الجمهورية 12/11 /2007 دروس التاريخ وصفحاته هي دوما المرجع لمن يبحث عن الحقيقة.. ويتنبأ بتطورات الأحداث باستخدام القياس واستنباط المتغيرات.. واستلام لحظات القوة والضعف في بنيان الأمم.. مع الأخذ في الاعتبار استحالة استصدار أحكام الماضي علي ما يحدث الآن.. فإذا كان الهدف الاستراتيجي لا يتغير إلا أن رؤية التوصل إليه وواجبات تحقيقه لا يمكن أن تنقل بالنص من مشروع إلي آخر.. ووسط الدوامة التي يعيشها العالم.. وتقودها الولاياتالمتحدة بمحافظيها الجدد والجماعات المنضمة إلي مجموعات ضغط "لوبي" ذات سراديب مختلفة ولمصالح عرقية أو توسعية.. وتهديد لبعض وتأييد ودعم للبعض الآخر.. نجد أن الأراضي الأمريكية هي دائما مستودع الأخبار والأسرار سواء بما يعتقد العم سام ضرورته لتحقيق استراتيجية القوي التي حلم بها منذ أيام الاستقلال أو لوجود بيت شئون العالم في مدينته العملاقة نيويورك.. والتي اكتفت باحتضان تمثال الحرية.. وفتحته للزيارة السياحية.. وحاولت بمساعدة أساتذة من بقايا الامبراطورية البريطانية.. الحصول علي تصريح بالقتل من جانب الأسرة الدولية المجتمعة في مبني الأممالمتحدة ومؤسساتها في نيويوركالجديدة وتغليف هذه التصاريح بعبارات ساخنة ومتحمسة.. مثل مواجهة الإرهاب والقضاء علي خلايا القاعدة.. أو مخازن سلاح الدمار الشامل أو مواجهة ثالوث الشر. فمن المؤكد ان الامبراطورية الأمريكية طفت علي سطح بل قمة النظام العالمي.. وهي تمتلك عناصر القوة المتكاملة الاقتصادية والبشرية والطبيعية وهي قوة يتأثر بها العالم صعودا هبوطا.. فإذا شهدت بورصة وول ستريت يوما أسود.. هاجمت السحابة السوداء مواقع القرار الاقتصادي في العالم.. وان حقق الاقتصاد الأمريكي نتائج مبهرة.. امتدت الدائرة إلي المناطق المرتبطة به وشهد سكانها رخاء وانتعاشا.. ومن هنا فقد أصبح خط سير الدولار.. صعودا وهبوطا.. أسعار فائدة عالية أو مخفضة تجعل مسئولي البنوك المركزية المرتبطة بالأخضر في اجتماعات مستمرة لمقاومة الدولرة وهو الأمر الذي لم تعرفه البشرية طوال رحلتها مع حضارة السبعة آلاف عام.. إلا في القرن التاسع عشر عندما تحولت البلدان المحتلة إلي مجوهرات في التاج البريطاني أو الفرنسي أو البلجيكي أو الإيطالي واعتبرت جزءا من بنيان هذا التاج اقتصاديا وسياسيا.. ونذكر كيف كان احتياطي الذهب المصري محفوظا في البنك المركزي البريطاني ومحصول القطن يعرض أولا علي محالج لانكشير.. وان لم يمنع هذا الارتباط أن يكون الجنيه المصري أعلي سعرا من الاسترليني. منذ الاستقلال الأمريكي نستطيع القول إن عقدة المحيط والعزلة.. كانت أهم ما يميز الشخصية الأمريكية التي ناضلت كثيرا للانصهار داخل وطن بكر.. مساحته قارة بأكملها تقريباً.. حرص المهاجرون من أوروبا بعد اكتشاف العالم الجديد علي أن تكون بلادهم بالفعل كذلك وأن يبدأ البناء برفض ما يمكن رفضه في بلادهم الأم حتي ضريبة الشاي وجاءت الجاليات من إيطاليا وفرنسا وأسبانيا وانجلترا واليونان وأرمينيا.. وحتي الصين فيما بعد لتعمل في اتجاهين الأول الحفاظ علي تقاليدهم وكيانهم الخاص واعتبروه قدس الأقدس ثم المشاركة في تهيئة الكعكة علي النار للالتهام بمعني الانخراط في بناء وطن.. مترابط.. متحد.. يتطلع دوما للتقدم والمبادرة ولذلك لم يكن غريبا أن يتبع حرب الاستقلال الأمريكية حرب أشد وطأة اختلطت فيها الأهداف العسكرية والسياسية والعرقية وكانت المناسبة ان ملئت القدر.. بجنسيات صفراء وملونة وزنجية.. أراد لها رعاة البقر أن تكون لمواطنين بالدرجة الثانية بعد أن عجزوا عن اقتلاعهم من الجذور.. مثلما فعلوا مع الهنود الحمر "السكان الأصليين" وكان مستحيلا أن يكون ثوب بلاد الحرية ملوثا ولو ظاهريا باستغلال واذلال هؤلاء الذين اختطفوا من أراضيهم الأصلية.. أو ركبوا الأمواج من الساحل الآسيوي في هجرة عائلية لكنها غير شرعية وبعد أن كاد الانقسام يقع بين الشمال والجنوب حول قضية العنصرية.. نجح الشمال في كسب الحرب.. ليعلن الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن.. الدستور الاتحادي الذي يحمل المساواة.. كما يحمل الدولار التأكيد علي الإيمان بالله.. وسمح المجتمع الليبرالي لأصحاب المطاعم بتعليق لافتات ترفض دخول السود والكلاب "باعتبار ان ذلك يدخل ضمن احترام حريتهم الشخصية" وبالإضافة للجماعات الإرهابية كاكلو كلوكس تلان.. تعددت جمعيات ومنظمات التسامح وفتحت الأبواب للزنوج خاصة بالامتهان بأرفع المهن.. ولا ننسي قوة الإبداع والتحدي داخل هذه الجماعات المهمشة ونتائجها الاسطورية في الرياضة والأدب والثقافة والفنون وفي النهاية فقد حسمت المحاكم الاتحادية أمورا عديدة. والواقع ان العزلة نجحت في حماية ثروات الشعب الأمريكي.. خاصة وأن الأرض مازالت بكرا مليئة بالثروات والخيرات.. كما أن المواطن الأمريكي اكتفي بتقديم قوته للعالم واستعراض ما بداخل الحياة الأمريكية من إبهار وإعجاز.. ليصبح الحلم الأمريكي أملا تتصارع علي تحقيقه شعوب عديدة تسعي للخطوة الأولي للنهوض بالمستقبل ولم يطالب أحد الأمريكيين بحضارة الأجداد طالما هم قادرون علي أضخم الإنجازات وبناء أكبرالمشروعات.. ولهذا الغرض ظلت الولاياتالمتحدة دولة مغلقة الأبواب ولم تتدخل في حروب ثنائية واقليمية.. وحتي بعد أن أيدت دول الغرب في الحرب العالمية الأولي ضد الألمان والأتراك والإيطاليين.. اكتفت بإعلان الرئيس ويلسون عن ضرورة منح الحرية والاستقلال للشعوب المستعمرة.. في حين أعلن اللورد بلفور وزير الخارجية البريطانية وعده الشهير بضمان ولمن قومي لليهود في فلسطين.. كانت الشرارة الأولي لقيام دولة إسرائيل.. ورغم مشاركتها الفعالة في الحرب العالمية الثانية.. إلا ان خسائرها من الجنود والمعدات كانت خارج القارة الأمريكية التي لم تنطلق فيها صفارة إنذار واحدة.. بينما سجل التاريخ لبلد الحرية انها أول من استخدمت القنبلة النووية لإنهاء الحرب عندما اطلقتها فوق هيروشيما ونجازاكي باليابان.. ولم يشعر الأمريكيون داخل الوطن بأي صورة للحرب الا من خلال التليفزيون الذي نجح في تعبئة الرأي العام ضد مغامرة وحشية في فيتنام.. ولم تحدث الصدمة الحقيقية الا من خلال ما جري في 11 سبتمبر 2001 من نسف لمركز التجارة العالمي في نيويورك وتهديد للبيت الأبيض والبنتاجون في واشنطن.. وهي الضربة التي كانت البداية للإعلان الأمريكي للحرب علي الإرهاب وتوجيه نخبة من الأسلحة وسيناريوهات القوة الغاشمة.. مغلفة بالفوضي الخلاقة إلي أفغانستان ثم العراق.. في شكل تحالف دولي تقوده الولاياتالمتحدة.. أو بالوكالة تحت عنوان "محاربة محور الشر" وكما ذكرت صحيفة "الشعب" الصينية عن ويسلي كلارك القائد الأعلي السابق للناتو في كتابه الجديد ان إدارة بوش كانت تخطط لقلب 7 حكومات في الشرق الأوسط قبل عدة سنوات وهي لبنان وليبيا والصومال والسودان والعراق وإيران وسوريا.. ولم تحقق من هذه الأهداف حتي اليوم سوي القضاء علي صدام حسين بثمن فادح.. ورغم اقتراب ولاية بوش الثانية من النهاية فمازال في مستنقع العراق.. واقتربت النفقات العسكرية الأمريكية من 400 مليار دولار والقتلي والجرحي إلي 30 ألفا يشكل أهاليهم عنصر ضغط متواصل علي إدارة بوش والمحافظين الجدد بالإضافة لأخطاء استراتيجية أخري.. مثل معارضة ما أطلقت عليه نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.. بإجماع من شعوب المنطقة. ان الديمقراطية رهن بظروف كل دولة.. ومن المستحيل استيرادها من الخارج.. بل وتراجعت الإدارة الأمريكية عن تأييد ما أفرزته الانتخابات في بعض الدول والمناطق العربية.. وتشير صحيفة الشعب هنا إلي ما حدث في فلسطين ولم ينته بصدام بين الإخوة في فتح وحماس التي فازت بلقب المنظمة الإرهابية بمرسوم أمريكي. وتشير الصحيفة إلي نتائج أخري لارتفاع سعر النفط الذي اقترب من سقف 100 دولار وكيف أن هذه الزيادات تزيد من امكانات إيران "التي تريد واشنطن وأد تجربتها النووية" وعززت نفوذ أهل الشيعة في العراق ولبنان وفلسطين.. بفضل الممارسات الأمريكية ضد سنة العراق واتهامهم بأنهم وراء المقاومة والعمليات المسلحة.. وتفقد الإدارة الأمريكية كثيرا من رصيدها القديم كواحة للحرية والعدالة.. وتصبح قيمة تمثال الحرية في جزيرة مانهاتن "شاهد عيان علي 11 سبتمبر" أقل كثيرا مما انفق عليها لإنجازها بهذا الشكل الكبير.. وليس من المصلحة الأمريكية المضي قدما في خطوات عداء للإسلام.. ونقلت الشعب عن أستاذ بجامعة أمريكية قوله.. ان عدد الإرهابيين الجدد الذين يزدادون كنتيجة مباشرة للسياسة الأمريكية أكبر بكثير من عدد الإرهابيين الذين قضت عليهم الولاياتالمتحدة.. وتتوقف الصحيفة الصينية عند استخدام بوش لعبارة الفاشية الإسلامية التي تجعل من الحرب الأمريكية ضد الإرهاب.. أرثا للفاشية وحربا صليبية جديدة كما أنها تتجاهل النضال المشروع ضد الاحتلال.. وتضع المقاومة في نفس السلة مع الإرهاب. لذلك فإن الفرصة الأخيرة لتحقيق نقطة مضيئة في ولاية بوش الثانية تتمثل في ان يجعل من مؤتمر الخريف.. ساحة حقيقية للتحرك لإقرار السلام وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة بعد أن استهلكت وماتت خريطة الطريق.. ويدافع عن المباديء التي عرفت بها الشعوب.. أمريكا الاستقلال والحرية.. وصححت من أخطاء الإدارة الأمريكية وفتحت آمال الاستقرار والتنمية أمام منشأ حضارات الإنسان. المزيد فى أقلام و آراء