وزيرة التنمية المحلية توجه بإزالة الإشغالات والمخالفات بالممشى السياحي بدهب.. صور    عيار 21 يسجل أعلى مستوياته.. ارتفاع كبير في أسعار الذهب اليوم بالصاغة محليًا وعالميًا    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025    12 هجومًا بالطائرات المسيرة يستهدف 9 قوارب من أسطول الصمود العالمي    زيلينسكي: ترامب أكد أن واشنطن ستمنحنا ضمانات أمنية بعد انتهاء الحرب    الرئيس الفرنسي: لن يتحقق الاستقرار لإسرائيل طالما استمرت في الحرب مع جيرانها    الولايات المتحدة تطالب حماس بتسليم السلاح وتحمّلها مسؤولية الأزمة في غزة    «كنت أحسن من الخطيب ومعترضتش».. مجدي عبدالغني يهاجم ياسر إبراهيم (فيديو)    هل تدخل الخطيب لحذف منشور تهنئة سراج الدين لبيراميدز؟ مصدر يكشف الكواليس    ميلان يحجز مقعده في ثمن نهائي كأس إيطاليا بثلاثية نظيفة أمام ليتشي    رابطة الأندية تخطر استاد القاهرة بنقل المباريات بعد القمة دعمًا للمنتخب الوطني    حبس مطرب المهرجانات "عمر أى دى" 4 أيام بتهمة نشر فيديوهات خادشة للحياء بالإسكندرية    تفاصيل توزيع أعمال السنة للصفين الأول والثاني الثانوي 2025-2026    قرارات جديدة من وزارة التربية والتعليم بشأن الصف الأول الثانوي 2025-2026 في أول أسبوع دراسة    تكريم تاريخي استثنائي لأنغام على مسرح رويال ألبرت هول في لندن (فيديو)    نقابة المهن التمثيلية تنعى ميرفت زعزع: فقدنا أيقونة استعراضات مسرحية    مدبولي يلتقي رئيس مجلس القيادة اليمني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة    مثمر للغاية، بيان مرتقب من أردوغان بعد اجتماع ترامب مع قادة إسلاميين حول غزة    القبض نزل، بدء صرف مرتبات شهر سبتمبر 2025 للعاملين بالدولة    كلوديا كاردينالي.. وفاة أيقونة السينما العالمية في الستينات عن 87 عاما في نيمور بضواحي باريس    رئيس الوزراء يؤكد لرئيس مجلس القيادة الرئاسى اليمنى دعم مصر للحكومة الشرعية فى عدن    نتيجة وملخص أهداف مباراة ليفربول ضد ساوثهامبتون في كأس الرابطة الإنجليزية    فيريرا: الزمالك مسؤول جماعيًا عن التعادل أمام الجونة.. والإصابات أربكت حساباتي    الأهلي يدرس الدخول في معسكر مغلق مبكرا استعدادا للقمة    أسعار الذهب اليوم الأربعاء 24 سبتمبر في محافظة الغربية    الرئيس الفرنسي: الوضع في السودان الأكثر فداحة    حماية المستهلك يضبط 46 مخالفة في حملة ليلية مفاجئة بالمقطم لمتابعة مبادرة خفض الأسعار    رسميًا.. موعد الإجازة المقبلة للقطاع العام والخاص والبنوك (يومان عطلة في سبتمبر)    عاجل- وزير التعليم العالي يطمئن معيد آداب سوهاج: التعيين محفوظ والدعم الصحي كامل    إهماله يجذب الحشرات والبكتيريا.. خطوات تنظيف سيراميك المطبخ من الدهون    ميلان يتأهل إلى دور ال16 من كأس إيطاليا بثلاثية ضد ليتشي    جامعة قناة السويس تكرم الدكتورة سحر حساني والدكتورة شيماء حسن في حفل التميز العلمي    جامعة حلوان التكنولوجية الدولية تدعو الطلاب للإسراع بالتقديم الإلكتروني قبل انتهاء المهلة    بعد اعتراض الرئيس، هل يعيد مجلس النواب مناقشة قانون الإجراءات الجنائية؟ (فيديو)    مصرع 4 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين على صحراوى البحيرة    رئيس شركة «غازتك» ينتقل إلى موقع تسريب الغاز بمحطة القصر العينى.. صور    حملات موسعة لإزالة التعديات بشوارع المجزر الآلي واللبيني وزغلول وكعبيش    النائب محمد زكي: ملفات التعليم والصحة والاقتصاد تتصدر أولوياتي    بمقدم 25 ألف جنيه تقدر تشترى قطعة أرض.. اعرف التفاصيل    وزيرة التنمية المحلية توجه بإزالة إشغالات ومخالفات بالممشى السياحى بدهب    تمسك برأيك.. حظك اليوم برج الدلو 24 سبتمبر    مندوب مصر بالأمم المتحدة: مصر حرصت على تجنب العديد من الاستفزازات    ترامب: نريد إنهاء الحرب في غزة واستعادة المحتجزين.. صور    عمرو محمود ياسين عن تكريم والده بمهرجان بورسعيد: كنت أتمنى يكون حاضر تكريمه    "تحت سابع أرض" يحصد أربع جوائز ويتصدّر كأفضل مسلسل عربي في الموريكس دور    عضو شعبة السيارات: أسعار السيارات انخفضت بسبب استقرار العملة    وزير الرياضة يهنئ بيراميدز بتتويجه بكأس القارات الثلاث    إجراء جراحة ناجحة استمرت 17 ساعة لاعتدال عمود فقرى بمستشفى جامعة كفر الشيخ    مدير فرع الرعاية الصحية بالأقصر يطلق مبادرة "اليوم المفتوح".. صور    بعد انطلاق موسم الدراسة.. 5 أطعمة لا تضعيها لأطفالك في «اللانش بوكس»    حملة موسعة لرفع الإشغالات بشارع الوحدة في إمبابة    أمين الفتوى يوضح كيفية الصلاة على متن الطائرة ووسائل المواصلات.. فيديو    ما حكم الاستثمار فى صناديق الذهب؟ أمين الفتوى يجيب    ما حكم الحصول على مال مقابل "لايكات" على فيديوهات المنصات؟ أمين الفتوى يجيب    داعية إسلامية: الصبر والحمد وقود النجاة من الابتلاءات    المستشار محمود فوزي يبحث مع وزير الشباب مبادرات مشتركة تستهدف توعية وتأهيل النشء    اليوم العالمي للغة الإشارة.. 4 خطوات أساسية لتعلمها وإتقانها    دعاء استقبال شهر ربيع الآخر 1447.. ردده الآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. حسن حنفي: الإسلام والدولة المدنية
نشر في أخبار مصر يوم 23 - 07 - 2011

كثر الحديث في موضوع " الإسلام والدولة المدنية" وكأنه لا موضوع يهم مصر إلا هذا الموضوع.والكل يتخذه ذريعة للتعبير عن مواقف مسبقة غير معلنة. المدافعون عن الدولة الإسلامية يتخذونه ذريعة للوصول إلى الحكم عن طريق تملق أذواق الجماهير. فمن من الناس يرفض الدولة الإسلامية، بمعناها الصحيح، دولة الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين؟ والمدافعون عن الدولة المدنية وغالبيتهم من الأقباط والليبراليين يتخذون الموضوع ذريعة خوفاً من وهم اضطهاد الأغلبية للأقلية. ويفجر هذا الخلاف النعرة الطائفية بين المسلمين والأقباط. ويتحول الموضوع إلى هم نظري خالص عند بعض المثقفين من الجانبين دفاعاً عن الدولة المدنية الحديثة التي يعيش فيها جميع المواطنين بصرف النظر عن دينهم.
والموضوع كله يقوم على التباس في معنى الدولة الإسلامية، وتصور الإسلام على أنه تطبيق الحدود فقط، قطع اليد، والجلد، والرجم. هذا مع أن المحافظة على الحياة هي المقصد الأول للشريعة. والقصاص كان معروفاً في كل الشرائع ومنها الصلب لقاطع الطريق، كما صلب اثنان من قطاع الطرق بجانب المسيح، عليه السلام، كما تروي الأناجيل.
والشريعة الإسلامية ليست فقط واجبات، بل هي أيضاً حقوق. والحدود عقوبات للتقصير في أداء الواجبات واجتناب المنهيات. فأين الحقوق؟ فلا تقطع يد سارق عن جوع أو عري أو مرض أو إذا كان المجتمع كله سارقاً "إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف طبقوا عليه الحد". ولا قصاص إذا غاب الأمن عن الطريق. فلكل حد سبب وشرط ومانع كما يقول الفقهاء. و بعض الأسباب والشروط اليوم غير متوافرة. ولم تنل الناس حقوقها حتى نطالبها بواجباتها. والشريعة تعطي الحقوق قبل أن تطالب بالواجبات. والضرورات تبيح المحظورات. التشريع يخضع لضرورات الواقع وتطوره. يعتريه التغيير والتطوير طبقاً لتغير الواقع كما حدث في النسخ. وقد أبطل عمر سهم المؤلفة قلوبهم المنصوص عليه في القرآن الكريم لأنه شرع، عندما كان الإسلام ضعيفاً في حاجة إلى أن يتآلف الناس. أما بعد أن أصبح الإسلام قويّاً فلا حاجة إليه. كما أوقف حد السرقة عام الرمادة، عندما عم الجوع بسبب الجفاف.
والآن 40% من المصريين تحت خط الفقر.
وهل كل ما في الشريعة حدود وعقوبات؟ يا ليت الشريعة تكون أحد مصادر التشريع مع القانون الطبيعي والعرف في كل المجالات وليس فقط في العقوبات. فالشريعة تعطي الفقير حقه في مال الغني (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، و"في المال حق غير الزكاة". وما هو قائم الآن في مصر تفاوت شديد في الدخول بين الحد الأدنى مئات الجنيهات وملايين الجنيهات. ولا يوجد حد أعلى للأجر، بالإضافة إلى السلب والنهب والرشوة والتحايل والتهريب والعمولة. والشريعة تعطي المحكوم الحق في الاعتراض طبقاً لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس سجن المحكوم واعتقاله تحت قانون الطوارئ والأحكام العرفية. والشريعة توجب حرية الرأي والاعتراض، وأن أعظم شهادة كلمة حق في وجه إمام جائر. والشريعة تحمي الإنسان من القهر والفقر، السببين الرئيسيين للثورات طلباً للحرية والعدالة. والشريعة هي التي تدافع عن مصالح الناس. ولذلك جعل الفقهاء "المصالح المرسلة" أحد مصادر التشريع. ووضعوا مبادئ الاستصلاح والاستصحاب والاستحسان كمصادر للتشريع "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن".
ومن الخلط في مفهوم الدولة الإسلامية وما يثار حولها من نقاش المادة الثانية من كل الدساتير أن الإسلام دين الدولة. يصر عليه المسلمون بكافة اتجاهاتهم ويرفضه الأقباط. والقبول والرفض يقومان على التباس. فالدولة مفهوم لا دين له. يتحقق في مؤسسات ونظم سياسية لا دين لها. الناس هم الذين لهم دين. كما أن الدولة تقوم على المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة. وتصنيف المواطنين طبقاً للدين طعن في المواطَنة. صحيح أن غالبية المصريين من المسلمين، وأن الأقلية من الأقباط، ولكن ذلك إحصاء يقوم على مبدأ خاطئ لأن الدين ليس عنصراً في المواطنة. أما تصنيفهم طبقاً للتعليم والأمية، للعمل والبطالة، لسكان العشوائيات والأحياء الراقية، للمهنة، الزراعة أو الصناعة، للقطاع، عام أو خاص، فهو تصنيف صحيح. الدين علاقة شخصية بين الإنسان والله، أما المواطنة فهي علاقة عامة بين المواطنين وبين المواطنين والدولة. وينطبق على الجميع قانون الاستحقاق، كل حسب عمله، وليس دينه أو طائفته أو منصبه أو عائلته أو عشيرته أو مدى قربه أو بعده عن سدة الحكم. للعمل الواحد أجر واحد. والأعمال اليدوية المنتجة لها نفس القيمة التي هي للأعمال النظرية الخالصة.
إن مقاصد الشريعة الضرورية الخمسة، كما حددها الإمام الشاطبي تجعل الإسلام دولة مدنية خالصة. الأول الدفاع عن الحياة من حيث هي حياة، دون تمييز بين دم المسلم ودم القبطي ضد كل أسباب الموت، المرض والجوع والعري. فالاعتداء على الأقباط محرم شرعاً. حياتهم وأعراضهم وصلبانهم وكنائسهم يحميها القانون والدستور وليس فقط الشريعة. وكما فعل عمر وهو في طريقه إلى "إيلياء" القدس وعندما صلى على باب الكنيسة وليس في داخله احتراماً للنصارى. والمقصد الثاني الدفاع عن العقل، عقل المواطن دون تمييز بين مسلم وقبطي، ضد الجهل والأمية والخرافة والأسطورة. لا فرق بين مدارس أزهرية ومدارس للراهبات. التعليم العام والتعليم الخاص. التعليم وطني، حق الجميع على الدولة، تعليم مجاني كالماء والهواء. والمقصد الثالث الدفاع عن الدين ويعني القيم والأخلاق التي تشترك فيها الديانات جميعاً مثل الحرية والعدل والأمانة والصدق والأخوة والوفاء والمحبة والتواضع والتضحية. وهي الأخلاق التي يتربى عليها المواطن دون تمييز بين مسلمين في دروس الدين الإسلامي وأقباط في دروس الدين المسيحي. ليس الدين ما يختلف عليه اللاهوتيون، بل ما يتفق عليه الناس، نابعاً من الفطرة ومتفقاً مع الطبيعة. والمقصد الرابع العرض أي الكرامة واحترام الآخرين، كرامة المواطن وحرمته بصرف النظر عن دينه أو طائفته، عرقه أو قبيلته. والمقصد الخامس الثروة الوطنية أو المال وليس سلباً من أموال طائفة لأخرى أو إحصاء ماذا يملك المسلمون وماذا يملك الأقباط في الثروة والوظائف، في المال والسلطة.
وعلى هذا النحو تكون الدولة الإسلامية دولة مدنية بالأصالة، والدولة المدنية دولة إسلامية بالأصالة. فليس في الإسلام سلطة دينية مثلما كانت الكنيسة قديماً. وشيخ الأزهر مجرد إمام مسجد شهير. والإفتاء لكل عالم مخول وليس منصباً، وخير استفتاء هو الضمير "استفت قلبك وإن أفتوك". والسلطة السياسية في الإسلام مدنية خالصة شورى بين الناس، لا شأن لها بعلاقة الإنسان بربه.
هذا الجدل الدائر الآن، الذي يحمى وطيسه كل يوم بين الدولة الدينية والدولة المدنية يفرّق ولا يجمع، يثير الفتن والضغائن ويولد الأحقاد. لا طائل من ورائه. ولا حل له. يقوم على التعصب والطائفية البغيضة، وليس على الموضوعية والنزاهة. والمتعصبون من الجانبين، الإسلامي والقبطي، عند اليمين الديني الذي يريد تفريغ الوطن من شعبه، دعوة لرحيل الأقباط إذا ما أتت الدولة الإسلامية لتسهيل الهجرة. والدعوة للعقلاء من الجانبين بداية بتحرير المصطلحات مثل أهل الذمة وأهل الكتاب، والمسلمين والمسيحيين، والنصارى والأقباط. فالكل مواطنون. هويتهم الانتماء إلى الوطن وليس إلى الدين أو الطائفة. الكل مصريون ينتمون إلى مصر، وعرب يتكلمون العربية. والإسلام والمسيحية ثقافة واحدة تتعدد رؤاها. فهل يتوقف الإعلام عن الدخول فيما يضر ولا ينفع؟
نقلا عن جريدة الاتحاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.