هبطت الى الجدال السياسي الداخلي في اسرائيل ، مؤخرا ، حجة جديدة ، ليست الحجة الديمغرافية ضد الاحتفاظ بالمناطق ، بل الحجة الديمغرافية مع الاحتفاظ بالمناطق. ومصدر هذا الامر هو مجموعة بحث تدعى "الفريق الاميركي - الاسرائيلي للبحوث الديمغرافية" ، ونشرت المجموعة قبل زمن ما بحثا بعنوان "فجوة المليون" (باصدار "مركز بيغن - السادات للبحوث الاستراتيجية") ، وهذا البحث مشوق ومفاجيء ، وبزعم الباحثين ، فان المؤسسة البحثية في اسرائيل تخطيء بشكل منهجي في المعطيات الديمجرافية. عمليا ، بموجب الحسابات الديمجرافية "للمؤسسة" هناك مليون عربي بين نهر الاردن والبحر ، أكثر مما يوجد في الواقع ، والسبب المركزي في ذلك هو ان ديمغرافيين يستندون الى معطيات السلطة الفلسطينية ، والاحصاء السكاني الفلسطيني هو الاخر غير دقيق بل ومضخم على نحو مقصود ، باختصار ، وحسب زعم الفريق الاميركي - الاسرائيلي ، فان المشكلة الديمغرافية ليست ملحة مثلما يقال في اليسار الصهيوني. والان اصدر الفريق النشط بيانا للصحافة يقول انه "يتواصل ميل الهبوط في الخصوبة العربية" مقابل "الزخم الديمغرافي اليهودي" الذي يستقر ، والبيان للصحافة يكاد ينجح في خلق الانطباع بان الديمغرافيا في واقع الامر تعمل لصالحنا ، ولا تفصل بين هذا المنطق وبين الاستنتاج المبطن - في أنه في الواقع استمرار الاحتلال سيحسن فقط وضع الاغلبية اليهودية - سوى خطوة واحدة. ان النواة الصلبة لليمين ، الاقلية التي لا تزال تعتقد بان الاحتفاظ بيهودا والسامرة جيد لاسرائيل ، ويمكنه أن يكون مبررا سياسيا واخلاقيا ، مستعد لان يتمسك بكل بارقة حجة غريبة ، وبارقة الحجة المعينة هذه لا بد ستستقبل هناك بهتافات الفرح ، مما يبين الى اي حد اصبح اليمين منقطعا عن الواقع. ان المسألة الديمجرافية هي المسألة الديمقراطية ، وليست أقل مما هي المسألة القومية ، فكل من يريد أن يهديء نفسه بمعطيات ديمجرافية مشجعة يجب أن يسأل هل هي مشجعة بما فيه الكفاية من أجل انهاء نظام الاحتلال ، وضم يهودا والسامرة ، ومنح كل السكان الفلسطينيين في المناطق مواطنة اسرائيلية ، ومن ليس مستعدا لاعطائهم مواطنة اسرائيلية ، فان الحجة الديمجرافية غير ذات صلة بالنسبة له ، وبالنسبة لمن هو مستعد لان يقرر حكما لا تكون فيه للملايين حقوق سياسية ، لا يغير في الامر من شيء اذا كانوا 40 في المائة او 60 في المائة. وبالمقابل ، فمن يبدي الاستعداد لاعطاء حق الاقتراع لكل الفلسطينيين في المناطق ، فانه سيقرب الصهيونية من نهايتها ، لانه ينبغي للمرء أن يكون مجنونا كي يفكر بان اسرائيل ستتدبر أمرها مع - لنفترض - 30 نائبا من حماس في الكنيست او من فتح او من كليهما. لنفترض للحظة أن الفريق الاميركي - الاسرائيلي محق ، والميل للديمغرافية يتبدل ، حسن وجميل ، ولكن ليس في ذلك ما يكفي لقمع تطلع سكان المناطق لتقرير المصير ، ومهما يكن من أمر ، فاستمرار السيطرة على ملايين الفلسطينيين المحرومين من الحقوق سيدهورنا الى الوضع اللبناني او البوسني: ثنائية القومية التي هي حرب أهلية متواصلة. ان النواة الصلبة لليمين ، كما يخيل ، تلعب الشطرنج مع نفسها ، وهي تهدىء روعها بالحجج المضادة التي يفترض أن تعطي ضربة مظفرة لحجج اليسار ، الامر الذي يشدد فقط على ابتعادها عن الروح العملية والواعية للصهيونية. ان المشكلة العسيرة لاسرائيل ليست صواريخ القسام ، مشكلتها هي ان مشروعها الصهيوني ، الدولة القومية لليهود ، سينهار اذا لم نخلص أنفسنا من وضع ثنائية القومية الذي ننزلق اليه ، ومن لا يقترح حلا لهذه المشكلة فانه يعنى بالتضليل الذاتي وليس بالسياسة.