الأصدقاء هم الملاذ الذي نلجأ إليه وقت الشدة والضيق ولحظات الحزن واليأس لنعبر لهم عن كل ما يجول في أنفسنا من مشاعر الإحباط عندما تخيب آمالنا وتنكسر أحلامنا أمام الظروف والتحديات التي تواجهنا في الحياة. وهم أول من نحاول الاتصال بهم عندما تغمرنا الدنيا بلحظات الفرح والسعادة اثر نجاح في الدراسة أو العمل أو عندما نحظى بلقاء من نحب وتملكنا تلك المشاعر التي لا توصف ولا تعبر إلا لصديق حميم وقريب من مشاعرنا وأفكارنا. الصديق كما عرفه أرسطو في كتابه (علم الأخلاق إلى نيقوماخوس) بأنه من يعيش معك ويتحد وإياك في الأذواق وتسره مسراتك وتحزنه أحزانك. ولكن في هذه الأيام أصبح هذا الصديق عرضة للشك والريبة وعدم الثقة في عصر طغت فيه القيم والمبادئ المادية على القيم والمفاهيم الأخلاقية والروحية. وذهب البعض في ماديته الى القول بزوال الصداقة الحقيقية من الوجود، فهل فعلا غابت عنا القيم والمشاعر الحميمة وأصبحنا أسرى لأفكار ورؤى مادية تلغي أحاسيسنا ومشاعرنا وثقتنا في الآخرين رغم حاجتنا الماسة لصداقة أساسها الصدق وتقارب وجهات النظر وليس المصالح المادية المتبادلة أو المصلحة الفردية. فهل نستطيع في هذا الزمن العثور على صديق مخلص؟ وكيف لنا أن نميز بين الصداقة الحقيقية وصداقة المصلحة أو المنفعة؟ وما الأسس التي يمكن أن تبنى عليها الصداقة الناجحة؟ تجربة مؤلمة عبرت عنها شيرين خليل طالبة جامعية بقولها: فقدت وخسرت عدداً ممن كنت أعتقد أنهم أصدقائي نتيجة أنهم لم يكونوا أهلا للثقة التي منحتها اياهم ولم يبادلوني ثقتي واخلاصي ومحبتي لهم والآن لا يهمني الموضوع كثيرا ومن غير الممكن أن يكون الآخر كما نريد ولكن علينا أن نكيف أنفسنا للتأقلم مع الآخرين من دون المساس بمبادئنا وقيمنا الأخلاقية التي نؤمن بها وألا نتسرع في منح ثقتنا إلا بعد مرور فترة زمنية طويلة وحينما تعرف النوايا والغايات. أما ميرفت عبد الرحمن (علم اجتماع) فتتحدث عن الصداقة قائلة: الصداقة وسيلة وأسلوب للحياة بصورة طبيعية ومن غير الممكن أن تستمر صداقة أكثر من المقرر لها تبعا لتغيرنا، فأصدقاء المدرسة والطفولة غير أصدقاء الجامعة أو العمل، فالصداقة تنتهي عندما تنتفي الظروف والعوامل التي تجمع الأصدقاء ولا أجد مشكلة في ذلك لأن الحياة تقتضي منا التجديد في كل شيء حتى الأصدقاء وفقا لنمونا العقلي والعاطفي. «لا أؤمن بصداقة حقيقية ومثالية بعدما صدمت بأحد أعز أصدقائي وأقربائي الذي كنت أعتبره قدوة» هذا ما عبر عنه آزاد أمين (لغة انجليزية) الذي أخذ العبرة من هذه التجربة ويعتبره درسا مهما في الحياة لكي لا يثق بأحد ثقة مطلقة الا أنه لم يفقد الأمل في وجود أصدقاء حقيقيين يمكن أن يحظى بهم في المستقبل. ويعتبر خالد حسو (هندسة مدني) الصداقة شيئاً أساسياً وجوهرياً في حياته فأجمل الأوقات واللحظات يقضيها مع أصدقائه الذين يعتبرهم أغلى ما يملك ويشاركونه أفكاره وأحلامه ومشاعره وهمومه ولاسيما أنهم من نفس العمر والدراسة والبيئة مما يساعد على تقوية علاقتهم أكثر، في حين تؤكد عبير عبد الرحمن أن مفهوم الصداقة مرتبط بوعي الشخص وفكره ومبادئه في الحياة فالشخص المادي والانتفاعي لا يمكن أن تكون صداقته الا لغاية ومصلحة شخصية وأغلب الصداقات عابرة وغير مستمرة لأن لكل مرحلة أصدقائها ولا تستمر العلاقة إلا إذا توافرت لها أسبابها. مريم معتوق (دبلوم علم اجتماع) قالت: الإنسان كائن اجتماعي ونجاحه في تكوين أصدقاء واستمرار علاقته معهم تُعد شرطاً أساسياً من شروط تمتعه بصحة نفسية وجسمية واستمتاعه بحياة لها معنى. فالصداقة علاقة اجتماعية وثيقة ودائمة تقوم على مشاعر الحب والجاذبية المتبادلة المصحوبة بمشاعر وجدانية كما تقوم على تماثل الاتجاهات وتحمل دلالات بالغة الأهمية تمس توافق الفرد واستقرار الجماعة ويميز الصداقة الاعتمادية المتبادلة التي تبرز من خلال تأثير كل طرف في مشاعر ومعتقدات وسلوك الطرف الآخر والقدرة على استثارة انفعالات قوية والمساندة والتشجيع ودعم الثقة بالنفس والتقويم الايجابي للذات والتحقق من صحة الأفكار والآراء الشخصية بعد تهيئة الظروف الميسرة للإفصاح عنها وتتوقف الصداقة على مقدار الزمن الذي يقضيه الأصدقاء في صحبة بعضهم والاستقرار ودوام الصداقة، اذ تتميز صداقات الذكور بالاستقرار أكثر لأنها أقل عمقا وأقل تعرضا للخلاف والصراع. وتتزايد احتمالات عقد الصداقة بين شخصين متقاربين في المستوى الارتقائي والعمر مع توافر قدر من التماثل بينهما فيما يتعلق بسمات الشخصية والقدرات العقلية والمشاركة في الميول والاهتمامات وشغل أوقات الفراغ. وعمق الصداقة متوقف على قدر ما يتوفر لها من مقومات ولا يشترط في الصداقة توافر كل المقومات. وتؤدي الصداقة لخفض مشاعر الوحدة ودعم المشاركة الايجابية السارة والاسهام في عملية التنشئة الاجتماعية وذلك لتميز المناخ الاجتماعي لعلاقة الصداقة بالمقارنة مع العلاقات الأسرية.