاقية صداقة” بشروطه. أما ساركوزي فهذه القضية غير مطروحة في الوقت الحاضر لأنه على الأقل لا يستطيع الوفاء بشروط الجزائر في ما يتعلق باعتذار فرنسا عن ماضيها الاستعماري وتصحيح المناهج الدراسية الفرنسية وإلغاء القوانين التي تمجد استعمار الجزائر. وقد وجد ساركوزي طريقة تخلص لبقة من خلال القول ان الصداقة تكمن في الافعال وليس على الورق وبالتالي هو يفضل توقيع العقود الاقتصادية والاتفاقات الأمنية والدبلوماسية التي تعزز التعاون في مجالات مكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية على اتفاقات الصداقة التي تبقى حبرا على ورق. وعلى الرغم من الطابع الرمزي للزيارة فإن ملفات ألقت بثقلها بقوة ومن ذلك التعاون النووي السلمي وإمكانية البحث في اتفاقات جديدة تتعلق بتصدير الغاز الجزائري الى فرنسا. وفي ما يخص النقطة الأولى فقد سبق أن طرح ساركوزي على الجزائر في صورة اساسية، في حملته الانتخابية، مشروعا للتعاون في الميدان النووي السلمي وأبدى استعداد فرنسا تزويد الجزائر بالتكنولوجيا الخاصة في هذا الميدان ومن دون شك فإن هذه القضية مهمة بالنسبة للجزائر ولكن الجزائر في جميع الاحوال ليست في موقع المضطر الذي سوف يقبل العرض الفرنسي من دون تردد لأنها كانت قد بدأت تعاونا نوويا سلميا مع الولاياتالمتحدة ووقعت معها عقدا في الآونة الأخيرة.