أنا يا من ظننت واهمة أن الحرب مع الشخوص قد انتهت بعد إسقاط مبارك، لتحل محلها حرب أخرى من نوع جديد غير مشخصنه ضد الفساد والجهل والفقر قد خاب ظني في كل شيء. فقدت الثورة أجمل ماكان فيها، وهي روحها، وها نحن قد تفرقنا ودخلنا جميعا في صراع حول إشكالية "الفرخة قبل البيضة أم البيضة قبل الفرخة" وأجد أننا اذا ما استمرينا على حالنا سنخسر كل من البيضة والفرخة ومن سيأكلها. فهل هو استفتاء على الدستور أم حرب ضد الاخوان والرئيس المنتمي لهم، وهل أصحاب السلطة يؤمنون بالديموقراطية والمعارضة حقا أم أن التخوين والتكفير هو القالب الجاهز لكل من يخالفهم الرأي، وهل هي حقا معارضة أم معاندة وهل تلك هي السلطة أم التسلط ...هل هناك بالفعل مؤامرة حقيقية أم أنه غطاء للديكتاورية..وهل تطهير المؤسسات هو مطلب حقيقي للثورة وكيف السبيل إليه إذا كان استقلال هذه المؤسسات وسيادتها في الوقت الراهن قد سبق التطهير على قائمة الأولويات؟وكيف نطالب بتطبيق القانون إذا كانت مؤسسات دولة القانون تنزف واحدة تلو الأخرى بسبب ما تتلقاه من طعنات؟ لم يعد القائمين على لعبة السياسة منقسمين على أنفسهم..بل أصبحو أشبه بالمنتقمين من أنفسهم ...أو بالدب الذي قتل صاحبه بدافع الحب. لقد أثبتنا بالدليل أننا من النوع الذي قال عنه الرسول الكريم "إذا خاصم فجر" فمهما بلغت درجة تدين من ينتمون لتيار الاسلام السياسي ومهما بلغ رقي مباديء من ينتمون للاحزاب الثورية فالجميع قد خاصم والجميع قد فجر. وإن كنت قد وجهت اللوم لمن صنفوا أنفسهم بتيار الإسلام السياسي لأن عليهم، حتى حين يختلفوا، أن يتمسكوا بأخلاق الإسلام إلا أن العمل السياسي تحت أي مسمى هو مسؤلية أخلاقية يجب أن يتحملها كل من قبل العمل به سواء صنف نفسه إسلاميا أم لا.
السيد الدكتور البرادعي لقد كنت من أكثر المتحمسين لك، كنت بالنسبة لي الفكرة والأمل في التغيير، وكنت من أشرس المدافعين عنك حين نلت ما كفاك من تشويه منذ قدومك عام 2009 على يد نظام مبارك ولايزال البعض حتى اليوم يتهمك بالخيانة والعمالة والكفر لمجرد أنك قررت معارضة الرئيس والإصرار على معارضته على الرغم من أن الرئيس نفسه قد تباهى حين كان مرشحا للرئاسة بمشاركته في الجبهة الوطنية للتغيير وعمله معك. أعلم أنك لست خائن وأنك تحب هذا البلد، تحبه بطريقتك التي يختلف البعض معك فيها خاصة حين استقويت بالغرب في حديثك عن "الهولوكوست" في الجريدة الألمانية، فذكر الهولوكوست في هذا السياق وفي تلك الجريدة تحديدا هو شكل من أشكال الاستقواء بالخارج، ويبدو أن الرئاسة قد غارت منك واستقوت هي الأخرى بهم في مؤتمرها الصحفي الأخير الذي استدعت فيه كافة الصحف العالمية لتشكو لها من المحكمة التأسيسية العليا، أما نحن الشعب الغلبان غير المسيس ليس لنا إلا الله لنشكو له مما قد حل بنا.
الشعب البسيط غير المسيس هو دائما كلمة السر بالنسبة لي وهو من أنحاز له دوما وهو من شاركت في الثورة من أجله، وإذا كنت قد تحمست في وقت من الأوقات لحمدين صباحي فكان تحيزه للفقراء هو السبب، وإذا كنت قد وجهت اللوم إلى الرئيس محمد مرسي في بعض قراراته فكان بعدها عن الفقراء هو السبب (قرض صندوق النقد الدولي والضرائب الجديدة في نظري سهام جديدة موجهة إلى جيوب الفقراء الصغيرة التي لا تحتمل) ودعني أنطلق في لومي لك من إحدى تغريداتك التي ذكرت فيها أن الفقر والجهل هما التربة الخصبة لتجار الدين. هاج بعض المخونين لك وماجو مستنكرين وصفك للشعب بالجهل والفقر، ولكن هل لا نعاني بالفعل من الجهل والفقر؟! وإذا كنا لا نعاني من الجهل والفقر لم قمنا بثورتنا إذن، إن الفقر والجهل هما النتاج المؤكد لما عانيانه من فساد سياسي على مدار عقود مضت ولن أتفق مع من يرغبون في دفن رؤوسهم في الرمال لمجرد أن تلك الحقيقة الموجعة جاءت على لسان شخص ينصبون له العداء. ولكن يا سيدي الفاضل إذا كنت تدرك تمام الإداراك أن الجهل والفقر هما بالفعل ألد أعداؤك والعائق الذي يحول دون تقدم البلد ما هي الخطط الذي قدمتها لمحاربته على الأقل في حزبك السياسي؟ الجهل والفقر بالفعل هما العدو اللدود ولكن كيف السبيل إلى التخلص منه إذا ظلت الحكومة مشغولة بالتعامل مع المعارضة وظلت المعارضة مشغولة بالتعامل مع الحكومة دون أن يلتفت أي منهما لعامة الشعب. سيظل الجهل والفقر هما أعداء هذه البلدة إذا لم يبحث النخبة ، وقبلها "حكومة الثورة"، عن حل عملي وحقيقي على أرض الواقع بعيدا عن التنظير. وإذا كنا نلوم حزب الحرية والعدالة على توزيع الزيت والسكر، فعلينا أن نلوم أنفسنا لعدم البحث عن سبل للتعاطي مع البسطاء حتى "نوزع" بينهم الوعي، قد يحتاج الأمر إلى وقت ولكن لابد له من بداية.
عليك أن تدرك ياسيدي أن الشعب المصري، على الرغم من أنه من بين أكثر الشعوب قبولا للرشوة، وعلى الرغم من احتلاله المركز الثاني عالميا في مشاهدة المواقع الإباحية، وعلى الرغم من أنه دون شك سيحصد المركز الأول في النميمة وسلاطة اللسان والتناقض بين المظهر والجوهر إذا كانت هناك إحصاءات دقيقة لذلك، إلا أن هويتنا الإسلامية هي خطنا الأحمر. الهوية الإسلامية هي السلاح الذي يستغله من وصفتهم بتجار الدين ضدك وضد من يطالبون بالحريات وهي الراية التي لابد أن ترفعها وتثبت تمسكك بها إذا أردت مخاطبة الشعب الصري. الشعب المصري الذي في حاجة إلى من ينمي وعيه بحقوقه وبأخلاقيات دينه، التي وإن كان يتشدق بها إلا أنها بعيدة تماما عن الأغلب الأعم من سلوكياته، وليس هناك ما أبلغ مما نعيش فيه لإثبات ذلك.
لقد ظهرت على شاشات التلفاز وأكدت على اسلاميتك تارة وأكدت على عدم رغبتك في إسقاط الرئيس تارة أخرى وأن ما تبحث عنه هو أن يجد الجميع مكان لهم على أرض هذا الوطن ولكني في بعض الأحيان أشك أن تلك نوايا كل من في جبة المعارضة، ألا ترى معي ذلك؟ وألا ترى معي أنه حتى يجد الجميع مكانا لهم في هذا الوطن فلابد من الحوار، لابد من الحوار مرات ومرات حتى نصل إلى أي درجة ممكنة من التوافق لأن الصدام وحشد الشارع ضد الشارع (وهو الخطأ الذي يتحمل الحزب الحاكم مسؤليته) لن يجدي نفعا؟ ولتطمئنوا جميعا فيا حزبنا الحاكم لسيت معكم الأغلبية ويا معارضة ليست معكم الأغلبية فلتنظروا إلى من أقبلوا على الاستفتاء والذين لم تتجاوز نسبتهم ال30% لتدركوا أن الأغلبية الحقيقية مع الناس الغلابة الذي ينبغي على الجميع العمل من أجلهم حتى يتقدم هذا الوطن، فلا مفر إذن من التصالح، ولا مفر من الحوار والالتزام بما سيتم الاتفاق عليه. أعلم أن الحزب الحاكم قد سبق ووعد وسبق وأخلف إلا أنه لابد من وجود سبيل يضمن للالتزام بالوعود هذه المرة.
وكفانا فزاعات – يامن تستخدمون فزاعة الاخوان وتيار الاسلام السياسي بوصفهم آداه قمع الحريات وسفك الدماء وقطع الأيادي والألسن كفاكم، ويامن تستخدمون فزاعة الليبرالية بوصفها الانحلال التام وطمس الهوية الإسلامية كفاكم، لن يمكننا التعايش على هذا النحو، ما أقبحك يا من تتعامل بمبدأ إما معي أو كافر وخائن وفلول، وما أقبحك يا من تتعامل بمبدأ إما معي أو ديكاتور وخروف وتاجر دين – وما أقبحكم جميعا حين تلعبون على حساب الوطن وشعبه البسيط لعبة "فيها لاخفيها".