فيما يشبه الرهان أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك اليوم الاثنين فى خطوة تاريخية شجاعة الموافقة بالإجماع على خطة إنقاذ اليونان من أزمة الديون حفاظا على عضويتها فى منطقة اليورو، وكذلك الحفاظ على اليورو كعملة قوية في الاقتصاد العالمي. وأعربت دول الاتحاد الأوروبي عن استعدادها للمضي قدما نحو برنامج آلية الاستقرار الأوروبية لليونان من أجل إصلاحات جادة ودعم مالي، وبدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل واثقة من الحصول على موافقة البوندستاج الألماني على الاتفاق، فيما وصف فرانسوا أولاند الرئيس الفرنسي الاتفاق بأنه خيار شجاع من رئيس الحكومة اليونانية، وأن فرنسا سعت خلال الأسابيع الماضية للابقاء على اليونان داخل مجموعة اليورو. ويتيح الاتفاق حصول اليونان على برنامج مساعدات ثالث، مما يضمن بقائها في منطقة اليورو بعد مفاوضات عسيرة تواصلت حتى ساعات متأخرة من الليلة الماضية .. اتفاق وضع نقطة النهاية فى فرضية خروج اليونان من منطقة اليورو وتلاشت معه سيناريوهاتها، ولكن يبقى الخطوات الاكثر جرأة وحساسية والتى يتحتم على الحكومة اليونانية اتخاذها مما قد لايكون لها صدى جيد فى الشارع اليونانى. رهان بين طرفين "اليونان ودول الاتحاد الأوروبي".. لا يعلم أحد من الفائز فيه حتى الآن، فالدول الدائنة أكدت أنه لا يمكن إزالة الديون التي تكبدتها اليونان، وعلى الطرف الأخر يقبع الاتفاق الاخير الذى يعد صعبا لاثينا حيث قدم رئيس الوزرء تسيبراس تنازلات كبيرة تخالف تماما الوعود التي وعدها للشعب اليوناني من عودة الكرامة وإنهاء معاناتهم مع التقشف، مما قد يطيح بمستقبله السياسى داخل البلاد، ليس هذا فقط وانما عليه ايضا ان يجرى تعديلا داخل حزب سيزا اليسارى الراديكالى الذى خسر عدد من اعضائه بسبب الاستفتاء الاخير " لا اليونانية "والذى رفض بموجبه الشعب اليونانى بنسبة 60 % مطالب وشروط الدائنين . حينما طلبت الحكومة اليونانية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضا لمساعدة اليونان على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد وكانت معدلات الفائدة على السندات اليونانية قد ارتفعت إلى معدلات عالية نتيجة مخاوف بين المستثمرين من عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها لاسيما مع ارتفاع معدل عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين العام، هددت الأزمة اليونانية استقرار منطقة اليورو وطرحت فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية إلا أن أوروبا قررت تقديم المساعدة إلى اليونان مقابل تنفيذها لإصلاحات اقتصادية واجراءات تقشف تهدف إلى خفض العجز بالموازنة العامة. بعد مفاوضات عسيرة تواصلت أسابيع قررت منطقة اليورو بالإجماع بدء مفاوضات من أجل منح اليونان خطة مساعدة ثالثة بعدما وصل البلد على شفير الخروج من منطقة اليورو، حسب ما أعلن رئيس مجلس أوروبا دونالد توسك صباح اليوم الاثنين، وكتب توسك بعد مفاوضات ماراثونية استمرت 17 ساعة على موقع تويتر "أن قمة منطقة اليورو توصلت إلى اتفاق بالإجماع , كلنا مستعدون لبرنامج مساعدة لليونان عبر آلية الاستقرار الأوروبية، مع إصلاحات جدية ودعم مالي". واستمرت المفاوضات طوال الليل وحتى صباح اليوم من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق الذي اعطي الضوء الأخضر السياسي لإطلاق مفاوضات حول خطة مساعدة ثالثة لليونان بقيمة تقدر ما بين 82 و86 مليار يورو على ثلاث سنوات. وكانت مشكلة الديون السيادية اليونانية قد تحولت فى اقل من عامين إلى أزمة حادة، تكاد تعصف بالنظام الاقتصادي والسياسي لهذه الدولة، وتثير مخاوف متصاعدة حول مستقبل العملة الأوروبية الموحدة، واستمرار مشروع الوحدة الأوروبية ذاته، كما تمتد تداعياتها لتهدد باندلاع أزمة مالية عالمية جديدة، تفوق في قسوتها أزمة عام 2008. وهناك ما يشبه الإجماع بين المحللين على أن تفاقم الأزمة اليونانية جاء لأسباب سياسية في الأساس، فقد أوضح عالم الاقتصاد جوزيف ستيجلتز، أن الاقتصاد الأوروبي، الذي يبلغ حجمه 16 ألف مليار دولار، يستطيع استيعاب عبء الدين اليوناني بأكمله، إذا توافرت الإرادة السياسية، ويمكن أن يتحقق ذلك عن طريق سندات يطرحها البنك المركزي الأوروبي، مدعومة من كل الحكومات الأوروبية, توفر دعما ماليا لليونان بفوائد منخفضة، تمكنها من التعامل مع مشكلة الديون بشكل أكثر عملية وأقل تكلفة على المستوى الاجتماعي والسياسي. لكن حكومات الدول الأوروبية الأكثر ثراء لم تبد استعدادا لتقديم مثل هذا الدعم الواضح، والذي يلاقى معارضة شعبية على المستوى الداخلي، في ظل تزايد الإحساس "بعدم الثقة" في المؤسسات الأوروبية لدى العديد من الشعوب، خاصة المانيا، ورفض هذه الشعوب تحمل التبعات المالية لدعمها، لذلك أصرت حكومات هذه الدول على أن تتخذ الحكومة اليونانية إجراءات تقشفية حادة، أدت إلى تراجع في النمو الاقتصادي، وبالتالي تناقص دخل الدولة، وتراجع قدرتها على الوفاء بمتطلبات الدين، وكان لهذه الإجراءات تداعيات اجتماعية شديدة، أدت إلى تصاعد الغضب الشعبي، واندلاع الإضرابات والمظاهرات التي تهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي، والمفارقة أن تصاعد الأزمة اليونانية سوف تكون تكلفته الاقتصادية على أوروبا والعالم أكبر بكثير مما لو كانت الدول الأوروبية قد قدمت الدعم المالي المناسب في الوقت المناسب.