نشر المجلس القومي لحقوق الإنسان تقريره السنوي العاشر منذ عشرة أيام تقريباً وقد لقى هذا التقرير ولأول مرة في تاريخ المجلس اهتماماً واسعاً من الكتاب والمفكرين والسياسيين لأنه يغطي فترة شهدت أحداثاً كبيرة حيث تناول حالة حقوق الإنسان في الفترة من 30 يونيو 2013 حتى نهاية عام 2014، وقد عرض التقرير نشاط المجلس في هذه الفترة التي شهدت تصاعد عمليات العنف والإرهاب عقب فض اعتصام رابعة في 15 أغسطس 2013 مما انعكس على حالة حقوق الإنسان في مصر سواء في ما يتصل بالحق في الحياة الذي أهدرته جماعات العنف والإرهاب وكذلك الحق في الأمن والاستقرار لجموع المواطنين نتيجة لهذه التطورات مما أدخل حالة حقوق الإنسان في أزمة يرى المجلس من واجبه أن يواجهها انطلاقاً من مسئوليته عن تعزيز حقوق الإنسان في مصر، وقد تناول التقرير حالة الحقوق السياسية والمدنية جنباً إلى جنب مع حالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حيث لقيت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية اهتماماً كبيراً لأول مرة منذ تأسيسه لتأثيرها على معيشة المواطنين، ولم يكتف التقرير بعرض تطورات المجتمع بالنسبة لهذه الحقوق ولكنه أكد في نهاية التقرير ضرورة تعزيز حقوق الإنسان المصري من خلال مجموعة من التوصيات التي تتحمل الحكومة والمجتمع المدني والمجلس القومي لحقوق الإنسان مسئولية وضعها موضع التطبيق، ولأن هذه التوصيات عديدة بما يتجاوز المساحة المخصصة للمقال، فإنني سوف أعرض أولاً في هذا المقال التوصيات الخاصة بالحقوق السياسية والمدنية، ثم نعرض في المقال القادم التوصيات الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. أعطى التقرير أهمية خاصة لأولوية إصدار قوانين جديدة تنطلق من دستور 2014 وما نص عليه من حقوق للمواطنين وفي مقدمة هذه القوانين قانون تكافؤ الفرص وحظر التمييز بين المواطنين وقانون إنشاء مفوضية تكافؤ الفرص وحظر التمييز وقانون مكافحة الإرهاب وقانون بناء وترميم الكنائس وقانون إنشاء هيئة مستقلة للانتخابات وقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية وقانون العدالة الانتقالية وقانون مكافحة الفساد وقانون حرية تداول المعلومات فضلاً عن التغييرات التي يجب أن تتم في العديد من القوانين تطبيقاً لدستور 2014. ومن أهم التوصيات التي يرى المجلس ضرورة الأخذ بها في مجال الحقوق السياسية والمدنية، توصيات تتعلق بالحق في الحياة والأمان الشخصي بضمان الدولة، حماية حق المواطن في الحياة والأمان الشخصي ومكافحة جرائم الإرهاب والبلطجة والعنف دون الإخلال بالحقوق والحريات الأساسية كما تناولت التوصيات مكافحة التعذيب بتعديل قانون العقوبات ليتفق مع اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب ودستور 2014 ليشمل القانون تعديل مفهوم التعذيب ليشمل تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف أو لغرض آخر كالانتقام أو تصفية الحسابات أو مجاملة بعض أصحاب النفوذ وغيرها. وكذلك تعذيب غير المتهم لحمل المتهم على الاعتراف أو الإدلاء بمعلومات حول المتهم وأن يشمل أيضاً تعريف التعذيب أي اعتداء بدني أو نفسي ومعاقبة الموظف أو المستخدم العام إذا قام بالتعذيب بنفسه أو أمر به أو اقتصر دوره على مجرد التحريض أو الموافقة أو السكوت أو التواطؤ على عملية التعذيب واتخاذ تدابير وقائية ضد التعذيب داخل السجون ومقار الاحتجاز، ومنها وضع حد لحجز المحتجزين ومنعهم من الاتصال بالعالم الخارجي، وعدم إحتجاز المحبوسين إلا في الأماكن المخصصة لذلك الغرض. كما شملت التوصيات أيضاً الحق في مباشرة الحقوق السياسية ومراقبة الانتخابات بما يضمن نزاهتها، وأكد التقرير أيضاً على الحق في التجمع السلمي بتعديل قانون التظاهر وفقاً للتوصيات التي سبق له إرسالها إلى مجلس الوزراء. كما أكد التقرير على تعزيز الحق في التنظيم شاملاً الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب والنقابات المهنية والعمالية والمنظمات الحقوقية وحركة حقوق الإنسان عموماً. واهتم التقرير بتعزيز حرية الرأي والتعبير والإبداع وتداول المعلومات بإصدار التشريعات التي تعزز حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام والإبداع الأدبي والفني وإصدار تشريع خاص لجرائم الإنترنت بما لا يقيد حرية المدونين في التعبير، بالإضافة إلى إنشاء المؤسسات الإعلامية التي نص عليها دستور 2014. وشملت توصيات المجلس أيضاً الحق في المحاكمة العادلة والمنصفة بتعديل قانون المرافعات والإجراءات الجنائية لضمان المحاكمة العادلة والناجزة وتفادي بطء التقاضي وزيادة عدد القضاة وتحسين ظروف عملهم والخدمات الداعمة لحسن وسرعة قيامهم بمهامهم. ووضع حد أقصى للحبس الاحتياطي في جميع الجرائم حتى لا يتعارض ذلك مع مبدأ افتراض براءة المتهم وإلا يصبح الحبس الاحتياطي عقوبة دون حكم قضائي نافذ، كما طالب المجلس بإعادة النظر في حالة المحتجزين والمعتقلين من الشباب ممن تعرضوا للقبض العشوائي دون مبرر قانوني والإفراج عنهم. وطالب المجلس أيضاً بتعديل قانون إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان لزيادة ضمانات استقلاله واختصاصاته وفقاً لدستور 2014، وبما يسمح بزيارة السجون ومقر الإحتجاز بالإخطار. وشملت توصيات المجلس مكافحة الإرهاب بوضع خطة متكاملة تشمل ما يلزم من تعديلات تشريعية ولا تقتصر على المواجهة الأمنية، وإنما تمتد لتتصدي لجذور الإرهاب ومنابعه من خلال التعليم والإعلام وإصلاح الفكر الديني والمؤسسات الدينية، وإحاطة الرأي العام بما تقوم به من إجراءات ونتائج التنفيذ بمنتهى الشفافية. نقلا عن جريدة الأهرام