فى مسابقة الفيلم العربى بمهرجان «الدوحة ترايبكا» عرض الفيلم المغربى «خيول الله» للمخرج نبيل عيوش الذى سبق أن شاهدته فى قسم «نظرة ما» بمهرجان «كان» فى منتصف شهر مايو الماضى. الفيلم يدين الإرهاب المسلح المتدثّر بزىّ الإسلام ويعيد إلينا أسلوب غسل الأدمغة المنهج الدائم للجماعات المتطرفة فى العديد من الدول العربية والإسلامية الذى قاسينا منه ولا تزال تلاحقنا بعض شظاياه، حيث يصبح أسامة بن لادن وأفكاره هو النموذج ونرى الإسلام مرادفا ومعبرا، بل وكأنه الوجه الآخر للإرهاب المسلح.
تلك هى العين الأجنبية التى ترى حال الإسلام فى العالم العربى أو الإسلامى لو اتسعت زاوية الرؤية، وأتصور أيضا أنها تريح المتفرج الغربى الذى يبدو مهيَّئا لكى يتعامل بتلك النمطية مع الشخصيات العربية والإسلامية، حيث بات العديد من الأفلام وكأنها تُقدم ما يمكن اعتباره «ستريو تايب» أو «كليشيه» عن الإسلام سواء صُنعت هذه الأفلام بعيون عربية أم أجنبية.
تبدأ أحداث فيلم «خيول الله» فى مطلع التسعينيات والأطفال يلعبون فى الساحة ونصل إلى رحيل الملك «الحسن الثانى» عام 99، بينما الجريمة التى رصدها نبيل عيوش وهى موثَّقة فى كتاب «نجوم سيدى مؤمن» حدثت عام 2003 فى كازابلانكا عندما فجر عدد من الشباب أنفسهم ليقتلوا كل من فى الملهى بدعوى الدفاع عن الإسلام.
مثل هذه الأفلام وغيرها تعيد إلى الأذهان فيلما بديعا قدمه المخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد قبل نحو عشر سنوات بعنوان «الجنة الآن»، عن أسلوب غسل المخ الذى تنتهجه الجماعات المتطرفة، وقدم المخرج طقوس الاستعداد للتفجير. إنها أشبه بإجراءات الغسول للمتوفى -طبقًا للشريعة الإسلامية- فهو يستعد لدخول الجنة، بل وبعضهم يشم رائحتها ويودّع أهله يطلب منهم أن يسعدوا به فهو ينتظرهم فى دار الخلود.
وكما أن أبو أسعد قدم لنا نموذجا لمن يتراجع فى اللحظات الأخيرة، فإن هذا هو ما رأيناه أيضا فى فيلم عيوش، وبالطبع توارد الخواطر فى هذه الحالة ممكن لأن النفس البشرية واحدة ومن الجائز فى اللحظات الأخيرة أن هناك من يشعر بالذنب بأنه يرتكب معصية يحاسبه عليها الله لإقدامه على اغتيال المدنيين. حصل الفيلم الفلسطينى على جائزة «الكرة الذهبية» وكان واحدا من خمسة أفلام رشحت لجائزة الأوسكار 2004.
فى الفيلم المغربى «خيول الله» يتابع نبيل عيوش شغفه بالتعامل مع الأطفال الذين يقفون أمام الكاميرا لأول مرة مثلما قدمهم فى واحد من أفضل أفلامه «على زاوا»، فهو يستطيع أن يقتنص منهم أكثر اللحظات طبيعية ونرى العائلات المغربية الفقيرة التى تتحايل لكى تواجه الحياة وتعيش أيضا فى ظل مفهوم خاطئ يسيطر عليها عن طبيعة الدين وكيف أن الاستشهاد هو الهدف، وأنه على المسلمين أن يعلنوا الحرب على العالم لإنقاذ الإسلام لأنهم يعشقون رائحة الجنة، بينما الآخرون لا يعرفون سوى ملذات الدنيا.
الإرهاب الذى تجسده مثل هذه الأفلام أراه فى جانب كبير منه يرسخ الفكرة الخاطئة التى يعتقدها الغرب عن طبيعة الدين الإسلامى الذى مع الأسف أسهم العديد من الفضائيات العربية بكثرة تقديمها لمشاهد الذبح التى يمارسها الإسلاميون على تأكيد تلك الصورة، ومن الممكن أن ترى فى فيلم «براءة الإسلام» المسىء للرسول عليه الصلاة والسلام، شيئا من الترديد لمثل هذه الممارسات التى علقت عنوة بالإسلام.
شخصية الإرهابى المسلم تشغل بالتأكيد الثقافة الغربية وتحتل مساحة كبيرة داخل المهرجانات، وهناك بالتأكيد ارتياح غربى لهذه الصورة النمطية، ولكن يظل أننا ننتظر أيضا نوعيات أخرى تتغلغل أكثر وتحلل بعمق تلك الشخصيات التى لا نستطيع أن ننكر وجودها، ولكن حضورها السينمائى فى المهرجانات بات يميل لكى يحيلها إلى «كادر» ثابت.
الناس تنتظر أن تشاهد ما تعرفه أو ما تسمع عنه وتخشاه، ربما هذا يفسر لك لماذا صفّقوا فى الصالة بكل تلك الحميمية لفيلم «خيول الله» مرتين. الأولى فى «كان» وهو ما تكرر عند عرضه فى «الدوحة ترايبكا».
التصفيق لا يعنى بالضرورة الحضور الفنى.. هذه المرة أراه إعجابا يعزف على إيقاع الخوف. الإرهاب المسلح باسم الدين بالطبع لم يختفِ فى العالم، ولكننا بحاجة إلى رؤية أكثر طزاجة وعمقا وموضوعية لا تبيع البضاعة ذاتها كل عام فى المهرجانات العالمية والعربية!!