من الطرفين لا يعرف أحد الكثير عن الطرف الاخر فقط بعضاً مما يتناقله المسافرون و التجار ، و الأمر من ذلك سيطرة بعض الملتصقين بالتجار الكهنة مما جعل الصورة أكثر تشويها أو قتامة للبعض أو أكثر وردية و رومانسية للبعض الاخر من ضعفاء العقل و التفكير و عديمي التجربة ، عن تركيا و العرب أتحدث . قال أحد الكتاب ممن التقيت بتركيا مؤخراً مشبهاً مرسي بأربكان " إن مرسي هو أربكان الإخوان المسلمين " فقررت أن أرد عمليا ليعرف كذب الناقلين ، فرددت " و لكن كيف ؟ الإخوان المسلمين بمصر يقولون إن مرسي هو أردوغان مصر " فبهت الرجل ، و حاول أن يستفسر أكثر فقررت أن أصدمه بواقع النقل المنافق بين العرب و تركيا فذكرت له أن أردوغان منذ سنة مضت عندما كان بالقاهرة نادي بعض الشباب الجاهل المتحمس له ليكون خليفة للمسلمين . فصدم و ذهل ، و بالعادة عندما أذكر هذه الحدث لأي تركي مهما كان اتجاهه علمانيا قوميا او إسلاميا فالرد يكون بدهشة تتبعها جولة عنيفة من القهقة الساخرة و عدم التصديق تنقلب لسخرية من واقع الجهل عن تركيا ببلداننا العربية .
بتركيا أيضاً الكثير من الإنطباعات الغريبة الخاطئة عن العرب و التي ترسب بعضها منذ عقود و تكون البعض الآخر بسبب الاعلام التركي الحديث و كيف يري الدول العربية و ما يحدث فيها !
عن الشعب التركي : الشعب التركي هو شعب صبور ، مجتهد ، نشط يعمل الكثير من أبناءه ليكن بصبر وأناة و بعيداً عن تأثير الدراما التركية المدبلجة للهرب التي تنقل وقائع مختلة عن تركيا لا تكاد تكون موجودة الا في هذه المسلسلات التي تدبلج عن عمد للعرب و تهمل الكثير من الأعمال الأخري التي تنقل أجزاءا من الواقع ، بعيداً عن هذا التأثير هو شعب عاطفي .
الاتراك بطبيعتهم يتحركون بمجموعات كالذئاب لكل مجموعة قائد يثقوا به و هذا راجع للتركيبة الاجتماعية الفريدة لهم مما يجعل ما حدث في تركيا عسيراً علي التطبيق في الدول العربيه ، و يفضلون القيادة القوية و يمقتون القيادات الضعيفة حتي لو كانوا يحبونها و يحترمونها و لهذا السبب يختارون الأقوي في الإنتخابات و من يحقق مصالحهم حتي لو كان مخالفاً لاتجاههم الفكري و الأيدلوجي .
نتيجة للإستقرار الذي حققته حكومة اردوغان بنجاح تحول بالتدريج من المدن الكبيرة الي شعب إستهلاكي متزامنا من نقص متسارع بمعدلات البطالة و تسارع معدل النمو و التصدير .
الناقلون عن تركيا لا يتعرضون للتجربة الاجتماعية العنيفة التي حدثت بعد انهيار الدولة العثمانية و كيف أثرت علي الأتراك إجتماعيا و فكرياً فجعلتهم أكثر إنعزالية و تأثراً بنظريات المؤامرة بسبب ما حيك ضدهم من مؤامرات لعقود و كون بلادهم لفترة طويلة ساحة نزاع للقوي الكبري و العالمية خصوصاً أثناء الحرب البارده .
النقل بين تركيا و العالم العربي يتحدد بعدة عوامل أخطرها :
محدودية اللغة ، فتركيا كمجتمع لغوي مغلق ، غير متعدد اللغات تسيطر فيه اللغة الام علي كل شئ حتي الأفلام و المسلسلات الغربية و العاب الكمبيوتر تدبلج بالتركية لتبتلع كثقافة جعل غالبية الشعب التركي لا يعرف بديلاً إلا إعلامه و إن كان الكثير ممن قابلت يعتبرون الإعلام كمصدر غير موثوق .
الإعلام التركي : لعقود طويلة كان الاعلام معادياً بشكل غير مباشر حسب تربية ما بعد انهيار الدولة العثمانية علي اعتبار العرب السبب الاساسي لانهيار الدولة العثمانية و يتجاوز الامر من قبل الكثير من القوميين و اللاسلاميين باعتبار العرب خونة و هم في النفس الوقت من اكبر داعمي نظام الاسد القومي أيضا .
تكون طبقة وسيطة تعرف العربية و تعمل بالصحافة و تعتمد النقل عن بعض الاطراف فقط في الساحات العربية و تهمل الأطراف الأخري فتتكون صورة غير ناقصة و مشوهة لدي المتلقي ، و في بعض الأحيان تنشغل بالتبرير و التفسير بشكل مخل يتفوقون فيه عن قرائنهم من العرب
و في الطرف الآخر أي الطرف العربي الذي ينقل الصورة عن تركيا يفوته الكثير فهو يكتب عن الدولة من لوبيهات الفنادق و غرف المؤتمرات و الأوبين بوفيه فيفوته الكثير مما يجب أن يعرف الناس به ، فربما الرحلات لتركيا و الراحة في الفنادق و التلقين الذي يلقنونه لينقلوه للشارع العربي يعادل ما يملئون به بطونهم في قاعات المؤتمرات و صالات الفنادق .
من العار أن ينادي هذا الكاتب أو ذاك الصحفي بتقليد تركيا و هو لا يعرف عنها إلا المشهد الساحر علي مضيق البوسفور من سريرة الوثير بالفندق الفخم علي حساب دعوة مجانية مفتوحة و هو لا ينقل إلا ما يلقنه إياه بعض الوسطاء لنقل صور مشوهه و نشر إنطباعات خاطئة بشكل مقصود تستغل فيها الكروش و الأقلام .
تركيا حققت علي مر العشر سنوات الماضية إنجازات إقتصادية و تنموية و في مجالات التعليم و الصحة و الطاقة و لكن الملقنون لا يلقنون الملقنين إلا بعض الأساطير السياسية التي تضحك العامة في تركيا لكونها محلقة بالخيال بعيدة عن الواقع ليشوهوا بها الصور عن تركيا .
يعاني الكثير من القادمين لتركيا و الذين يستقرون بها لبرهة صدمة حضارية بسبب الوقائع المغلوطة التي ينقلها كهنة الكلمة و محترفي. النقل المنقوص من الطرفين .
نصيحة قبل أن تقرأ عن تركيا لقلم كاتب ما حاول أن تعرف كم غمس قلمه من غمسات في الولائم المفتوحة و هل كتب كلامه نقلاً عن ملقن يدس بأسامعه الكلمات علي مظهر ساحر خلاب علي البوسفور فربما قد تنجو من فخ المُلقِن و سذاجة المُلقَن لتتعلم شيئا عن كيف نهضت تركيا.