رأيت سوسن تجلس في مطار القاهرة بجوار باب الدخول مباشرة خلف فاصل رخامي وأمام فاصل زجاجي.. في مستطيل يتسع لصفين من الكراسي بينهما ممر رفيع، يقف فيه ويجلس علي الكراسي عدد من ركاب الطائرة من جنسيات مختلفة. رأيت سوسن صديقتي أستاذة الجامعة البحرينية التي تعرفت عليها في تونس تجلس في هذا المكان وكأنها ممنوعة من الدخول أو «مقبوض عليها»، كنت أعرف مسبقاً أن سوسن ستقضي أربع ساعات في مطار القاهرة، ثم تستقل مصر للطيران إلي المنامة بلدها، عندما رأيتها تجلس في هذا المكان، أصابني هلع. «في إيه يا سوسن قاعدة كده ليه؟، تعالي»، كنت واقفة خلف الحاجز الرخامي وكانت في الجانب الآخر وسط تكدس الركاب. فهمت أن المطلوب منها الجلوس في هذا المكان حتي يأتي أتوبيس ينقلهم إلي صالة السفر المخصصة لمغادرتهم، استغرق هذا الموقف حوالي ربع ساعة أو أكثر قليلاً. قضيتها معها أحاول تخفيف الوقت عليها بأي طريقة كنت أشعر بالخجل وأشعر بالذنب لأنها لا تلقي معاملة طيبة في بلدي. طوال أيام المؤتمر في تونس، كنت أقابل شخصيات نسائية من أغلب البلدان العربية، تحكي كل منهن عن بلدها، لاحظت أن بعضهن يبالغن في تصوير الجوانب الإيجابية في بلادهن إذا أتيح لهن إلقاء كلمات علنية، ثم يعترفن بحقيقة تردي الأوضاع إذا تحدثن بعيداً عن الميكروفون، ويعتبرن أن هذا السلوك تعبير عن الانتماء والوطنية. لاحظت أيضاً أنه حتي إذا دار الكلام بعيداً عن الميكروفون فإن واحدة فقط قادرة بطريقة معينة في الكلام علي أن تستفز الأخريات بحيث تظهر كل منهن مشاعر التعصب والتعالي لبلدها وضد الآخريات. واحدة من أهم الشخصيات المشاركات في مؤتمر مناهضة العنف ضد المرأة الذي عقد الأسبوع الماضي في تونس وهي أستاذة اجتماع لبنانية معروفة، انتقدت بعض الأوضاع في لبنان وطالبت بتعديلها فأتهمتها بعض المشاركات اللبنانيات الأخريات بأنها تضر بسمعة وطنها!!. طوال أيام المؤتمر لم أشعر بأي تعاطف مع هذه الطريقة في التعبير عن الوطنية، ولم أشعر بأدني شعور بالتعصب في مقابل أي كلام عن مصر أو المصريين، العالم الآن مفتوح تماماً، ومصر جزء من العالم والغيرة الحقيقية تظهر في النقد البناء وليس في التعصب، لكن لحظة دخولي مطار القاهرة ورؤيتي الأجانب والعرب المنتظرين نقلهم إلي صالة السفر، تضخم شعوري بأنني مصرية!!.