حالة من التناقض والانفصام الإدارى تعيشها الحكومة المصرية حاليا. فحينما تسعى لمواجهة الإضرابات العمالية والمطالب الفئوية تتحدث عن الواقع المرير لاقتصاد مصر، وعن عجز الموازنة البالغ 170 مليار جنيه والميزان التجارى المختل، وكذلك معدلات البطالة التى سجلت نحو 13% وفقا للتقديرات الرسمية. لكن حينما ترسم سياسات المستقبل، تفعل ذلك بمعزل عن ذلك الواقع المرير الذى تُصدِّره لكل من يطالبها بحقه. الخطة العشرية الحالية، تستهدف فى مداها القصير الذى ينتهى بنهاية العام المالى الحالى -وفقا لوزارة التخطيط- تحقيق معدل نمو يقارب 4%، ومعدل زيادة فى متوسط الدخل الفردى بنسبة 2%، فضلا عن توفير 700 ألف فرصة عمل خلال العام، وزيادة الاستثمارات الكلية بنحو 17%، وكذلك زيادة الاستثمارات الأجنبية من مليارى دولار فى العام المالى السابق 2011 – 2012 إلى 8 مليارات دولار، وهو ما يخالف توقعات صندوق النقد الدولى الذى تسعى مصر للاقتراض منه لمجرد الحصول على شهادة بصحة وسلامة الاقتصاد المصرى.
كان التقرير الصادر عن صندوق النقد فى الأسبوع الثانى من أكتوبر الجارى بعنوان «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منطقة تسير بسرعتين»، قد أشار إلى أن معدل النمو المتوقع للاقتصاد المصرى بنهاية العام الجارى لا يتجاوز حاجز 2%، مستندًا إلى تأثيرات عدم الاستقرار السياسى والاجتماعى، وضعف الطلب الخارجى، وارتفاع أسعار النفط. لافتا إلى أن غياب الاستقرار وعدم اليقين أدى إلى تأثير سلبى على النشاط الاقتصادى فى تلك المجموعة من البلدان، وهو ما يتبين بوضوح من الانخفاض الحاد فى معدلات السياحة والاستثمار الأجنبى المباشر، وفى نفس الوقت، كان لانكماش النشاط الاقتصادى فى أوروبا وهو من أكبر الشركاء التجاريين أثرًا سلبيًّا على النمو.
أستاذ الاستثمار والتمويل بجامعة السادس من أكتوبر مصطفى النشرتى، قال ل«التحرير»، إنه لا يتوقع حدوث أى ارتفاع فى معدلات النمو نهاية العام المالى الجارى، لافتا إلى أن خطة الحكومة قصيرة المدى التى تضمنتها الخطة العشرية تعد «أوهاما حكومية»، لأن تحقيق النمو يتطلب ارتفاع معدلات الادخار وهو متدنٍ حتى الآن، الأمر الذى يتم تعويضه بالاستثمار الأجنبى المباشر الذى يسد العجز الاستثمارى الناتج عن تدنى معدلات الادخار، وهو الأمر الذى لم يتحقق بعد باعتراف الحكومة التى قالت إن الدولة تحتاج إلى نحو 170 مليار دولار استثمارات تتوفر منها 56 مليارًا فقط.
النشرتى أشار إلى أن رفع معدلات النمو يتطلب كذلك خفض العجز فى الميزان التجارى، موضحًا أنه إذا كان الاقتصاد المصرى يتمتع بنقاط قوة تتمثل فى ارتفاع الدخل من قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج وتعافى السياحة، إلا أنه يتمتع فى المقابل بنقاط ضعف تمثل تحديات صعبة أمام الحكومة لتحقيق المعدل المعلن عنه أهمها انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار نتيجة طريقة التمويل التضخمى التى اتبعتها الحكومة خلال 2011 لتمويل عجز الموازنة من خلال طبع نقود جديدة بلغت نحو 60 مليار جنيه، لافتا إلى أن انعدام سياسات خفض الإنفاق التى أدت بالتبعية لارتفاع معدلات التضخم،
كانت دراسة للجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار قالت إن النمو الاقتصادى يعد ضروريا للتقليل من حدة الفقر، كما أن تأثيره يكون إيجابيا على الفقراء، لكن بشرط أن يكون توزيع الدخل عادلا. فعادة ما يكون النمو جيدًا للفقراء، لأن النمو يؤدى إلى زيادة الطلب على ما يقوم الفقراء بإنتاجه، كما يؤدى لزيادة الطلب على عمالتهم.