بعد عام على الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» التي أدت لانهيار الثقة بين أطراف لبنانية متنافسة، تنتاب البلاد مخاوف من أن تتحول حالة الجمود السياسي لأعمال عنف في الساحة اللبنانية. في المشهد اللبناني ونتيجة لحالة من الاضطرابات السياسية الداخلية التي أعقبت الحرب آنفة الذكر اغتيل اثنان من الساسة المناهضين لسوريا في الأشهر الثمانية الماضية وقتل أكثر من 200 في معارك بين القوات اللبنانية وجماعة «فتح الإسلام» التي تستلهم نهج القاعدة في مخيم للاجئين الفلسطينيين كما قتل ستة من أفراد قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في انفجار سيارة ملغومة الشهر الماضي فيما يتوقع كثير من اللبنانيين تدهوراً أكبر للأوضاع. ومع استمرار الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» يخشى أيضاً أن تنجرف البلاد في أي مواجهة مع إيران أو سوريا الحليفين الرئيسيين ل«حزب الله» وبالفعل غادر البلاد عدد كبير من الشبان اللبنانيين اللامعين هرباً من عدم الاستقرار ويأساً من ساسة يرون أن اهتمامهم بجمع الثروات أكبر من سعيهم لتحقيق توافق وطني ويعتمدون على قوى أجنبية تكسبهم مزايا. وقال المستشار السياسي للقوات الايطالية العاملة في قوة الأممالمتحدة في جنوب لبنان، جوزيبي كاسيني، خلال مؤتمر عقده البرلمان الأوروبي في الأسبوع الماضي: «استسلم الشعب اللبناني لمؤشرات تفيد بحتمية خطر نشوب أحرب أهلية أخرى». وأضاف أن الفصائل المختلفة «تتسلح مرة أخرى»، في إشارة للمسيحيين والدروز والسنة إلى جانب «حزب الله» وهو الجماعة الوحيدة المسموح لها رسمياً بالاحتفاظ بالأسلحة عقب الحرب الأهلية التي دارت رحاها في الفترة من العام 1975 إلى 1990.
وينفي زعماء لبنانيون آخرون إحياء ميليشياتهم إنما يقولون إنهم يخشون التبعات الأمنية في حالة اتساع هوة الخلافات بين الفصائل المتحالفة مع أو ضد الحكومة المدعومة من الغرب وصرح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ل«رويترز» بأن لبنان منقسم فعلياً لدولتين الأولى يقودها رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ويدعمها المجتمع الدولي والقرارات الدولية وكيان مستقل لحزب الله يدعمه المحور الإيراني السوري. وترى فصائل المعارضة الشيعية والمسيحية أن الحكومة فقدت شرعيتها بعد انسحاب الوزراء الممثلين لها من حكومة السنيورة في نوفمبر. وتقول إن جميع القرارات منذ ذلك الحين لاغية ويدعم موقفها الرئيس الموالي لسوريا إميل لحود ورئيس البرلمان نبيه بري. وقال دبلوماسي في بيروت على اتصال مستمر بالجانبين «حجم الكراهية الذي أعقب ذلك لا يصدق، وأحس كل طرف بأن الآخر يمثل تهديداً لوجوده».في موازاة، دخلت الأزمة الطائفية على الخط السياسي الساخن، إذا أججت الحرب الكلامية بين الأمين العام ل«حزب الله» حسن نصرالله والساسة الموالين للحكومة أمثال جنبلاط والزعيم السني سعد الحريري المشاعر الطائفية.
وقال المحلل السياسي اللبناني سامي بارودي «ساهم الزعماء في تفاقم التوتر الطائفي دون قصد ولا أعتقد بأن هناك من يريد تدمير البلاد ولكن كل طرف يريد أن يتنازل الآخر».وإذا عجز المعسكران عن الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية أو اختيار رئيس جديد في وقت لاحق من هذا العام فستتهيأ الساحة لحالة عدم استقرار مزمن وتشرذم للسلطةوفي تلك الظروف سيبتعد «حزب الله» عن السياسة الداخلية ليركز على الإعداد لما يعتقد أنه تجدد حتمي للصراع مع الإسرائيليين.
وقالت أمل سعد غريب من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي «سيخوضون حرباً مع إسرائيل في وقت ما على أية حال» وتضيف إن «إحجام حزب الله عن القيام بعمليات عسكرية على سبيل المثال في منطقة مزارع شبعا الحدودية المتنازع عليها نابع من مخاوف سياسية تتعلق بالوحدة الوطنية».
وشهدت حدود لبنان مع إسرائيل هدوءاً نسبياً منذ انتهاء المعارك في أغسطس وانتشرت قوة أكبر من قوات حفظ السلام في لبنان في المنطقة إلى جانب 15 ألف جندي لبناني تمركزوا حديثاً في المنطقة وأضحى أنصار «حزب الله» من الشيعة الذين أحبطهم بقاء الحكومة والدعم الذي تغدقه الولاياتالمتحدة على السنيورة أكثر تشدداً من قادتهم. وقالت غريب إن «القاعدة الشعبية أكثر تشدداً من حزب الله إلى حد كبير».