تحيط الدراسات العليا في السنوات الأخيرة بعض اشكاليات التعلم والبحث حتي ان الخبراء أكدوا انها خرجت عن اطارها وأهدافها, فليست هناك استراتيجية في معظم الجامعات لهذا المجال أو خطط للنهوض بها, حتي اصبح الحصول علي الماجستير والدكتوراه من هدفه اللقب الأدبي دون اضافة حقيقية في المجالات البحثية وأصبح من يقدر علي تقديم المقابل المادي والمعنوي بكل أنواعه الاخلاقية واللا اخلاقية يستطيع ان يحمل لقبا جامعيا بالدكتوراه, وامتد الفساد إلي مناح عديدة إلي هذه المرحلة التعليمية مع صعوبة التكاليف والبحث مما كشف عن وقائع تمس التعليم العالي في الصميم, فضلا عن الارتفاع غير المبرر في المصروفات السنوية ما بين ألف والفي جنيه بما يعني إغلاق الطريق أمام الطلاب من شريحة المواطنين البسطاء. الدكتور سالم سلامة استاذ الأطفال بجامعة المنيا يؤكد ان الارتفاع بالمصروفات من300 جنيه لتصل إلي1300 جنيه فجأة جعل من الصعوبة علي الطلاب التقدم للدراسات العليا وهو مبلغ سنوي في حين ان دراسة الماجستير من الخارج تستمر ما بين3 و4 سنوات أي أن الطالب يدفع أكثر من5 آلاف جنيه مصروفات فقط في الوقت الذي يحتاج فيه إلي مراجع وكتب ووقت ومصدر دخل وهي عملية صعبة ومستحيلة أحيانا, وفي حالة الدكتوراه يدفع الطالب ألفا و500 جنيه سنويا مما يكشف ان الذي يدفع هو الذي يستطيع ان يستمر في دراسته ويحصل علي الدكتوراه فأصبح المقياس ليس العلم أو البحث ولكن لمن يدفع حتي ولو كان حاصلا علي مقبول بينما الطالب المعيد بالكلية لايدفع اية مبالغ ولكن امامه مشكلة المراجع مرتفعة الثمن وكذلك طبع الرسالة ومراجعتها, وهناك متابعاته علي النت واضاف انه قد يسوق الحظ الطالب إلي مشرف أو مناقش للرسالة يستغله إذا ما عرف انه من اسرة غنية, ويطلب منه هدايا وذهبا وحدث منذ عهد قريب عندما كلف استاذ ونائب رئيس جامعة بالوجه البحري طلابه العشرة من دارسي الدكتوراه بالتكلف بتوفير جهاز ابنته العروس, وذهب احدهم مع العامل لقياس مسافات الستائر بشقة العروس لتفصيل ستائر فاخرة لها علي حسابه الشخصي ليحصل علي الدكتوراه, وهناك قضية الباحثة القطرية التي طلب منها عميد كلية كانت تابعة لجامعة القاهرة أن تحضر له ذهبا وابلغت عنه الرقابة الادارية وسقط في يد العدالة وهو في السجن الآن. وأضاف ان واقعة اخري وهي احدي الرشاوي الجنسية التي يطلبها بعض المشرفين, وهذا كله ما يطفو علي السطح ولكن ما خفي كان اعظم.. وان هناك ايضا اشكالية كبيرة إذ انه مسموح للأستاذ بالكليات العملية ان يتقدم للترقية برسائل الماجستير والدكتوراه الخاصة بالطلاب الذين اشرف عليهم بما لايتجاوز50% من مادة الترقية أي أنه يستفيد من الطالب وجهده في ترقية الأستاذ المساعد, لذلك فإن بعض المشرفين بهذه الكليات يكلفون الطلاب بمادة علمية صعبة من حيث البحث وتكلفة المعامل ليأخذها المشرف في النهاية مادة لترقيته ويمكن لجميع المشرفين علي طالب واحد ان يضيفوا نفس المادة لانتاجهم الشخصي. وأن هذا يكشف ان الدارس أو الباحث في جميع الأحوال يصبح عبدا عند الاستاذ المشرف. وحول ارتفاع مصروفات الدراسة أكد الدكتور سالم انه علي سبيل المثال فإن من تقدم للدراسات العليا هذا العام بقسم التاريخ بالجامعة لايزيدون علي اثنين في حين كانوا الاعوام الماضية بمتوسط30 طالبا سنويا. وفي الوقت الذي يقول فيه وزير التعليم العالي: إن اعضاء هيئة التدريس عددهم كبير ولايذهب الكثيرون للعمل بالجامعة في حين اننا نحتاج علي الاقل إلي30 جامعة جديدة حتي نصل لمستوي تركيا فقط وهذا يستوعب لكل طاقات الدارسين بالدراسات العليا بمصر أبحاث بلا نتائج! ويضيف الدكتور عبدالله سرور استاذ البلاغة بتربية الاسكندرية أن مشكلات الدراسات العليا في مصر هي نفسها مشكلة البحث العلمي إذ نري ابحاثا ونتائج ليس لها أساس أو اهمية تطبيقية في المجتمع وتؤدي بالطبع إلي تردي البحث العلمي, فالتكلفة المالية اصبحت مرتفعة وعائقا أنها تختلف من كلية لكلية وتصل إلي اكثر من ألفي جنيه وليس هناك كتاب أو مرجع بأقل من60 جنيها والطالب يحتاج إلي20 مرجعا علي الأقل سنويا لإجراء دراسة وبحث حقيقي في الوقت نفسه فإن النظام التعليمي الذي يسبق الدراسات العليا لم يعد يخرج طالبا لامعا ذهنيا أو عقليا ليبدع في هذه الدراسات, في حين ان المناخ العام في المجتمع المصري لايهتم بالابداع العلمي أو يلتفت للتميز العقلي ويعتبرون ان ما ينجزه العلماء الباحثون( بلا قيمة).. بل في الجامعة نفسها عند عقد حفل لتكريم قيادات البحث ورجال الجامعة المتميزين فوجئنا بأنه يتم تكريم قائد شرطة دولة دبي, ودون أسباب, مما ادي لانسحاب رئيسي جامعة الاسكندرية السابقين احتجاجا علي هذا التصرف, وتضمن الكتاب التذكاري للجامعة بالوقائع والصور هذا الحدث. وأضاف الدكتور عبدالله أن هناك ايضا مشكلة نظام الادارة الجامعية فلم تعد تهتم علي الاطلاق بتطوير المقررات والمناهج أو ادخال علوم واقسام متطورة جديدة ولاتشجع العلماء والباحثين, ولاتحرص علي مكافأة الطالب المتميز, فضلا عن الانصراف التام عن التخطيط العلمي للاستثمار البشري في الجامعات المصرية, ذلك علاوة علي وجود أبواب خلفية للحصول علي درجتي الماجستير والدكتوراه حتي أن الكثيرين ممن حصلوا علي تقدير مقبول وفي الدور الثاني بالبكالوريوس تمكنوا بصور مختلفة من الحصول علي هذه الدرجات العلمية والتسرب إلي الجامعة وكثيرون منهم ارتقوا لمناصب خطيرة مثل رئيس الجامعة وهذا يكشف عن الخلل الواضح في بعض مواقع الجامعات. كما ان المواقع الادارية العليا من منصب عميد فما فوق لم تعد لهؤلاء النابغين والمتفوقين مما سبب حالة إحباط عامة حيث لاتقدير ادبيا أو علميا بل إنه في الحقيقة هناك حرب ضد العلماء وتدميرهم وهذا من مثبطات نجاح الدراسات العليا مثلما حدث مع د.محمد النشائي الذي تنبأ استاذه د. عصمت زين الدين بأنه عقلية غير عادية, ولكنه لم يكمل دراسته العليا إلا بعيدا عن الجامعات المصرية, وهناك ايضا الدكتور احمد زويل وغيرهم آلاف في انحاء العالم ولو وجدوا بيئة صالحة في مصر لما اختاروا الغربة وترك الأهل والأحباب. المكتبات الجامعية وأشار الدكتور سرور أيضا إلي أن المكتبات الجامعية هي إحدي الحلقات المفقودة في التعليم فلا توجد بها كتب حديثة أو مراجع جيدة منذ نصف قرن من الزمان فالكتب غالية جدا والاعتمادات ضعيفة, وميزانية القسم مهما ارتفعت لاتزيد علي500 جنيه بينما المرجع الواحد لايقل عن600 جنيه والنتيجة ان ننتكس عن مواكبة البحث العلمي. وتضيف الدكتورة ليلي سويف استاذ الرياضيات بعلوم القاهرة أن مشكلة الدراسات العليا تتمثل في عدم تفرغ الطالب ليحقق نتائج ملموسة وتكون مكافأة التفرغ التي تمنحها الكلية أو الجامعة ما بين30 و100 جنيه شهريا وهو مبلغ محدود للغاية لايكفي في المعيشة والتفرغ والبحث أو أي شيء ويكون معروفا ان الطالب لابد أن يعمل ويوظف قليلا من وقته للدراسة والبحث والمراجع برغم انه يكتب تعهدا علي نفسه انه لايمارس اي عمل سوي الدراسة, وفي الوقت نفسه فإن المنح تكون لطالبين أو اربعة في حين تتحمل الجامعة مصروفاتهم ويعفون منها, أما الباقي من الدارسين فيتحملون المصروفات الدراسية والبحثية والتكاليف كاملة. لذلك فإن منحة التفرغ غير مجدية لضمان باحث حقيقي. كما أن كل الكليات فيما عدا علوم القاهرة لاتشترك في تحكيم ابحاثها والدراسات الصادرة منها مع جامعات اجنبية لضمان الحياد والمواكبة العلمية. أما الدكتور محمد عبد الظاهر الطيب عميد تربية طنطا السابق فيؤكد ان مشكلة الدراسات العليا في مصر ترجع إلي غياب خطة للبحوث العلمية سواء لدي الكلية أو القسم ولا توجد خريطة بحثية لأهداف الدراسات بها فالدراسات مبعثرة ولاتحقق هدفا وهذا ما جعل هناك تراجعا واضحا في المستوي العلمي. كما أن هناك بطالة عالية بين الحاصلين علي الدراسات العليا الذين درسوا أملا في موقع عمل بالجامعة أو أي مكان إذ يلاحظ الآن ان المتقدمين لهذه الدراسات غالبيتهم من الفتيات اللاتي فاتهن سن الزواج ولم يحصلن علي عمل ويأخذنها من باب شغل الوقت وليس قضية علمية بحثية في الوقت الذي لايوجد فيه حافز للاستاذ الجامعي المشرف علي الرسالة فالعائد من الإشراف علي رسالة الماجستير200 جنيه والدكتوراه400 جنيه توزع بعد الضريبة ربما علي3 مشرفين أي ان الدكتوراه بمائة جنيه بعد تعب من الاستاذ وفي نفس الوقت فإنه لايسمح للاستاذ في الكليات النظرية ان يستفيد من الأبحاث التي اشرف عليها بأي شكل ولو حاول الاشارة إليها يعتبر في موقع السارق ويحاسب وربما يفصل من عمله بعكس أساتذة الكليات العملية وهذا ظلم آخر علي الأستاذ بعد جهده الضائع بلا عائد والنتيجة انه لا أحد يتحمس للدر اسات العليا من الاساتذة مع وجود اعداد من الطلاب تعتبر مرتفعة وهذا يتيح بالطبع تجاوزات من بعض الأساتذة فهناك من يطلب هدايا ويقدمها الطالب ولايستطيع ان يكشف عنها حتي لا تسيء اليه. وقائع خطيرة! وأشار الدكتور الطيب إلي عدة وقائع شهدها بنفسه إذ ذكر له طالب سعودي انه قدم لاستاذ مصري كيلو من الذهب بناء علي طلب الأستاذ ليمنحه درجة الدكتوراه ومنهم من حصل علي سيارة فاخرة مما اوجد نوعا من سوء السمعة تجاه بعض الكليات من بعض الدول العربية, وهناك الأساتذة الذين يفصلون الرسائل أو يسرقونها ليبيعوها لطلبة بمقابل مادي عال ولكنها ليست ظاهرة, كما أن هناك بعض الاستاذة الذين يسيئون لسمعة مصر بطلب هدايا أو المحاسبة علي فاتورة ملابس أو غذاء وغيرها, وهناك أستاذ طلب صراحة جهاز تكييف من الطالب لأن الدنيا حر حتي يمكنه قراءة رسالته العلمية ليجيزها للمناقشة. وواقعة أخري بأن استاذا مشرفا عرف بأن طالبة لدي والدها محل كبير لبيع الملابس والاحتياجات فيذهب له كل فترة لتحميل كميات دون حساب مما دعا والدها للشكوي منه لزملائه. وآخرها أن طالبا كويتيا تقدم بشكوي مكتوبة لاحدي الجامعات بأنه دفع رشوة لتحويل نتيجته من راسب إلي ناجح عام2004 وبالتحقيق اتضح ان أوراقه هي الوحيدة المختفية من الأوراق وهو يحضر دراسات عليا الآن والمفترض ان اعترافه يمنعه من استكمالها. وأشار عميد تربية طنطا السابق إلي أن بعض الجامعات تتحايل للحصول علي مبالغ اضافية من الطالب فتقول ان الرسوم300 جنيه ثم تحصل منه700 جنيه تحت مسمي المعامل أو المكتبة و300 جنيه لدورات حاسب آلي و300 أخري لدورات في اللغة الانجليزية وهي إجبارية ثم تقول لك انها تقدم خدمة. سابقة خطيرة ويحكي الدكتور محمود كامل الناقة استاذ المناهج بجامعة عين شمس واقعة بل هي سابقة لم تحدث في تاريخ الجامعات عندما طلبت منه جامعة الوادي مناقشة طالب دكتوراه بكلية التربية بأسوان بمشاركة الدكتور أحمد سيد إبراهيم عميد تربية الوادي الجديد وبقراءة الرسالة اتضح انها لاتصلح بأي شكل وتقدم الدكتور المشارك بمذكرتين رفض فيهما الرسالة وبأنها غير صالحة للمناقشة ولا تصلح حتي رسالة ماجستير, وهي غير قابلة للتعديل أو التحسين فضلا عن ان عنوان الرسالة غير المضمون تماما, كما ان البحث مدته لم تزد علي20 يوما مما يوضح ان هناك خللا واضحا في الدراسة والتطبيق فضلا عن أن النتائج التي سردها الباحث ليست لها علاقة بأهداف البحث في كل عناصرها بصورة فجة ولايمكن اجازتها إلا ان عميد الكلية والذي ترك العمادة قريبا كتب مذكرة وتأشيرة تقول تشكل لجنة محايدة مع ان من كتب المذكرتين لايعرفان الطالب والدراسة موجودة فالباحث اعتمد علي قاعدتين في اللغة العربية لتنمية9 مهارات معظمها بعيدة عن القواعد,, واضاف ان الحقائق ظهرت لديه بعد ذلك, فالمشرف علي رسالة اللغة العربية استاذ في الرياضيات الذي صمم بجهده علي مناقشتها, فخاطبت الكلية اثنين من كبار اساتذة اللغة وهما الدكتور رشدي طعيمة ود. فتحي يونس فرفضا لعلمهما بهذه الفضيحة فتحايلت الكلية واستعانت بعميد كلية التربية بالعريش واستاذ آخر معروف بسلوكياته فكتب عميد تربية العريش تقريرا ليس من صالح الرسالة فتم تقطيع تقريره حسب قوله وحصل الطالب علي الدكتوراه عنوة رغم ان مستواه لايرقي لطالب يتعلم المباديء الجامعية. وأشار الدكتور الناقة إلي ان هذه السابقة من جامعة جنوبالوادي هي امتهان للبحث والتعليم والأسس والقيم التي اقيمت عليها الدراسات العليا واستهتار واضح وغير مسئول من استاذ للرياضيات يجهل اساسيات اللغة العربية وينصب نفسه مشرفا عليها ولايجوز بحال مناقشة هذه الرسالة بعد رفضها إلا اذا كان الرفض اعتذارا وليس لضحالة الرسالة وجهل صاحبها بمباديء البحث التربوي والتعليمي, ومع ذلك فالدكتور الناقة لديه كل المستندات وصورة من الرسالة نفسها تفضح هذا السلوك الخارج عن آداب التعليم الجامعي.