فى إطار التطورات السياسة الراهنة التى تشهدها بنجلاديش، والتى تعيش فى ظل قانون الطوارئ منذ 11 يناير الماضى اعتقلت هذا الأسبوع رئيسة وزراء بنجلاديش السابقة وزعيمة حزب " رابطة عوامى " الشيخة حسينة على خلفية اتهامات بالقتل والفساد، وقد أثار اعتقالها انتقادات بالغة فى وسائل الإعلام البنجالية أمس بما فى ذلك تحذيرات من أن هذا الإجراء قد تكون له أثار عكسية على السلطات . وكانت الشيخة حسينة التى تولت رئاسة الوزراء فى بنجلاديش لخمس سنوات حتى عام 2001 والمُتهمة بالفساد خلال فترة رئاستها للحكومة نُقلت من منزلها فى العاصمة " داكا " إلى السجن فى الوقت الذى احتج فيه أنصارها، ولكن هذا الاحتجاج لم يستمر طويلاً إذ أن البلاد واقعة الآن تحت حكم الطوارئ الذى فرضته الحكومة المؤقتة التى يدعمها الجيش والتى تولت زمام الأمور فى يناير الماضى فى أعقاب اشتباكات قاتلة بين أنصار الشيخة حسينة وأنصار منافستها رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء التى تولت رئاسة الوزراء مرتين وتتزعم حزب " بنجلاديش الوطنى " . وكانت حكومة بنجلاديش المؤقتة قد قالت إنها تريد أن تنظف المجال السياسى من الفساد وتصيغ شكلاً أكثر نقاء للديمقراطية وتساعد على أن يحكم بنجلاديش سياسيون يتمتعون بالنزاهة، وقد وجهت كذلك اتهامات بالفساد لخالدة ضياء وكانت السلطات قيدت بالفعل حركتها هى والشيخة حسينة وتنفى الاثنتان تورطهما فى أى أخطاء وتقولان إن الاتهامات الموجهة إليهما لها دوافع سياسية، كما ألقت الحكومة القبض على أكثر من 170 شخصية سياسية رئاسية فى حملة لمُكافحة الفساد بينهم ابن خالدة . ويرى المراقبون أن اعتقال الشيخة حسينة زاد من احتمال اعتقال خالدة قريباً أيضاً، مما أثار تكهنات بأن الحكومة المؤقتة حريصة على إبعاد المرأتين عن السياسة فى الوقت الذى تستعد فيه البلاد لإجراء انتخابات بنهاية العام المقبل 2008، وكانت اللجنة الانتخابية فى بنجلاديش قد أشارت إلى أنها تضع مسودة للقواعد التى ستحول دون خوض من تجرى إدانتهم بجرائم الانتخابات لمدة ثلاث أعوام على الأقل . كما يرى المحللون إلى أن الكارثة الحقيقية التى أسفرت عنها فشل المرأتين اللتين تناوبتا حُكم البلاد على مدى عشرين عاماً تقريباً هى كتابة شهادة وفاة للتجربة الديمقراطية فى بنجلاديش التى يتجاوز عدد سكانه نحو 150 مليون نسمة، فبعد أن وصلت الخلافات بين الشيخة خالدة التى تولت الحكم عام 2001 بعد فوزها فى الانتخابات العامة والشيخة حسينة زعيمة حزب " رابطة عوامى " إلى طريق مسدود وأصبحت البلاد نهباً للمُظاهرات والاضطرابات تدخل الجيش فى يناير الماضى ليطيح بحكومة خالدة ويلغى الانتخابات التى كانت مُقررة فى ذلك الشهر . ويعتبر الكثيرون أن السيدتين اللتين تبادلتا السلطة منذ آخر انقلاب معسكرى فى عام 1991 مسئولتين عن هذه النتيجة المُخيفة التى وصلت إليها بنجلاديش، وقد ورثت المرأتان السلطة واحدة من والدها وهى الشيخة حسينة حيث كان والدها على مُجيب الرحمن أول رئيس لبنجلاديش بعد انفصالها عن باكستان عام 1971 حتى قتل على يد انقلابيين عام 1975، والثانية خالدة ضياء عن زوجها الجنرال ضياء الرحمن، ويقول المحلل الهندى " مانوجيت ميترا " إن هوس المرأتين بالتنافس على الحكم كلف بنجلاديش الكثير . ومن جانبه أشار رئيس أركان الجيش البنجالى الفريق معين أحمد أن البلاد يجب أن تحكم ثانية من قبل نظام منتخب ديمقراطياً، مُشيراً أن الديمقراطية السابقة ولدت الفساد وانتهكت حقوق الإنسان وشجعت على الجريمة مما يهدد وجود الدولة برمتها ومطالباً فى نفس الوقت بعدم العودة إلى نظام ديمقراطى انتخابى يتيح للفساد أن يستشرى ويسمح للحكم أن يعانى من غياب الأمن وانتهاك الحقوق ويشجع على الجريمة التى تهدد وجود الدولة . ومن ناحية أخرى أصدر الرئيس لاج الدين أحمد أوامره للجنة الانتخابات، بالتعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية، وصرحت اللجنة بأن الانتخابات القادمة لن تجرى ما لم تتم الإصلاحات الضرورية ومنها وضع قوائم جديدة للناخبين مع بطاقة هوية وصورة شخصية لكل ناخب ،وهذا الإجراء وحده يستغرق عامين على الأقل، وهى مدة طويلة ووقتها قد يُثار تساؤل حول شرعية الحكومة المؤقتة . بعض المراقبون يرون أن التشويه المستمر للسياسة والسياسيين يخلق وضعاً يجعل الشعب يقبل بالديكتاتورية العسكرية كأهون الشرين، لكن الجيش على ما يبدو غير مهتم بتولى السلطة ويُقال إن قادة الجيش يساندون محمد يونس الفائز بجائزة نوبل للسلام رغم أن محاولاته لإنشاء حزب سياسى باءت بالفشل. بنجلاديش تقف الآن فى مفترق الطرق فإما تتجه لطريق السياسية النظيفة واستعادة التمثيل البرلمانى الديمقراطى فى وقت قريب أو تسقط فى هوة الفوضى أو تعود للحكم العسكرى . 19/7/2007