"الدين ليس مجرد كتاب. أنه سلاح جبار. يمكنك توجيهه إلى القلوب والعقول الضعيفة واليائسة المتعطشة للعدل ولغد أفضل". (جارى أولدمان - The Book of Eli) هل شاهد أى منكم أحد أفلام الكوارث التى تتحدث عن نهاية العالم والمعروفة بإسم (Apocalypse) مثل أفلام "2012" و"Armageddon" و"War of the Worlds"؟
أو أحد أفلام ما بعد نهاية العالم (Post-Apocalyptic) مثل "The Book of Eli" أو "The Road" وطبعاً "I Am Legend"؟
أعلم إن الإجابة ستكون بنعم على السؤالين بنسبة كبيرة خاصة إننا فى عصر السماوات المفتوحة (التى يحاول الإخوان والسلفيين غلقها) والتى جعلتنا نشاهد تلك الأفلام مجاناً وبتقنية HD كمان.
لست بصدد مناقشة هذه الأفلام فنياً من حيث الإنتاج أو الإخراج أو التمثيل وإن كنت أعشق هذا وسأرجئه لموضع وحديث أخر، لكنى أريد مناقشة ما أسترعى إنتباهى فى كل أفلام الكوارث التى رأيتها فى حياتى بدءًا من "Mad Max" إلى "Knowing" مروراً ب "Water World" إلى آخره من الأفلام التى تناولت خراب العالم ونهايته أو فترة ما بعد فناؤه بسبب الحروب النووية أو التلوث أو حتى غزو من الفضاء الخارجى، وهو المشاهد المفزعة (من وجهة نظر صناع الفيلم) لفناء الحضارة البشرية ونهاية كل منجزات الإنسان التى أنشأها عبر القرون إنطلاقاً من موروث تراكمى من العلم والهندسة والفن.
ما أسترعى إنتباهى وفتت أحاسيسى وأشعرنى بالحسرة فى كل مشاهد الدمار وإخلاء المدن فى تلك الأفلام إننى لم أشاهد فيلماً واحداً أستطاع مخرجه أن يصل بمشاهد الطرق والأبنية والمدن والخراب المحيق بها إلى مستوى حياتنا اليومية العادية وما نقابله فيها كأنه مصير وقدر محتوم.
أريد من أى قارئ منصف أن يتعب نفسه قليلاً ويحاول أن يراجع مشهد السيارات أثناء إخلاء مدينة نيويورك فى فيلم "The Day After Tomorrow" والذى تخيل مخرجه المرّفه "رولاند إمريك" أنه مشهد مرعب ينبئ بنهاية العالم فى حين أنه لا يقارن على الإطلاق بمشهد السيارات المتجهة من مدينة مصر للمعادى عبر الأوتوستراد!
كنت أتمنى لو أستطعت أن أوجه الدعوى لجيمس كاميرون أو الإخوة هيوز لمشاركتى متعة القيادة فى طريق ترعة المريوطية قبل ما أطفش وأروح "زايد". والسكن فى المريوطيه تجربه مرعبة لا تنسى، ليس بسبب الناموس والحشرات بأنواعها والزحام والباعة والمقاهى وغيرها، كل هذا كان محتملاً إلى حد ما، ولكن إستعمال هذا الطريق يومياً للذهاب إلى العمل هو ما جعلنى أقرر أن أقاطع المنطقة كلها للأبد. أتخيل مخرجى الكوارث الآنف ذكرهم وهم يراقبون من مقاعدهم داخل سيارتى المتواضعة ما لم يخطر ببالهم عن مشاهد نهاية العالم، ومالا يتخيل بشرى وجوده فى مكان واحد من أنواع المركبات التى كان يستعملها الأجداد فى العصر البايوسينى من ثيران وبقر وجاموس وخيول وحمير وسيارات نصر124 وجمّال وكارّو وكارّته (بتاعة سى السيد) وعربيات الريكشا المصريه التى يدفعها البنى أدمين بائعى الذرة والبطاطا والترمس والخضار.. إلخ، مروراً بما أبدعه الأحفاد الآن من دراجات وموتوسيكلات وتوكتوك وميكروباص ونقل ونص نقل ومقطوره، تسير بألفة ملتصقة بالأوتوبيسات والملاكى والشرطه والإسعاف والمطافى، وليس إنتهاء طبعاً بالحفارات والأوناش وعربيات المجارى والرش والجرارات الزراعيه.
كل هذا يسير متجاوراً فى وقت واحد! يعنى لو فيه واحد راكب فيل أو ديناصور فى هذا المهرجان لن يبدوا غريباً أو يخل بتوازن المشهد أبداً. أريد أن أعرف وقتها كم المفاجأة عندما يكتشفان أنهما مخرجان فاشلان لم يستطيعا تصوير مايظنان أنه نهاية العالم ولدينا عشرة أضعاف ما تخيل العبقريان (سابقاً) أنه معاناة! ونحن نتعامل معها عادى كمنغصات لا فكاك منها لا بنهضة ولا يحزنون.
هل يجرؤ أحدكم أن يقارن بين الطريق الذى كان يقطعه "ويل سميث" فى "I Am Legend" بعد نهاية وخراب العالم وبين شارع مكرم عبيد المحطم الموجود فى قلب مدينة نصر، دون أن يتمنى أن يحظى بالسير على الطريق الأول والذى لا يوجد به حفرة واحدة ومازال محتفظاً بتخطيطه وعلاماته كما هى؟
هل يستطيع أحدكم أن يمنع نفسه من تمنى أن يحظى بالزحام الذى لا يبلغ طوله كيلومترين فى فيلم "Knowing" وكل السيارات تسير فى صفوف منتظمة (فى نهاية العالم!) وأن يستبدله بالستة كيلو مترات من الفوضى العشوائية والمعاناة التى يتكبدها يومياً المتجه للمهندسين عن طريق المحور؟ هل دمعت عين أحدكم وهو يرى معاملة الجيش والشرطة الراقية المتحضرة للمواطنين فى فيلم "The Happening" وقد تذكر مشاهد الجيش والشرطة فى التحرير تسحل المواطنين المطالبين بحقوقهم ثم تلقى بالجثث فى الزبالة؟ نحن نعيش (أو ندعى إننا نعيش) فى دولة تبنى "محطة أوتوبيس" فتنهار بعد أسبوع على رأس المواطنين، ومع ذلك ولتكتمل المسخرة يصدق بعضنا ساستنا عندما يعلنون أنهم سيبنون "محطة نووية". دولة لا يوجد بها كوبرى بفواصل سليمة وتأمل أن تضع فواصل للتعامل مع الدول التى تطعمنا وتعطينا المعونة والسلاح. دولة لا تستطيع إغلاق نفق يخرج منه الأرز والسكر والسولار المدعم ويدخل منه الإرهابيين بأسلحتهم ليمعنوا تقتيلاً فى جنودنا الغلابة الذين يعانون من سوء التغذية، وتريد أن تزحف على القدس بالملايين (راجع تصريحات المرشد وصفوت حجازى وقارنها بتصريحات عبد الناصر قبل النكسة).
المصيبة إن المبرراتية جاهزين دائماً بالرد أن الرئيس أستلم البلد خرابة (وهو نفس ما قاله مبارك عن السادات ونفس ما قاله السادات عن عبد الناصر وهو نسخة من كلام عبد الناصر عن الملك فاروق) وكل عهد زادها خراباً وساهم فى نزولها درجات على سلم الأمم الفقيرة والمتخلفة، دون أن يسأل أحد المبرراتية الشيخ الرئيس عن الكوكب الذى كان يحيا فيه عندما قطع على نفسه وعود المائة يومّ.
هل كان يظن مثلاً أنه سيحكم الدانمارك أو السويد؟ ألم تكن خرابة وقتها بإعترافه وقتما وعد بجمع القمامة وتنظيم المرور وهى الوعود التى تصلح لإنتخابات رئاسة حى الشرابية وليس رئاسة دولة بحجم مصر؟ والكارثة أنه فشل في وعوده الهزيلة جميعاً!
وبرغم الفشل تجد من البلهاء من يقول: "المهم أنه حافظ القرءان" -برغم إن مافيش حد إتاكد من ده- ولكن هذا يدل إن اللعبة أديرت بذكاء شيطانى من البداية مما يعيدنا إلى مقولة "كارنيجى" فى بداية المقال.
ما نعانيه الآن يشبه مرحلة (Post-Apocalyptic) أو "مابعد الدمار" والتى لا يصاحبها فى الأفلام أو فى واقعنا الكابوسى أى إصلاح، بل عشوائية وغوغائية وسيادة شريعة الغاب وإنتشار ألاف المستفيدين من الخراب والمتاجرين به.
كل ما مضى وخبرناه عبر العصور الماضية لعنة لا حل لها إلا بنسف كل ما تدعى الحكومة أنه بنية تحتية وإعادة بنائه من جديد، وهذا مما يستغرق عقوداً لو بدأنا الآن فما بالكم أنه لا نية أصلاً فى الإصلاح.