للمرة الثانية يحصل المخرج الجزائرى مرزاق علواش على جائزة أفضل مخرج عربى عن فيلمه « التائب»، سبق له فى العام الماضى أن اقتنص الجائزة الأولى عن «نورمال». كان للجزائر حضورها الطاغى خلال مهرجان الدوحة ترايبكا فى ظل احتفالات شهدتها الساحة السينمائية العربية باليوبيل الذهبى للثورة، وعندما تسلم علواش الجائزة قال إن الأب الروحى للسينما الجزائرية هو محمد الأخضر حامينا الذى صعد إلى المسرح وقال إن النساء لعبن دورا إيجابيا لدعم الثورة فى الجزائر. الحقيقة أن حامينا لا يزال يحمل لقب المخرج العربى الوحيد الحاصل على سعفة «كان» منذ عام 1975 بفيلمه «وقائع سنوات الجمر»، كما أنه حصل قبلها على جائزة «الكاميرا دور» من «كان» بفيلمه الأول «ريح الأوراس» وهو أيضا المخرج العربى الوحيد الذى يحمل هذه الجائزة منذ عام 1968.
فى حفل الختام امتد الحضور الجزائرى من خلال موسيقى الراب الشهيرة فى العالم، حيث تم اختيار بعض القطع الموسيقية المأخوذة عن الموسيقى التصويرية للأفلام ليمتد الامتزاج فى تلك الليلة بين السينما والموسيقى. حصلت مصر من خلال المخرجة حنان عبد الله فى أول تجربة لها بفيلمها التسجيلى الطويل «ظل راجل» على جائزة أفضل مخرج. وكانت تلك هى الجائزة المصرية الوحيدة بينما أفضل فيلم وثائقى «النادى اللبنانى للصواريخ» إخراج جوانا حاجى توما وخليل جريج وتنويه خاص للفيلم الجزائرى «فدائى» للمخرج داميان أو نورى الذى كان يروى فى الفيلم السيرة الذاتية لعمه وكان قد شارك فى معركة تحرير الجزائر. وحصل على جائزة أفضل مخرج عربى روائى نبيل عيوش عن فيلمه «خيل الله»، بينما أفضل أداء للممثل أحمد هافيان عن الفيلم التونسى «الأستاذ» وأفضل فيلم قصير «المنسيون» السورى لإيهاب طربية، كما أن المخرجة السعودية عهد كامل بفيلمها «حُرمة» أخذت جائزة التطوير التى تعنى أن المهرجان من خلال مؤسسة الدوحة للسينما سوف يشارك فى توجيه الدعم المادى لفيلمها القادم. والحقيقة أن عهد اخترقت الكثير من التابوهات التى كان من المستحيل الاقتراب منها فى السعودية فى ظل مجتمع خليجى متحفظ. يستحق فيلما «ظل راجل» و«حُرمة» أن نتوقف معهما فى مقال خاص، ولكن هذه المرة دعونا مع مرزاق علواش و«التائب».
فى الجزائر وفى عام 1999 أصدرت الدولة قرارا بالعفو عن الإرهابيين تطلب منهم العودة لمنازلهم والخروج من الجبل إلى الحياة مقابل عدم ملاحقتهم جنائيا. كانت الجزائر قد عاشت فى ظل ما أطلق عليه العشرية السوداء. إنها تلك السنوات التى كان الإرهاب الذى يتدثر بالدين يقتل مئات من الجزائريين بحجة أنهم يطبقون شرع الله، ولهذا جاء قرار الرئيس الجزائرى عبد العزيز بو تفليقة وقتها ليوقف نزيف حمامات الدم.
مرزاق علواش تساءل فى فيلمه هل الإرهابيون الذين مُنحوا العفو مهيؤون لكى يصالحوا الحياة؟ الإرهاب كما يراه علواش لم يكن حالة طارئة، بل هو عقيدة تعيش فى أعماقهم وزمن العفو بالنسبة إلىهم سيتحول إلى مساحة لالتقاط الأنفاس، وبعدها يستعدون مرة أخرى للانقضاض على الحياة.
عندما تعفو الدولة هل يغفر الناس؟ المخرج يجيب عن السؤال مؤكدا أن الإرهاب فى الصدور وأن الناس لم تنسَ، وهكذا شاهدنا شخصية الإرهابى العائد من الجبل إلى بلده وهو منبوذ من الجميع، القرية التى جاء منها لم يستطع أهلها أن ينسوا الدماء التى أريقت، ويذهب الإرهابى للعمل فى بلدة أخرى صبى قهوجى، وعندما يحاول التقرب من صاحب المقهى ويناديه بكلمة أخى ينهره قائلا لست أخاك. كان الإرهاب المسلح فى الجزائر قاسيا ودمويا ولا يعرف رحمة وهو يغتال المئات من الأبرياء، إلا أن الوجه الآخر للصورة أن الإرهابى أيضا لم ينسَ أنه لا يزال فى أعماقه رغبة لكى يغتال ويقتل ويتاجر حتى بقبور الأبرياء.
العفو ليس دولة أو حاكما يصدر قرارا ولكن بشر وقع عليهم الظلم ودفعوا الثمن هم فقط من حقهم المغفرة.. بينما فى الجزائر كما يقول علواش من خلال الشريط السينمائى لا تزال النار تحت الرماد، فلا الناس تنازلت عن طلب الثأر ولا الإرهابى تراجع عن موقفه. ولا يتبقى لنا سوى أن نلقى الضوء على سينما قدمتها المرأة فى مصر والسعودية تحلت بالجرأة والفن لكل من حنان عبد الله بفيلمها «ظل راجل» وعهد كامل «حُرمة» إلى الغد