ألقت أزمة قيام الحكومة الاستونية بإزالة ونقل النصب التذكارى للجنود السوفيت إلى مكان غير معلوم بظلالها على العلاقات الروسية – الاستونية فى أعقاب موجة الاستياء التى صدرت عن موسكو حيال هذا الموضوع ، وأشار المتحدث باسم الخارجية الروسية " ميخائيل كامينين " أن الطرف الاستونى هو المسئول الوحيد عن تدهور العلاقات بين روسيا واستونيا ، مُشيراً إلى أن مواقف روسيا حيال هذا البلد تتطلب تصحيحات جدية وأن الأحداث فى العاصمة الاستونية " تالين " تستدعى تقييماً سريعاً وحازماً وموضوعياً وغير سياسى للمؤسسات الأوروبية والأوروبية الأطلسية . وكانت الأزمة قد تصادعت منذ أمس الجمعة 27/4 بين روسيا واستونيا إثر قيام استونيا بتفكيك وإزالة نصب تذكارى للجنود السوفيت الذين حرروا استونيا وجزءاً كبيراً من أوروبا من النازية فى الحرب العالمية الثانية ، وذلك فى العاصمة الاستونية تالين ، وقد أثار نقل النصب من وسط المدينة مساء الجمعة غضب موسكو التى تعتبره بمثابة نصب تذكارى للذين هزموا الفاشية خلال الحرب ، فى حين يرى فيه الكثيرون من الاستونيين ذكرى مؤلمة لنحو 50 سنة من الاحتلال السوفيتى ، وقد أدى نقل التمثال البرونزى إلى مواجهات بين الشرطة وشبان استونيين من أصل روسى ، مما تسبب فى مقتل شخص وجرح أكثر من مائة آخرين واعتقال المئات من قبل الشرطة . كما وقعت مواجهات جديدة مع الشرطة أيضاً فى مدينة " جوفى " على بُعد 165 كم إلى شمال شرق العاصمة الاستونية تالين ، ورفع المتظاهرون الأعلام الروسية وهم يهتفون " روسيا .. روسيا " . كما وقعت مواجهات مع الشرطة فى أحد الشوارع المؤدية إلى مقر البرلمان ، حيث نعت نحو ستين شاباً رئيس الوزراء الاستونى " بالفاشى" ودعوه إلى الاستقالة . وتسعى روسيا إلى إثارة الأزمة مع استونيا حول نقل النصب التذكارى للجنود السوفيت على مستوى اللجنة الاقتصادية الأوروبية التابعة للأمم المتحدة ، وذلك فى خطوة تنطوى على تدويل الأزمة ، وصرح الكسندرياكوفينكو نائب وزير الخارجية الروسى بأن روسيا تثير هذه القضية بنشاط فى منتديات دولية فى جنيف ، مُشيراً إلى أنه سيتم إثارة هذه القضية على أساس ثنائى ، وفى إطار منظمات دولية وأن موسكو اتخذت هذه الخطوة بالفعل فى إطار اللجنة الاقتصادية الأوروبية ، مُضيفاً فى تصريحاته التى أوردتها وكالة " انترفاكس" للأنباء أن روسيا تعتقد أن المجتمع الدولى سيعرب عن حكمه على ما فعلته الحكومة الاستونية . ورأى ياكوفينكو أن إزالة النصب التذكارى فى استونيا له دلالة سياسية بما لا يدع مجالاً للشك ، كما أنه بمثابة محاولة لإعادة كتابة التاريخ الذى أقيم على أساس ميثاق الأممالمتحدة . ومن جانبه اقترح مجلس الفيدرالية الروسية "مجلس الشيوخ" فى بيان أصدره بالإجماع أمس على الرئيس بوتين قطع العلاقات الدبلوماسية مع استونيا بسبب اعتدائها على نصب الجندى المحرر وقيامها بتفكيكه وإزالته من كانه .. وقد دفن فى عام 1947 فى مكان النصب جثمان 13 جندياً سوفيتياً من الذين ضحوا بحياتهم من أجل تحرير استونيا من القوات الألمانية النازية فى عام 1944 . وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة " بان كى مون " استونيا وروسيا إلى تسوية خلافاتهما بشأن النصب التذكارى السوفيتى فى العاصمة الاستونية " تالين " باحترام وتوافق ، كما عبر رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا " رينيه فان درليندن " عن أسفه لقرار نقل النصب التذكارى . ويذكر أن استونيا كانت فى السابق جمهورية سوفيتية وأصبحت مستقلة عن موسكو فى عام 1991 وانضمت إلى الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى فى 2004 ، وتضم هذه البلاد أقلية كبيرة من الناطقين بالروسية الذين أقاموا فيها خلال الحقبة الشيوعية ، وفى حين حصل قسم من هذه الأقلية على الجنسية فإن حوالى 160 ألفاً أى 12% من التعداد السكانى البالغ 4.1 مليون نسمة مازالوا محرومين من أى جنسية ، ولم تكف موسكو منذ عام 1991 عن اتهام استونيا بانتهاك حقوق الأقلية الروسية . ويرى المحللون أن التوتر بين روسيا واستونيا أصبح صفة مميزة ودائمة بسبب سياسات استونية تهدف إلى تضييق الخناق على المواطنين الروس المقيمين فى استونيا وصولاً إلى تضييق الخناق على من هم فى القبور ، حيث تبنى البرلمان الاستونى مؤخراً مشروع قرار يمنح البلديات والمحافظة الحق فى إزالة أو نقل المقابر الجماعية التى تحتضن جثمان الجنود السوفيت الذين سقطوا فى معركة حماية استونيا من الجيوش النازية ، وقد أثار هذا القرار ردود فعل روسية رسمية وجماهيرية واسعة وترك آثاره على علاقات روسيا بالاتحاد الأوروبى الذى حصلت استونيا على عضويته إلا أن الرئيس الاستونى استخدم حق الفيتو ضد مشروع القرار ، وذلك تجنباً لأى خطوة استفزازية من جانب روسيا وأيضاً أى ضغوط أوروبية بهذا الشأن . كما يرى المراقبون أن هذه ليست النهاية فى ملف العلاقات بين البلدين لاسيما أن نزعة التطرف القومى والعداء لروسيا تتنامى فى الأوساط السياسية الاستونية . 28/4/2007