محافظ الشرقية يُشيد بمجهودات الوحدة العامة لحماية الطفل    الذهب ينخفض بشكل مفاجئ بأكثر من 90 دولارًا.. وعيار 21 يسجل 6035 جنيهًا    رئيس الوزراء يستعرض مع رئيس الهيئة الوطنية للإعلام خطوات الإصلاح الهيكلي ورفع الكفاءة    النادي المصري ينعى الكابتن صابر عيد نجم نادي غزل المحلة السابق    الأرصاد تحذر من برق ورعد ورياح نشطة واستمرار الأمطار على عدة مناطق    الاتحاد الدولي للسكري يعترف رسميًا بالنوع الخامس من مرض السكري    جيلبرتو: أشجع منتخب مصر من كل قلبي وأتمناهم في النهائي    الصين تعلن معارضتها بشدة لاعتراف إسرائيل بإقليم أرض الصومال    رئيس المنطقة الأزهرية بكفر الشيخ يتابع امتحانات أولى وثانية ثانوى بمعاهد الرياض    مراد مكرم يطرح أغنية جديدة في 2026: التمثيل عشقي الأول والأخير    الأزهر ينتقد استضافة المنجمين والعرافين في الإعلام: مجرد سماعهم مع عدم تصديقهم إثم ومعصية لله    حصاد 2025 في قطاع التعليم بأسيوط.. مدارس جديدة وتطوير شامل للبنية التحتية وتوسعات لاستيعاب الزيادة الطلابية    وزير الصحة يستقبل نظيره التركي بمطار القاهرة الدولي    وزارة السياحة الفلبينية: المنتدى المقبل للآسيان فرصة لمناقشة استدامة السياحة وتحقيق التعاون الإقليمي    رئيس جامعة المنوفية يتفقد امتحانات كلية الحاسبات والمعلومات    مصر تفوز بعضوية مجلس المنظمة البحرية الدولية 2026/ 2027 (إنفوجراف)    ذا بيست - دبي تستضيف حفل جوائز الأفضل في 2026    موقف أحمد سليمان من أزمة محمود بنتايج والزمالك    طاهر أبوزيد: مكاسب حسام حسن مع المنتخب إنجاز رغم الظروف.. والمرحلة المقبلة أصعب    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    ماذا بعد انضمام أوكرانيا لتدريبات الدفاع الجماعي في الناتو؟    إصابة 8 أشخاص في تصادم سيارتين بالقناطر الخيرية    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    وزير الخارجية يهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة العام الميلادي الجديد    تعرف على موعد ومكان عزاء عازف العود هشام عصام    إطلاق وتنفيذ أكثر من 20 مبادرة ثقافية ومجتمعية لدعم القراءة وبناء الوعي    أحمد عدوية.. أيقونة الأغنية الشعبية في ذكرى رحيله الأولى    "دورة محمد جبريل".. الثقافة تكشف تفاصيل مؤتمر أدباء مصر في العريش    الاحتلال ينفذ عمليات نسف للمباني شرق خان يونس ورفح جنوبي قطاع غزة    زيلينسكي: خطة السلام تضع تصورًا لضمانات أمنية أمريكية لمدة 15 عامًا    تايلاند وكمبوديا تتفقان على ترسيخ وقف إطلاق النار وإعادة بناء الثقة السياسية المتبادلة    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في أفريقيا (صور)    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    عراقيل إسرائيل أمام الانتقال للمرحلة الثانية    وزارة التضامن الاجتماعى تقر تعديل قيد جمعيتين في محافظتي القليوبية وكفر الشيخ    عاجل- مدبولي يترأس اجتماعًا لتطوير الهيئات الاقتصادية وتعزيز أداء الإعلام الوطني    محافظ الإسكندرية يوجه برفع درجة الاستعدادات للتعامل مع موجة الطقس غير المستقر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    ضبط متهم بالتحرش بالطالبات بعد تداول منشور على مواقع التواصل    انتشال جثتين من ضحايا حادث غرق 3 أشخاص بترعة المريوطية فى البدرشين    وزير العمل يفتتح المقر الجديد للنقابة العامة للعاملين بالنقل البري    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    السينمات المصرية على موعد مع فيلم «الملحد» نهاية ديسمبر    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    وزير التموين ومحافظ الجيزة يفتتحان سوق اليوم الواحد فى شارع فيصل.. صور    مناورات صينية واسعة تطوّق تايوان    أشرف صبحي يناقش ربط الاتحادات إلكترونيا وتعزيز الحوكمة الرياضية    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    متحدث الوزراء: الحكومة تحاول تقديم أفضل الخدمات لمحدودي ومتوسطي الدخل وفق الموارد المتاحة    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    مباحث العبور تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حريق مخزن كراتين البيض    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    لا رب لهذه الأسرة    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة السياسة إلي مصر
نشر في أخبار مصر يوم 25 - 09 - 2010

عادت السياسة مجددا للساحة المصرية‏,‏ فحتي وقت قريب للغاية‏، هيمن رهانان أساسيان علي الحديث عن مستقبل السياسة في مصر‏:‏ الأول رهان زاعق للغاية ومنتشر في مشارق الأرض ومغاربها
بالتمني أحيانا وبمعلومات ناقصة في أحيان أخري وبنظرة قاصرة في أحيان ثالثة رأي أن البلاد في طريقها إلي تغيير جذري انفجاري ثوري من نوع أو آخر‏.‏ هذا الرهان وجدناه ذائعا عاليا في الفضائيات التليفزيونية‏,‏ حتي في صحف سيارة استبد بها الشوق إلي انفجار مدو‏,‏ وتبنته حركات سياسية تصورت أن في سلالم النقابات ومداخلها مع كاميرات التليفزيون‏,‏ وعدسات المصورين ما يعطيها المنعة والقدرة علي تغيير التاريخ‏.‏
ومن المدهش أن مؤسسات دراسات سياسية غربية معتبرة مثل مؤسسة كارنيجي الأمريكية صدقت هؤلاء وراحت تنفخ في قصتهم‏,‏ وتستمد من روايتهم معلوماتها عن الواقع السياسي والاقتصادي في مصر مهما كان يغالب الأرقام الحقيقية عن الأمور والأحوال في البر المصري‏.‏ ولأن الصحافة العالمية سريعة‏,‏ وليس لديها وقت طويل تقضيه في التفاصيل‏,‏ فقد وجدت في هذه القصة‏,‏ وهي تحتوي علي الكثير من القصص الفرعية‏,‏ ما يثير وما يلفت الانتباه‏,‏ وربما يعطي ثواني قليلة في مقدمات النشرات والصحف العالمية‏.‏ وكان الأمر يبدو أحيانا وكأنه جزء لا يتجزأ من الرواية العالمية لثورات ديمقراطية ذات ألوان برتقالية وبنفسجية آن أوانها علي ضفاف النيل خاصة بعد أن جاءها فارس من فيينا‏,‏ حيث الوكالة الدولية للطاقة الذرية‏,‏ علي حصان أبيض يحمل جائزة نوبل في يد‏,‏ وظواهر جارية علي الفيس بوك العصرية جدا في عالم الشبكات الاجتماعية من ناحية أخري‏.‏
الرهان الثاني‏,‏ الذي تبنيته دوما‏,‏ قام علي أن مصر دولة قديمة‏,‏ قد يكون لها حلقاتها الكثيرة‏,‏ ولكنها مستمرة يتراكم فيها التغيير الذي لا يعرف الطفرة‏,‏ ومن الممكن أن يتعرض لانتكاسة من وقت لآخر‏,‏ ولكنه سرعان ما يعود مرة أخري إلي مسار التقدم خطوة بعد خطوة‏,‏ تماما مثل النيل الذي يسير في طريقه الطويل هادئا مسترخيا من المنبع إلي المصب‏.‏ القناعة في هذا الرهان كانت تبدأ من أن القيمة الأساسية في الثقافة المصرية هي الاستقرار‏,‏ وفي بلد نهري فإن الفوضي لا تعد من المعاصي بل هي حتما من الخطايا‏.‏
ولم يكن هناك في مسارات دول أخري سارت علي الطرق الملونة ما يبهج أو يسر‏,‏ ورغم إغراء الديمقراطية فإن وجودها دون دولة قوية وطبقة وسطي صناعية ومتقدمة‏,‏ فإنها تكون أقصر الطرق إلي أقسي مستويات الاستبداد‏.‏ ولا يحتاج الأمر أكثر من مجرد إلقاء نظرة علي ما كان يجري علي مدخل نقابة الصحفيين أو المحامين لنتأكد من أن ما رفع من شعارات ديمقراطية كان أشبه بأقنعة لوجوه تسامحت مع كل أنواع الديكتاتورية والفاشية تحت أردية وأعلام شتي‏.‏ حتي عندما جاء الليبرالي العتيد علي جواده الأبيض من فيينا‏,‏ فسرعان ما وقع في أحضان يسار ويمين ليس فيه درجة واحدة من الليبرالية‏.‏ وعلي كل الأحوال فسرعان ما انقلب السحر علي الساحر‏,‏ وتراجع عدد التوقيعات المطلوبة من خمسة ملايين توقيع صحيح بالاسم والعنوان والرقم القومي إلي مليون واحد يدعي به‏,‏ وثلثاه من توقيعات الإنترنت المشكوك فيها‏.‏
أما صلب هذا الرهان فكان أن الدولة المصرية قامت علي مؤسسات مهما كانت معضلاتها وأشكال العجز فيها‏,‏ فإنها قادرة علي الاستمرار‏,‏ وفيها من التقاليد واحترام للكتاب ما يصعب تجاوزه سواء من داخلها أو من خارجها‏.‏ ومن ناحية أخري فإن التغيرات الجارية في مصر تجعل الأحوال أفضل كثيرا مما يشاع حتي لو كانت أقل كثيرا مما هو مرغوب فيه‏.‏ وخلال السنوات الخمس الأخيرة فقط نمت مصر بمتوسط نمو قدره‏6.4%;‏ ولولا الأزمة الاقتصادية العالمية لتخطي المتوسط‏7%,‏ وعندما يستثمر في مصر قرابة تريليون جنيه مصري خلال هذه الفترة‏,‏ ويتجاوز حجم الأموال الموجودة في البنوك‏800‏ مليار جنيه‏,‏ فضلا عن وجود ما يزيد علي‏34‏ مليار دولار من الاحتياطيات‏,‏ وإنشاء‏8000‏ شركة في عام‏2008‏ وحده مقابل‏2750‏ في عام‏2002,‏ ودخول‏4‏ ملايين شاب مصري كأصحاب مشروعات ومشاركين في استثمارات خاصة‏,‏ فإن الحديث عن ثورة وشيكة كان نوعا من أضغاث الأحلام‏.‏
وبكل تأكيد‏,‏ كان الرهان الأول هو الأعلي صوتا خلال المرحلة الماضية‏,‏ ولكن سرعان ما أخذ هذا الرهان في التفكك تدريجيا من الناحية السياسية عندما ظهر أن الجمعية الوطنية للتغيير لا تختلف كثيرا عن عدد من العناوين التي انتشرت في مصر خلال السنوات الأخيرة من أول حركة كفاية‏,‏ وحتي كل من خرج منها أو انبثق عنها وحاول أن يقلدها في السنوات التالية مثل الحملة الشعبية للتغيير والتجمع الوطني للتحول الديمقراطي‏,‏ وشايفنكو وحركة شباب‏6‏ أبريل‏.‏ ومن الناحية العملية فإن أنصار هذا الرهان وضعوا كل بيضهم في سلة واحدة لاختبار مدي سلامة ما تواضعوا عليه‏,‏ وكأنه البديهية الأساسية للسياسة المصرية من خلال الدعوة إلي مقاطعة الانتخابات التشريعية والرئاسية المصرية ما لم تتم الاستجابة الكاملة لمطالبهم القائمة علي تغيير الكتاب‏,‏ أي تغيير قواعد اللعبة السياسية بينما المباراة جارية بالفعل‏.‏
ومن المدهش أن أيا من المشاركين في الدعوة إلي المقاطعة لم يستفد أو بالأحري لم يتعلم من تراث المقاطعة في مصر قبل ثورة يوليو وبعدها‏,‏ التي كان حصادها في أغلب الأحوال سلبيا‏,‏ خاصة الانتخابات التشريعية لعام‏1990‏ التي قاطعها حزبا الوفد والعمل وحركة الإخوان‏,‏ وكانت النتيجة درسا قاسيا وهو العزلة السياسية عن الساحة المصرية لمدة خمس سنوات كاملة انتهت مع انتخابات‏1995,‏ حيث لم تتجدد الدعوة مرة أخري حتي أحياها عدد من الجماعات السياسية مرة أخري‏,‏ ومعها حزب الجبهة الديمقراطية‏,‏ وحزب الكرامة تحت التأسيس وحزب الغد جناح أيمن نور وهي كما نري كلها تنتمي إلي الهامش السياسي أكثر من وجودها في قلبه‏.‏
القلب‏,‏ كما راهن عليه أصحاب الرهان الثاني‏,‏ كان يتفاعل مع السياسة بطريقة أخري يتحقق فيها الاستمرارية التاريخية‏,‏ والتقاليد الراسخة في السياسة المصرية‏,‏ والتي لا تسمح بغير الطرق السوية سبيلا للتفاعل السياسي‏.‏ وربما كان المشهد الفاصل في هذه العملية باهرا عندما قررت الجمعية العمومية بحزب الوفد في‏17‏ سبتمبر الحالي خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة‏,‏ بعد أن حصدت الموافقة‏504‏ من الأصوات بنسبة‏56.7%,‏ في حين عارض‏407‏ من الأصوات المشاركة بنسبة بلغت‏43.3%,‏ وذلك من بين‏923‏ شاركوا في الجمعية العمومية‏.‏
ومن هنا أصبح طبيعيا أن يشارك في هذه الانتخابات أحزاب المعارضة الرئيسية التي تضم أحزاب الوفد والتجمع والعربي الناصري‏,‏ بينما خرج حزب الجبهة الديمقراطية إلي ساحة العزلة الباردة نتيجة مسايرته لهوامش السياسة المصرية بدلا من قلب مؤسساتها الشرعية‏.‏ أضف إلي ذلك أن أحزابا أخري كونت ما يسمي بتحالف الأحزاب المصرية وهي الجيل والأحرار وشباب مصر ومصر العربي الاشتراكي والخضر والتكافل‏,‏ للنظر في مدي مشاركتها في الانتخابات‏.‏ كما شكلت أحزاب ثالثة ما يعرف بكتلة الأحزاب التي ضمت أحزاب الشعب والجمهوري والاتحادي الديمقراطي بعد أن انسلخت عنها أحزاب مصر العربي الاشتراكي والمحافظين والأمة والوفاق نظرا لشبح الانقسامات الداخلية التي تواجهها‏.‏
وهكذا‏,‏ ما إن اقترب موعد الانتخابات التشريعية بالفعل حتي عادت السياسة المصرية إلي مجراها الطبيعي حيث تقوم أحزاب رسمية ذات طبيعة مؤسسية وشرعية بالمشاركة في النظام السياسي بقدر أكبر من الفاعلية وهو ما ظهر من خلال عملية التفاعل السياسي حول ضمانات نزاهة الانتخابات القادمة التي جرت بين الحزب الوطني الديمقراطي وأحزاب الوفد والتجمع والناصري والجبهة الديمقراطية‏.‏ ولم يكن ذلك تكرارا لما جري في السابق عندما تسابقت الأحزاب ومرشحوها علي الدخول في الانتخابات رغم كل التحفظات عليها‏,‏ ولكن للاستفادة من التغيرات الكثيرة التي جرت في المجتمع المصري خلال السنوات الخمس الماضية‏.‏
هذه التغيرات بدت أول ما بدت في التغيرات التي جرت داخل حزب الوفد الذي سلم قيادته من زعامة قانونية مشهود لها‏,‏ إلي زعامة أخري أكثر عملية ونفاذا إلي الأسواق ومسلحة بخمس قنوات تليفزيونية وصحيفتين لهما انتشار مرموق هما الوفد والدستور‏;‏ وأكثر من ذلك ونتيجة هذا التغيير ارتفع عدد أعضاء حزب الوفد في مجلس الشعب من خمسة أعضاء إلي أربعة عشر عضوا وهو ما يعطي نوعا من الجاذبية السياسية لم تكن متوافرة من قبل‏.‏ وعندما يحدث ذلك في حزب تاريخي‏,‏ له قواعد ومقار في كافة المحافظات المصرية‏,‏ ولا يشكو من ضعف التمويل‏,‏ ونجح خلال قيادته السابقة في الدفع بقيادات شابة إلي المقدمة في العمل السياسي‏,‏ فإننا نصبح أمام تطور هام في السياسة المصرية سوف يكون له نتائجه الهامة خلال المرحلة المقبلة‏.‏
أضف إلي ذلك أن حزب الوفد‏,‏ والأحزاب التي تعرف التقاليد الحزبية الصحيحة‏,‏ تعرف أن أحد الأهداف الأساسية للأحزاب السياسية هو الوصول إلي السلطة من خلال المشاركة في الانتخابات‏,‏ ولا يتوقع أن يكون الأسلوب الذي تتبعه هو المقاطعة والعزلة في الوقت الذي تطالب دوما بإحداث التغيير السياسي والاقتصادي والتشريعي‏,‏ لأن القاعدة الأولي في العمل الديمقراطي هي أنه لا يمكن أن تحقق القوي السياسية الراغبة في الإصلاح والداعية إلي التغيير ما تريد بينما هي تناضل خارج الساحة السياسية‏,‏ وفي حال انفصال عنها‏.‏ كما أن التمثيل في البرلمان يعزز إمكانيات تدعيم التطور الديمقراطي بشكل تدريجي‏.‏ فقوي المعارضة الشرعية يفترض أن تدخل تحت سقف البرلمان وتناضل من داخله‏,‏ ولعل مقاطعة انتخابات‏1990‏ خير برهان علي ذلك‏.‏
التغير الثاني هو أن الانتخابات المصرية سوف تجري وسط أوسع تغطية إعلامية عرفتها مصر في تاريخها‏,‏ وعندما لا يصبح تليفزيون وإذاعة الدولة وحدهما في الساحة الإعلامية‏,‏ ولا الصحافة القومية بمفردها في ساحة الرأي‏,‏ فإن المنافسة الموضوعية بين توجهات متعددة تفرض نفسها بطريقة غير مسبوقة‏,‏ حيث بات من المستحيل ألا يجد صاحب رأي مكانا لعرض أفكاره مهما كانت غرابتها أو اختلافها مع الاتجاه العام‏.‏ والواقع أن الصحافة والإعلام لم تعد محلية فقط‏,‏ فهناك‏690‏ محطة تليفزيونية ناطقة باللغة العربية‏,‏ فضلا عن أخريات قادمة من دول أخري لا تعرف لغة الضاد‏,‏ ومع هذا وذاك توجد صحف مطبوعة وإلكترونية من كل لون ونوع‏.‏ ومع كل ذلك يوجد مجتمع مدني محلي وعالمي سوف يفرض نفسه علي الساحة المصرية‏,‏ ويجعل المراقبة الأجنبية للانتخابات واقعة سواء وافقت عليها أحزاب الوطني والوفد والتجمع والناصري أو رفضتها‏.‏
تغيير ثالث لا يقل أهمية عن كل ما سبق طرأ علي الساحة السياسية المصرية ويقدم لعملية التطور الديمقراطي في البلاد‏,‏ وهو ما جري علي الحزب الوطني الديمقراطي من تغيرات كبيرة خلال الأعوام الماضية‏,‏ حيث بلغ عدد أعضاء الحزب الوطني قرابة ثلاثة ملايين نسمة‏,‏ ودخل أكثر من مليون شاب الحزب حتي باتت الشريحة العمرية من‏18‏ إلي‏40‏ سنة تمثل‏65%‏ من أعضاء الحزب‏,‏ ومن هم في الشريحة العمرية من‏40‏ إلي‏60‏ سنة يمثلون‏30%,‏ ومن هم أكبر من‏60‏ سنة نسبتهم‏5%,‏ وهو ما يعني أن جيلا من شباب المصريين قد أصبح يمثل الغالبية في الحزب‏.‏
أما بالنسبة للخلفية التعليمية والمهنية لأعضائه‏,‏ فيبلغ عدد الحاصلين علي الماجستير والدكتوراه في الحزب‏6700‏ شخص‏,‏ يمثلون فئات مهنية متعددة‏,‏ تضم أساتذة جامعة ورجال أعمال وأطباء ومهندسين وصحفيين ومحامين وضباطا متقاعدين وموظفين‏,‏ قاموا بإعداد دراسات وبحوث وسياسات تخص الكثير من أمور المجتمع والدولة مثل التعليم والصحة والتأمين والمرأة والطفل والعشوائيات والطاقة‏.‏ كما أنه قد حدثت نقلة في البنية التنظيمية للحزب الوطني‏,‏ وأبرزها الأخذ بالمجمع الانتخابي الذي يختار مرشحي الوطني في المحافظات‏,‏ بما يجعل أعضاء الحزب يخوضون انتخابات داخلية شرسة قبل أن يدخلوا معركة البرلمان ويتسم باختياره للعناصر التي يغلب عليها الكفاءة العلمية والسمعة الطيبة والخدمة المتواصلة لأبناء الدائرة ومدي الالتزام الحزبي لديهم‏.‏
معني ذلك أن الحزب الوطني الديمقراطي قد بات جاهزا لمنافسة ديمقراطية شريفة ونزيهة مع الأحزاب الأخري والمستقلين‏,‏ رغم أن الحزب جري عليه ما جري علي الأحزاب التي توجد في السلطة حيث تتأثر شعبيتها نتيجة تحملها للمسئولية‏,‏ فبينما حصل الحزب‏(‏ بقوته الأساسية‏)‏ علي‏40%‏ من الأصوات في عام‏1995,‏ فإنه حصل علي‏38%‏ عام‏2000‏ و‏32%‏ عام‏2005;‏ قبل عوده مستقليه للانضمام إليه‏,‏ ولعل ذلك هو ما تدركه تماما أحزاب المعارضة مثلما يدركه الحزب الوطني التي عليها‏,‏ وهي تسعي إلي كسب أصوات الناخبين‏,‏ أن تفكر أيضا في أن هناك المستقلين الذين يجدون السياسة المصرية مجالا لتحقيق الخدمات لمواطنهم الانتخابية‏,‏ ويوجد لديها نزعة دائمة ضد كل من يهدد استقرار البلاد وسيرها الطبيعي نحو التقدم‏.‏
ما جري عمليا خلال الفترة القصيرة الماضية أمران‏:‏ الأول هو هزيمة اتجاه المقاطعة‏,‏ ومعه كل من حاولوا الدفع بالبلاد إلي لحظة ثورية لم ترغب فيها أبدا‏.‏ وببساطة فإن الجسد السياسي المصري أثبت‏,‏ كما كانت الحال دائما‏,‏ أنه يرفض وينبذ الهوامش والحواشي وحركات الاحتجاج العديدة التي نشأت لتحقيق مطالب ظرفية ووقتية‏,‏ بسبب صغر الحجم العددي‏,‏ وضعف آليات العمل الاحتجاجي الذي يقومون به‏,‏ وغياب المؤسسية التي تدير الخلافات الداخلية التي سرعان ما تظهر بحثا عن النجومية أو نتيجة الميل الطبيعي للمزايدة السياسية‏.‏ والثاني هو بزوغ تحالف مدني واقعي يصحح بعض نتائج ما جري في الانتخابات التشريعية لعام‏2005‏ عندما بزغت عنها حالة استقطاب حادة بين الحزب الوطني الديمقراطي من ناحية داعيا وحده تقريبا إلي الدولة المدنية‏,‏ والإخوان من ناحية أخري داعين صراحة في البرنامج الوحيد الذي قدموه للساحة السياسية إلي دولة دينية صريحة‏.‏ مثل ذلك من استقطاب كان مثيرا للقلق‏,‏ وربما كان سببا في ظهور الهوامش السياسية التي خدعت بضجيجها حتي شخصية مرموقة ومحنكة مثل الدكتور محمد البرادعي الذي كان ممكنا أن يكون إضافة للتطور الديمقراطي المصري لو أنه كان مستوعبا للكتاب المصري وعلي استعداد للمشاركة في التطور الديمقراطي من خلال القنوات الشرعية‏.‏
ولكن قدر الله وما شاء فعل‏,‏ ومع نهاية معركة المقاطعة وعودة السياسة المصرية إلي قنواتها الطبيعية‏,‏ فإن المهمة الأساسية خلال المرحلة المقبلة قبل وأثناء الانتخابات التشريعية هي العمل من أجل انتخابات نزيهة ونظيفة من كل شك ومزايدة‏,‏ وأن يكون الأمر كله منافسة حول تحديد مسار الدولة المصرية خلال المرحلة المقبلة التي قد تمتد حتي الانتخابات الرئاسية‏.‏ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون‏!!.‏
* نقلا عن صحيفة الاهرام المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.