لأول مرة يُفتتح مهرجان سينمائى ضخم فى سوق شعبية، كانت ليلة أمس هى ليلة استثنائية لمهرجان الدوحة «ترايبكا» فى دورته الرابعة. حيث ترى بجوار السجادة الحمراء التى يصعد عليها نجوم عرب وعالميون محلات لبيع المشغولات والمنمنمات العربية، وعبق البخور ممتزج مع دخان الشيشة. أكتب ذلك قبل الافتتاح بساعات ولكن مساء أول من أمس شاهدت البروفة حيث تجرى الاستعدادات بدقة لضمان أن لا تحدث مفاجآت.
افتتح المهرجان بفيلم «الأصولى المتردد» للمخرجة الهندية المعروفة ميراناير (أكتب هذه الكلمة بعد مشاهدة الفيلم فى العرض الصحفى الذى يسبق الافتتاح الرسمى بساعات). الفيلم مأخوذ عن رواية «الانقسام الثقافى بين الشرق والغرب» لمحسن حميد الذى كتب أيضا السيناريو. حاول الفيلم فى لحظات أن يُمسك العصا من المنتصف بين إدانة الإرهاب وإدانة التوجس الأمريكى، ولكن أفلت منه الترمومتر، وفى الكثير من اللحظات كان ينحاز إلى وجهة النظر الأمريكية. يتناول السيناريو أحداث ما بعد 11 سبتمبر التى أحدثت جرحًا وشرخًا ما زالت تداعياته تجرى حتى الآن (سوف أكتب تفصيليا عن الفيلم فى مقال قادم)، ولكن تلك التيمة التى تجد فيها أن سيطرة حالة الخوف من التطرف واضحة، من الممكن أن تجدها أيضا فى فيلمين داخل المسابقة العربية سبق لى رؤيتهما فى مهرجان «كان» وهما «خيول الله» المغربى للمخرج نبيل عيوش، و«التائب» للجزائرى مرزاق علواش.
المهرجان يعرض فى مسابقته العربية أيضا الفيلم المصرى «عشم» للمخرجة ماجى مورجان فى أول تجربة لها، وبطولة عدد من الوجوه الجديدة. وهكذا للمرة الثانية نجد أن مخرجة مصرية هى التى تمثل السينما المصرية، قبل شهر شاهدنا المخرجة هالة لطفى بفيلمها الرائع «الخروج للنهار» تمثل مصر فى مهرجان أبو ظبى وتحصل على جائزة الإخراج فى قسم «آفاق»، ولا أستبعد أن تحصل ماجى على جائزة فى الدوحة رغم شراسة المسابقة.
ومن الأفلام التى تشارك فى المسابقة العربية «ذكريات ملاعب» إنتاج قطرى فرنسى إخراج براحيم فريتج، و«الأستاذ» من تونس للمخرج محمود بن محمود، والهولندى الإنتاج «دى فيلت»، ولكن المخرج عربى كريم إلكسندر والأحداث أيضا عربية واللغة جزء منها عربية والأبطال الرئيسيين عرب وهى قضية تثير عديدًا من التساؤلات عن هوية الفيلم؟ هل هى للفنانين أم لجهة الإنتاج، وأنا أميل أكثر إلى أن الإنتاج أحد شروط الهوية رغم أن مهرجان القاهرة الذى يفتتح 27 نوفمبر القادم فى اللائحة الجديدة لا يشترط هوية الإنتاج العربية وهذه أيضا قضية تستحق مقال خاص.
ومن المغرب «وداعا للمغرب» لندير مكناش، وفى مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة تعود المخرجة تهانى راشد بفيلمها «نفس طويل» وتتناول ثورة 25 يناير من خلال رؤية أتصورها أكثر هدوءا، نظرا إلى البعد الزمنى عن صخب الأحداث، وعلينا أن ننتظر ما يسفر عنه الشريط. وتتعدد المسابقات مثل الأفلام العربية القصيرة وتجد أيضا حضورًا للثورات العربية، ويقدم المهرجان إطلالة على الأفلام القطرية عنوانها «صُنع فى قطر».
السينما الجزائرية التى احتفلت بمرور 50 عامًا على الثورة التى حررت البلاد فى عام 62 من الاستعمار الفرنسى، هى ورقة دائمة فى المهرجانات العربية لا يمكن تجاهلها، وهكذا شاهدناها فى الإسكندرية وأبو ظبى والدوحة وقرطاج. وأتصورها حاضرة بقوة فى مهرجان القاهرة وسوف تجد لها مساحة خاصة بالتأكيد فى مهرجان «وهران» الذى يفتتح دورته الخامسة فى 17 ديسمبر.
ومن الأفلام الجزائرية التى أصبحت عنوانا أيضا للثورة فيلم «عمر قتلاتو» للمخرج مرزاق علواش، بالإضافة إلى عروض للأفلام العالمية. بعضها أتيح لى مشاهدته من قبل مثل «حصة الملائكة» الذى عرض فى «كان» وحصل على جائزة التحكيم للمخرج كين لوتش، وافتتح قبل شهر بانوراما الفيلم الأوروبى. ومن الأفلام المهمة أيضا «أطفال سراييفو» إخراج عايدة بجيتش (حصل على جائزة من مهرجان «كان» فى مسابقة «نظرة ما»)، وتعددت الأفلام، ولكن الملاحظة هى أن الوجه الرئيسى للمهرجان «ملمحه» عربى.
ومن بين الندوات المهمة واحدة عن السينما العربية القادمة وكيف ترصد التغيير الاجتماعى فى ظل مجتمع بطبعه محافظ وينظر بعين الريبة إلى التغيير، وأيضا ندوة الأفلام الخليجية المكبلة بتلك النظرة السائدة وأفلام «بولييود» وهل تخترق العالمية ولماذا السينما الهندية التقليدية تلقى رواجًا شعبيا، بينما السينما الهندية الموازية التى من الممكن أن نطلق عليها تعبير «مستقلة» هى التى تحصد الجوائز وتحتفى بها المهرجانات.
كما أن روبرت دى نيررو الفنان العالمى، له أيضًا وكالعادة لقاء باعتباره مؤسسا مشاركا لمهرجان ترايبكا الأمريكى وصار هو أحد ملامح ترايبكا العربى.