حوار: آلاء والى لماذا لا يتم التفتيش على أنشطة وماليات جماعة الإخوان المسلمين من قبل مؤسسات الدولة الرقابية، كما يحدث مع غيرها من الكيانات الحزبية والاجتماعية؟ ذلك هو سؤال الساعة فى مصر فى الوقت الحالى، خصوصا فى ظل اللغط المثار عن شرعية وجود الجماعة من الأصل، وعما إذا كان قد تم حلها فعليا، أم لا.
إن شعور الكثيرين بالاستفزاز من تجاهل الإخوان للقانون، ورفضهم توفيق أوضاعهم، يحمل مبررًا سياسيًّا، فى الأساس، خصوصا أن الكيانات الحزبية المنافسة لهم تشعر بعدم المساواة فى ما يخص الرقابة على التمويل، فضلا عن تخوف البعض من أن انتماء الرئيس إلى كيان، بحكم القانون غير الشرعى، ربما يدفعه إلى تبنى سياسات اقتصادية وخارجية، تعارض الإجماع الوطنى.
مختار نوح، يواصل فى الحلقة الأخيرة من حواره مع «التحرير»، تحليل مواقف الجماعة والرئيس فى عدد من القضايا الداخلية والخارجية. وإلى نص الحوار: ■ هل تلمح تحولًا جذريًّا فى سياسة مصر الخارجية، فى عهد الرئيس مرسى؟ - حتى الآن، سياسة مصر الخارجية، غير معروفة. وأقول إن هذا الملف لم يفتح بعد.
■ كيف هذا، بينما كانت أول زيارة خارجية للرئيس لدول مثل الصين وإيران، رغم أنها لم تكن على أولويات مصر فى عهد ما قبل حكم الإخوان؟ - هو ذهب إلى الصين، لكنه هاجم سوريا. إذن لماذا ذهب إلى هناك وهو يعلم أن بكين لن تتحالف معنا فى استراتيجيات طالما كنا ضد الحكومة السورية. أنا سعيد بالقطع أن مرسى ضد حكومة دمشق، ولست غاضبا من ذلك، لكن لماذا اختار الصين؟ فإما أن مصر تسعى إلى إقامة شراكة استراتيجية، أو تسعى إلى استيراد بعض الأعمال. الشراكة تحتاج إلى اتفاق فى المواقف، فأقوِّيك. حينما أقول أنا وقَّعت اتفاقات بعدة مليارات، فتلك أمور تمت بلا ترتيب، وفجأة، من باب أنه لا بد أن يكون هناك عمل يقال للناس، على طريقة مبارك، لكن الصين أبدًا لن تأتى إلى مصر لتنشئ لك مثلا مصنعًا للأحذية، وتبيعه لك بسعر السوق الذهيد، وتمنح لك التكنولوجيا الخاصة بها، والأيدى العاملة التى تملكها، هذا مستحيل.الرئيس ذهب إلى إيران، لماذا؟ ذهب إلى هناك فزرع بوادر الخلاف الشيعى – السنى. هذا يدل على عدم وجود سياسة أصلا. السياسية تعنى أن أحدد ماذا سأفعل، ولذلك مرسى ظُلم مرة أخرى، فى أن الثورة السورية هاجمته أولًا، ثم هاجمه بعد ذلك النظام السورى، بينما أنا أعلم أن مرسى مع الثورة السورية. لكن الطريقة التى تم ممارسة الأمر بها غير سليمة.
■ لكن الكل يرى أن هناك ثوابت فى سياسة الرئيس الخارجية، تتعلق بالتوافق مع الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا؟ - هذا ليس ملف مرسى. إنه ملف مبارك، لا يزال موجودًا. بالفعل لم يتغير شىء. بعد لقاءات مرسى بالإيطاليين فى روما، تحدث عن الشراكة المصرية الإيطالية، كيف تتم شراكة بين دولة دخْل الفرد فيها مليون دولار، ودولة دخل الفرد فيها ربع دولار. هذه ليست شراكة، فهذا اقتصاد، وذاك اقتصاد آخر. هذا اسمه عطْف، «حنية»، وحسنى مبارك كان يطلق عليها شراكة. لأن الشراكة تكون بين ندَّين، بين ماليزيا مثلا وإيطاليا، بين البرازيل وإيطاليا، إندونيسيا فى صناعة الكاوتش وإيطاليا، لكن مصر التى لا تصنع شيئًا مطلقًا، ولا حتى الملابس القطنية، والتى تنافسنا فيها السوق العالمية الآن، لا يمكن وجود شراكة لها.
■ ألا ترى أن الحفاظ على الوضع الراهن مع إسرائيل يعد من باب الحفاظ على سياسات البلد الخارجية؟ وهل تتوقع أن يكون هناك لقاء أو مصافحة بين مرسى ونظيره الإسرائيلى شيمون بيريز فى القريب العاجل؟ - مرسى تسلم البلد بتلك الضرورات، وصار فيها، لأنه لا يملك بدائل، ولم يطرح أى بدائل. وبشأن موضوع اللقاء مع بيريز أو مصافحته، فنجد أن مبارك كان يفعل ذلك فى الخفاء، وبعيدا عن الكاميرات، ومرسى لن يكون أقل من مبارك، بل إنه سيحاول أن يكون أعلى منه، ولن يفعل ذلك.
■ أين تلاقت مصالح التنظيم الإخوانى بقيادة خيرت الشاطر ودولة قطر؟ - هذا الملف لا أعلم عنه شيئًا. قطر لها أسرارها. وهى «خزنة» مغلقة، لا يعلم عنها أحد أى شىء، ومن يقول غير ذلك، فى ما يخص العلاقات المصرية القطرية، بشكل عام، فهو لا يعلم شيئًا. وأنا أقول العلاقات المصرية القطرية، لأن الدوحة لها علاقات بالإخوان وآخرين من غير الإخوان.
■ ما تفسيرك، لوجود المنتجات الأجنبية التى طالما نادى الإخوان بمقاطعتها، ونظموا حملات كبرى فى هذا الشأن، فى سلسلة المتاجر الاستهلاكية التى أنشأها الشاطر مؤخرا؟ - بصفة عامة الإسلاميون الآن، يعانون من أزمة تتعلق بكيفية الوقوف والصمود أمام الجماهير، بعد كل هذه المتناقضات. وهذه مشكلة نفسية، لذلك هناك تيار إسلامى كبير صاعد يصحح ذلك الكلام.
■ تقصد تيار عبد المنعم أبو الفتوح؟ - ليس فقط هذا، لكن الحركة السلفية نفسها تصحح الآن مسارها. لأننا فى حزن بسبب التناقض الذى ظهر بين ما كنا نقوله، وما نفعله الآن. وأى شىء يفعله غيرى أنا مدان به، رغم أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ورغم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، لكن كل تلك الأفعال أنا مدان بها، بحكم أنى أشعر بخزى شديد. لقد تربيت على رفض القرض والآن ببساطة يقال إن القرض حلال ولا يوجد أمامنا غيره.
■ ما الذى خسره الإخوان من وجودهم فى السلطة؟ - هم لم يخسروا بعد، لكن لو استمروا بهذه الطريقة، فالخسارة قادمة لا محالة، إذا استمروا بهذا الأسلوب، ولم يستجيبوا للنصائح، وتم أخذ كلام الآخر على أنه حقد وكراهية وغل.
■ ألا تُعد نسبة الأصوات الضعيفة، التى نالها مرسى، فى الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة خسارة فى رأيك؟ - الخسارة الحقيقة قادمة.
■ هل تعتقد أن الانتخابات التشريعية المقبلة بعد وضع الدستور، ستنتج نفس البرلمان المنحل، أم أن البرلمان الجديد سيشهد هزة عنيفة لوضع الإخوان؟ - حسب النظام الانتخابى الذى سيُتبع. هناك نظام انتخابى يعلن نجاح من خسر. مثل النظام الفردى. نظام القائمة غير المشروطة، يمنح كل ذى حق حقه. فلو كانت الانتخابات كاملة بالقائمة، ولو فى مرحلة انتقالية، سيظهر العدد والوضع الحقيقى للقوى المدنية والإسلامية.
■ كيف ترى إقرار المحكمة الإدارية العليا حكم حل مجلس الشعب؟ - من الناحية الواقعية لا قيمة له. لأن الرئيس مرسى يستطيع أن يقول لكل مجلس يصدر حكم ببطلانه، استمر. الرئيس أخذ سلطة المجلس العسكرى، فى تشكيل المجلس، فإذا ما كان هناك حكم بأن تشكيل المجلس غير مطابق للدستور، فإن الرئيس يمكنه أن يصدر قرارًا وفقا للصلاحيات الممنوحة له حاليا، أن يستمر المجلس فى عمله. وهذا قرار دستورى لأنه بناء على تفويض دستورى. فما قيمة الحكم القضائى إذن؟ التحدى ما زال قائمًا بين الحكومة الحالية وبين القضاء، ونصيحتى للدكتور مرسى ابتعد عن الصدام بالقضاء، حماية لسمعتنا التاريخية، ويكفى ما حدث مع المحكمة الدستورية العليا.
■ لماذا يشعر الجميع بوجود «تار بايت» بين الإخوان والمحكمة الدستورية العليا؟ - لا يوجد «تار»، لكن المستشارين حول الرئيس، والذين أشاروا عليه بالخوض فى تلك المعركة، غير موفقين فى نصيحتهم له. أنا أخلص منهم لمرسى، فأقول له بإخلاص أرجوك اترك هذه المعركة. إذا استمر الهجوم على المحكمة الدستورية بهذا الشكل فإننا قطعا نصنع حالة فوضى، وسيقول البعض المحكمة أسسها مبارك، وعينها مبارك، وبالتالى سيقول آخرون الرئيس أتت به أمريكا، والوزارة أتت بها إسرائيل.. هذا الكلام لا ينبغى أن يقال فى دولة تريد أن تقيم مؤسساتها. وأقول للرئيس ابتعد عن تلك المعركة، فإن الخاسر فيها جانب واحد.
■ هل القضاء سيخسر من تلك المعركة؟ - القضاء لا يخسر. فطالما هوجم، ومبارك أضاف له ضباط أمن دولة كثيرين، وزوروا انتخابات كثيرة، والقضاء هو القضاء. يوم أن أشك فى أن القضاء لن يصمد سأوقف عملى بالمحاماة، لأن مهنتى قائمة على أن القضاء سيأتى لى بحقى. وللعلم لم أتوسط يوما لدى وكيل نيابة أو قاض. وإذا كان هناك قاض صديقى أو أعرفه، لا أرفع الدعوى أمامه، فلا أدخل النار بسبب موكل. فى مصر قضاة فى غاية الروعة والجمال، صحيح أن من بينهم قضاة «تعبانين»، لكن لا تنسى أن مبارك «نخور» سنوات طويلة. الآن دورنا فى الدفاع عن المؤسسة، بحيث لا يتم اتهام الشرفاء، بجريمة الذين تم تعيينهم «نخورة»، كضباط أمن الدولة الذين دخلوا سلك القضاء. عليك أن تكون ذكيًّا، وتدخل معركة مع الماضى، تنتصر أنت فيها.
■ هل تتوقع صدور حكم بتأكيد حل جماعة الإخوان المسلمين؟ - لا قيمة له. لأن الجماعة إذا كانت واقعية أو غير واقعية، فعلى المؤسسات أن تقوم بدورها بالتفتيش عليها. هم يقولون إننا لم نُحل، فلتذهب اللجان إلى الجماعة وتفتش. الحقيقة أن اللجان والمؤسسات أجبن من أن تفعل ذلك. وإذا افترضنا صدور حكم بحل الجماعة، فمن المنوط به محاسبة الجماعة على الاجتماع والتمويل؟.. لن يحاسبهم أحد، لأن المؤسسات جبانة، ولم تحظ فى يوم من الأيام بالاستقلال عن الحاكم. كنت أناشد الرئيس مرسى فى فصل المؤسسات عن الحاكم، فإذا به يسير على نفس الطريق.
■ وما رأيك فى حديث الجماعة وقيادتها عن أنها ستوفق أوضاعها، بمجرد سن قانون جديد للجمعيات الأهلية، يستوعب نشاطها؟ - هذا كلام عام لا قيمة له.
■ كيف تقيم الهجمة الشرسة على الصحافة والفضائيات الخاصة من قبل الإخوان، فى مقابلة بسط نفوذهم على الصحافة القومية وتليفزيون الدولة؟ - ملف الإعلام فى الجماعة لم يكن متداولًا. ولم يكن هناك أى إعداد مسبق للخطة الإعلامية. فإذا تكلمنا مع صلاح عبد المقصود (وزير الإعلام)، وسألته ما الذى ستفعلونه بالإعلام، لن يقول شيئًا عن أى أمر سيحدث غدا.
■ هل توافق على سعى الحكومة إلى التصالح مع رجال أعمال النظام السابق، مقابل استرداد أموال الدولة؟ - ستكون جريمة فى حق البلد إذا ما تم التصالح. لقد هاجمنا قانون المجلس العسكرى فى هذا الشأن، وحمل رقم 4 لسنة 2012. من سيعيد الأموال، سيعيدها رغما عنه. لو أن هناك دولة ولها هيبة ومؤسسات، سيعيد الأموال رغمًا عنه. أما إن كنت لا تملك هيبة، ولا يوجد لديك مؤسسات، يمكنك من خلالها تحصيل تلك الأموال، وتريد فعل ذلك بشكل ودى فتلك جريمة.
■ هل تعتقد أن هناك خطورة من خروج كثير من الأسماء الجهادية، التى لم توافق أو حتى ترحب بمبادرة وقف العنف، الخاصة بالجماعة الإسلامية، من السجون فى الفترة الأخيرة، بقرار من الرئيس، خصوصا أن بعضهم يرتبط بفكر القاعدة، وربما فى عداء فكرى حتى مع الإخوان المسلمين؟ - هذا لا يهمنى، ما يعنينى أن أحدًا لا يعرف ما حدث فى مجزرة رفح. فهل لدى الدولة معلومات، أم سيتم تقديم كبش فداء. هو يخرج من يخرج، وعلى مسؤوليته، هذا لا يعنينى.
■ لكنك حذرت من قَبل من تنامى فكر القاعدة فى سيناء، فما حقيقة الأمر؟ - طبعا. وهذا خطر ليس فقط على المجتمع المصرى، وإنما على المجتمع العربى كله. وأعتقد أن القاعدة هى القادمة. كان فى مصر إخوان وسلفية وسلفية جهادية، وأصبح هناك تنظيم القاعدة. وهو منتشر وقوى جدا. ممكن جدا خمسة أعضاء فقط فى مصر، يتم استخدامهم فى التحكم عن بعد وفى أشياء كثيرة جدًا.
■ لكن كلامك يناقض الرأى القائل بأن فكر القاعدة سيتلاشى بعد الثورات العربية؟ - فكر القاعدة سيتحول على الإخوان، ويقول إنهم لم يطبقوا الشريعة، وتلك هى الكارثة. الإخوان والسلفيون قالوا سنطبق الشريعية فأتوا إلى الحكم. وبالتالى سيظهر فريق آخر يزايد عليهم، لأنهم لم يطبقوها. البعض الآن يقول إن موقف مرسى فى قضية الفيلم المسىء، كان متخاذلا. وأنه لم ينتصر للشريعة الإسلامية.
■ أخيرا هل يمكن تغيير النائب العام؟ - النائب العام لا يعزل، لكن هل يا ترى فكَّرنا فى صنع قانون يمنح النائب العام استقلاله، وحتى لا يعين من قِبل رئيس الجمهورية؟ بالطبع لا. هم يريدون أن يُعين رئيس الجمهورية النائب العام القادم. وهى نفس خطوات مبارك، فالقانون الحالى للسلطة القضائية يمنح الرئيس حق تعيين رئيس المحكمة الدستورية والنائب العام. ولماذا لم يفكر وزير العدل بدلا من قانون الطوارئ فى أن يقر قانونًا يحُول بين رئيس الجمهورية والنائب العام. هو لم يفكر فى ذلك، لأنهم لا يريدونه الآن، حتى إذا ما جاء نائب عام جديد يكون «تبعنا». المشكلة أن فلسفة حكم مبارك فى تطويق الحكم هى السارية الآن، لا يوجد استقلال للمؤسسات عن الرئاسة.
■ بعيدا عن كل تلك القضايا.. كيف تُعرِّف نفسك، هل أنت قيادى إخوانى مجمد أم منشق، أم سابق؟ - مش عارف.
■ هل لديك أمل فى العودة مجددًا إلى الجماعة؟ - لا هذا الأمر انتهى. لا أحد يرجع كما أنهم لا يقبلون هذا. فكل من يخرج من الجماعة هم يقصدون ويريدون أن يخرج.
■ يُفهم من كلامك أنك تود العودة مجددًا إلى الإخوان؟ - جميعنا لدينا تلك الرغبة، لكن لمن يعودون، هل يعودون إلى نفس الشرنقة، أم للجماعة الأصلية بفكرها القديم. فكر عمر التلمسانى؟ لذلك اعتبرت نداء المرشد لمن غادروا الجماعة بالعودة، نداءً لطيفا، ومن باب تطييب الخاطر، لأنه يعرف لماذا خرجوا. وبالتالى من يعود لن يكون له دور، سوى الشرنقة. لو أراد أحد ممن خرج العودة إلى الجماعة لن توافق هى.. كما أنها أصلا لا تريدهم. لأن الجماعة تعنى تنظيما واحتراما وسمعا وطاعة. لكن من خرج هم بالطبع أنصار الفكر المفتوح.