أكدت العديد من إدارات المصارف المركزية الخليجية استمرار ربط عملاتها بالدولار، وذلك على رغم الصعوبات المالية والاقتصادية الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي، إذ ربما يكون هذا مفهوماً من الناحية الفنية، وذلك لارتباط عائدات النفط وتسعيرها عالميّاً بالعملة الأمريكية، حيث ستترتب على عملية الفك في الوقت الحاضر تعقيدات مالية ونقدية في ظل الأوضاع المالية السائدة في العالم. وتزامناً مع هذا الارتباط، هناك عمليات ارتباط مالية ونقدية أخرى لا يمكن فصلها عن عملية الارتباط الأولى التي يأتي من ضمنها ارتباط جزء مهم من احتياطيات المصارف المركزية الخليجية بالدولار، وهو أمر منطقي ولا غبار عليه، إلا أن تصريحات محافظي بعض هذه البنوك المركزية القائلة بعدم امتلاكها لأية أدوات مالية صادرة عن الحكومة الأمريكية، بما فيها سندات الخزانة الأمريكية بسبب انخفاض العائد على هذه السندات أوجد تناقضاً مع بيانات سابقة من نفس المصدر تتحدث بأن أكثر من 90 في المئة من احتياطيات هذه المؤسسة مقومة بالدولار. ويشكل ذلك لغزاً من الصعب حل رموزه، إذ لا يمكن الربط بين هذين التوجهين من الناحية المهنية، إلا إذا كانت هناك نظريات جديدة ومبتكرة حديثاً، فهذه الاحتياطيات الضخمة بالعملات الأجنبية للمصارف المركزية الخليجية والمقدرة بمئات المليارات مقومة جميعها تقريباً بالدولار، وفي الوقت نفسه تشير مصادر بعض المصارف المركزية إلى أنها موظفة خارج الولايات المتحدة! مما أوجد نوعاً من الحيرة بسبب صعوبة استيعاب هذا الربط فنيّاً. ومع ذلك يفترض المرء أن هناك مخرجاً لهذه الحيرة، إذ ربما تكون هناك توجهات مالية لدى بعض البنوك المركزية لها فلسفتها الخاصة في توزيع احتياطياتها، إلا أنه يبدو أن هذه الحيرة التي وقع فيها قطاع الأعمال لم تقتصر على المتابعين المحليين، بل امتدت إلى خارج الحدود، إذ أشارت صحيفة "الفايننشال تايمز" الصادرة يوم الخميس بتاريخ 5 أغسطس الجاري إلى نفس الاستفسارات والتساؤلات، حيث كتبت "كاميلا هول": بما أن العملة المحلية مرتبطة بالدولار رسميّاً، فإن شراء جزء من السندات الأمريكية يصبح أمراً حتمياً من وجهة النظر العملية. وجاءت هذه التخمينات من قبل المحللين والمستثمرين بسبب غياب أية توضيحات تتعلق بهذا الموضوع، كما تقول صحيفة "الفايننشال تايمز"، مما أثار الحيرة لدى المتابعين في الأسواق، الذين لم يجدوا ربطاً بين هذين التوجهين، كما أنهم لم يجدوا من يفسر لهم هذا اللغز. وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها تصريحات وإجراءات المصارف المركزية الحيرة لدى قطاع الأعمال، فقبل سنتين اتخذ المصرف المركزي قراراً غير مفهوم يتعلق بتقييد توزيعات الأرباح لدى البنوك الوطنية المساهمة بحيث لا تتجاوز 50 في المئة من مجموع الأرباح، علماً بأن البنوك المحلية مصابة ب"تخمة السيولة" بشهادة البنك المركزي ذاته، في الوقت الذي تعاني فيه البورصات المحلية من أزمة سيولة مستفحلة وتزداد سوءاً مع اشتداد التقلبات المالية في العالم. لقد عبرت البنوك المحلية عن امتعاضها لهذه الإجراءات، على اعتبار أنها تتوقع -وهي محقة في ذلك- أن جزءاً مهمّاً من توزيعات الأرباح سيعاد ضخه في أسواق المال المحلية، كما أن الجزء الآخر سيغذي السيولة في القطاعات الأخرى، بما فيها القطاع العقاري. ولذلك من المهم أن تكون إجراءات المصارف المركزية أكثر مهنية وواضحة وتخدم الأوضاع والتوجهات المالية، مما يتطلب ضرورة إعادة تقييم هذه الإجراءات بين فترة وأخرى لمعرفة مدى ملاءمتها للمستجدات الاقتصادية، فالقرار الخاص بتقييد توزيعات البنوك على سبيل المثال قابع في الأدراج، وربما يكون قد تم نسيانه، وذلك على رغم أنه أصبح عائقاً أمام تدفق السيولة إلى سوق متعطشة لها. نقلا عن جريدة الاتحاد