فاروق العشري: العجز التجاري مرض مزمن فرج عبدالفتاح: قوانين التجارة الدولية تتيح لنا وضع قيود علي شراهة الاستيراد د. حمدي عبدالعظيم: تداعيات سلبية واسعة علي الاقتصاد أحمد آدم: من المتوقع تحقيق عجز تاريخي خلال العام الحالي ارتفاع معدلات العجز في الميزان التجاري أحد التحديات الاقتصادية الصعبة التي تواجه تنفيذ برنامج الدكتور محمد مرسي نتيجة لخطورة هذا العجز وتداعياته الواسعة علي السوق المصري: "العالم اليوم" تناقش الخبراء حول اسباب ارتفاع العجز في الميزان التجاري وكيفية التصدي لها والاجراءات المطلوبة من الدكتور محمد مرسي ورئيس وزرائه الدكتور هشام قنديل للتعامل مع هذه الأزمة وايجاد حلول عملية لها. وارتفع العجز في الميزان التجاري لمصر خلال شهر إبريل الماضي بنسبة 79.6%، ليصل إلي 17.5 مليار جنيه مقابل 9.7 مليار جنيه في شهر إبريل 2011، وذلك طبقا لبيانات الملخص الشهري للتجارة الخارجية عن شهر إبريل 2012 الذي يصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وانخفضت قيمة الصادرات المصرية بنسبة قدرها 13,9% حيث بلغت 15,1 مليار جنيه خلال شهر إبريل 2012 مقابل 17,6 مليار جنيه لنفس الشهر من العام السابق عليه 2011، ويرجع ذلك إلي انخفاض قيمة بعض السلع مثل "منتجات البترول - البترول الخام - أسمدة - ملابس جاهزة - برتقال طازج - منتجات البان". فيما ارتفعت قيمة الواردات بنسبة قدرها 19,4% حيث بلغت 32,6 مليار جنيه خلال شهر إبريل2012 مقابل27,3 مليار جنيه لنفس الشهر من العام السابق، ويرجع ذلك إلي ارتفاع قيمة بعض السلع مثل "منتجات البترول - مواد أولية من حديد أو صلب - القمح - لدائن بأشكالها الأولية - مواد كيماوية عضوية وغير عضوية - أدوية ومنتجات صيدلة". ويقول د. فرج عبدالفتاح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة إن ارتفاع نسبة العجز التجاري دليل علي سوء إدارة الحكومة لمجريات الامور بالسوق المصري، لافتا الي انه كان من المنتظر من الحكومة ان تضع قواعد لمنع استيراد الكثير من السلع التي يراها المجتمع انها سلع كمالية وكان من الممكن اتخاذ اجراءات مشددة للحد من شراهة الاستيراد من الخارج دون تعلل بأن قوانين منظمة التجارة العالمية لاتسمح بذلك . ويشير الي ان هذا الامر جائز وفقا لقوانين منظمة التجارة الدولية شريطة ألا تكون مستديمة ولظروف تقدرها المنظمة، ومصر تنظبق عليها هذه القواعد حيث شهدت ثورة شعبية وحالة اضطرابات سياسية وامنية بما انعكس الامر سلبيا علي الاقتصاد المصري . ويؤكد أن الحكومة تعلم ذلك جيدا ولكنها لم تتخذ أي إجراء لتقييد الاستيراد للسلع الرفاهية والكمالية، لافتا الي ان الحكومة تسير علي ذات نهج وسياسة حكومات النظام السابق دون تغيير او تطوير او مراعاة لظروف السوق والبلد وأداء الحكومة في هذا الامر يعبر عن فلسفة اقتصادية لم يستطع رئيس الحكومة ان يجد بديلاً لها رغم ان هذه الفلسفة تم تغييرها في البلاد التي اخترعتها وانشأتها فمثلا الولاياتالمتحدةالامريكية عادت لاحياء السياسة الكنزية والتي اتبعتها دول العالم خلال فترة الكساد العظيم في عام 1939 بحيث يكون للدولة دور فاعل في الاقتصاد والمشروعات العامة وتقوم بدور حقيقي في قيادة الاقتصاد الوطني من خلال توفير التمويل اللازم لهذه المشروعات وليس كما يحدث حاليا من هرولة الحكومة علي الاستدانة من البنوك عبر اذون الخزانة والسندات ويلفت الي أن الحكومة كانت من الممكن ان توفر هذا التمويل من خلال المشاركة الشعبية وطرح اسهم يسهم فيها الشعب المصري مع عمل اصلاحات لتوزيع الدخل يمكن الطبقة المتوسطة من المشاركة في تمويل هذه المشروعات ودعمها . فاتورة الاستيراد ومن جانبه يقول د. حمدي عبدالعظيم عميد أكاديمية السادات للعلوم الادارية السابق إن ارتفاع نسبة العجز في الميزان التجاري يعود الي عشوائية الاستيراد وارتفاع فاتورة الاستيراد خاصة اننا نعتمد علي استيراد ما يقرب من 50% من احتياجاتنا الغذائية والاستهلاكية. وأشار عبد العظيم الي أن ارتفاع قيمة العجز في الميزان التجاري له تداعيات سلبية واسعة علي الاقتصاد المصري حيث سيؤدي الي تآكل العملة الاجنبية بالسوق وبالتالي تراجع نسبة احتياطي النقد الاجنبي والتي خسرت اكثر من نصف قيمتها خلال العام والنصف العام بعد الثورة ووصلت الي 15.2 مليار دولار بدلا من 33.5 مليار دولار قبل اندلاع ثورة يناير، كما ان ارتفاع العجز في الميزان التجاري سيؤدي الي زيادة قيمة الدولار امام قيمة الجنيه بما يؤدي ايضا الي ارتفاع فاتورة الاستيراد وينعكس بشكل مباشر علي ارتفاع اسعار المنتجات بالسوق المحلي وارتفاع تكلفة الانتاج نتيجة زيادة تكلفة استيراد المواد الخام ومستلزمات الانتاج . ويشير الي ان العملية حلقات متصلة ببعضها البعض ولها تداعيات واسعة علي مختلف القطاعات الاقتصادية في مصر . ويشدد عبدالعظيم علي ضرورة وضع ضوابط وقواعد صارمة للحد من عملية الاستيراد العشوائي للسلع خاصة المنتجات الرفاهية والتي تعمل علي تآكل احتياطي النقد الاجنبي وترتفع بقيمة العجز في الميزان التجاري وطالما كانت فاتورة الاستيراد متضخمة كما هي عليه الان فليس هناك من حل لأزمة العجز في الميزان التجاري حتي مع تحقيق معدلات نمو جيدة من الصادرات . واشار الي ان مصر تستورد مواد غذائية فقط ما يقارب من 55 مليار دولار سنويا بما يعني ان نسبة استيرادنا شهريا تقدر ب 5 مليارات دولار في حين احتياطي النقد الاجنبي حاليا تراجع إلي 15.3 مليار دولار وهذا الاحتياطي لا يكفي لتغطية استيراد اكثر من 3 أشهر ونصف الشهر من السلع الاساسية والاستراتيجية وهو أمر خطير ويهدد بالعجز في تلبية الاحتياجات الاساسية للمواطن المصري خلال الفترة القادمة او عدم الالتزام بسداد التزاماتنا الدولية من مستحقات وقروض لجهات التمويل الدولية . كارثة ويتفق مع الآراء السابقة فاروق العشري الخبير الاقتصادي ويؤكد علي ان مشكلة العجز في الميزان التجاري صارت مرضاً مزمناً للاقتصاد المصري نتيجة اعتمادنا بشكل كبير علي استيراد احتياجاتنا الاساسية من الخارج وتواضع مستوي صادراتنا، ويشير الي ان استمرار الاوضاع الحالية ينذر بكارثة تطول الاقتصاد الوطني . ويؤكد العشري علي ان حل هذه الأزمة لن يكون إلا من خلال تخفيض فاتورة استيرادنا والتصدي لعملية الاستيراد العشوائي والتي اضرت بالاقتصاد المصري بشكل كبير لصالح مجموعة محددة من المستوردين الذين حققوا ارباحا طائلة علي حساب البلد . ويشير الي ان سيل الاستيراد من الخارج اهدر الصناعة الوطنية وضربها في مقتل وأثر سلبيا علي الانتاج القومي وارتفاع معدلات البطالة وارتفاع اسعار المنتجات نتيجة توقف الانتاج في الكثير من المصانع المحلية نتيجة لعدم قدرتها علي منافسة السلع المستوردة والمهربة خاصة السلع والمنتجات الصينية. ويشدد العشري علي اهمية اتخاذ اجراءات عاجلة للحد من عملية الاستيراد من الخارج خاصة للسلع التي لها مثيل محلي والمنتجات والسلع الرفاهية غير الضرورية والاقتصار علي عملية الاستيراد علي المعدات والآلات الصناعية ومستلزمات الانتاج والسلع الضرورية فقط واعطاء فرصة للمنتجات والسلع المحلية للعمل بالسوق . عجز متزايد فيما يقول أحمد آدم الخبير الاقتصادي إن العجز المتزايد في الميزان التجاري يعود الي الزيادة في الواردات والتي باتت أزيد وبشكل كبير عن الزيادة في الصادرات فقد بلغ إجمالي الصادرات بنهاية الربع الثالث من العام المالي (2011/2012) ما قدره 20.1 مليار دولار مقابل 18.9 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من العام السابق وبزيادة قدرها 1.2 مليار دولار. بينما بلغت الواردات خلال نفس الفترة من العام المالي (2011/2012) ما قدره 43.6 مليار دولار مقابل 39.5 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من العام السابق بزيادة قدرها 4.1 مليار دولار ليصير العجز في الميزان التجاري بنهاية الربع الثالث من العام المالي الحالي 23.5 مليار دولار مقابل 20.6 مليار دولار خلال الفترة المقابلة من العام السابق وبزيادة في العجز قدرها 2.9 مليار دولار. ويشير الي ان الزيادة في الواردات كانت بسبب زيادة في الواردات البترولية بمقدار 1.9 مليار دولار، وغير البترولية بمقدار 2.2 مليار دولار. ويؤكد علي أن الأزمة الأوروبية قد أسهمت وبشكل مؤثر في زيادة الواردات من الاتحاد الأوروبي حتي نهاية النصف الأول من العام المالي الحالي وبمقدار 1.1 مليار وبالتالي فهناك احتمالات لزيادة في عجز الميزان أيضاً خلال نهاية الربع الرابع من العام المالي الحالي ليصبح بذلك العجز المحقق عجزاً تاريخياً وهو ما يعني التأثير سلباً علي الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية و مدي قدرتها علي سداد التزاماتها المستقبلية بالعملة الأجنبية وهو ما يعني نظرة سلبية قد تؤدي لتخفيض تصنيف مصر الائتماني والخاص بمدي قدرتها علي سداد التزاماتها بالعملة الأجنبية. ويؤكد علي أن ميزان المدفوعات بعد الثورة تحول من فائض بقيمة 0.6 مليار دولار نهاية ديسمبر 2010 إلي عجز بنهاية يونيو 2011 قدره 9.8 مليار دولار أي أن الميزان تراجع في 6 أشهر بقيمة قدرها 10.4 مليار دولار ثم حقق عجزاً بلغ 11.2 مليار دولار حتي نهاية الربع الثالث من العام المالي الحالي. أي أن ميزان المدفوعات خلال 15 شهراً قد حقق تراجعاً بقيمة 21.6 مليار دولار وهذا التراجع كان سببه الرئيسي والأساسي تراجع صافي الاستثمار المباشر وكذا خروج استثمارات الأجانب قصيرة الأجل من البورصة ومن اقتناء أذون وسندات الخزانة المصرية.